عادة ما أنتبذ ليلة الخميس مكاناً قصياً ، لأتفرغ فيها إما للقراءة ، أو لتصفح النت ، أو محاولة الكتابة ، وفي هذه الليلة حاولت الكتابة فتذكرت قصة جميلة فأحببت أن أشاركك بها فإليكموها :
إبراهيم ومها زوجان مؤتلفان ، كان عقد قرانهما عام 1419هـ ...
أبحرا في عالم الحب منذ نظرتهما الأولى..
وعاشا حياتهما بحب ووفاق ومودة ....
كان إبراهيم يمتاز برقة إحساسه ....ومشاعره الفياضة .... وألفاظه العذبة ....
والتي كانت مها تقتات عليها طيلة عامها الأول الذي تعثر فيه إنجابها ....
لقد كانت ترتشف من تلك النعومة الخلابة التي كانت تضفيها نفس إبراهيم ....
وتجعل منها وجبة روحية تقيم لها أحاسيسها ....
مضى عام كامل وهما يرتعان في واحة الحب .....
ويجدفان في بحر المودة والسعادة ...
******
ثم شاء الله أن تتناغم تلك الفرحة الغامرة ....
بمولود يصبغ تلك الحياة لوناً جديداً من الأنس والطمأنينة ...
فجاءهم الابن صالح ....
ثم توالت نعائم الله عليهما...
حيث رزقا بخالد وسعيد ...
وازدانت الحياة بتلك المصابيح المشعة...
وأورقت تلك الشجيرات الباسقة ...
وأشرقت الدنيا بعطرها الفواح ...
******
وهكذا ظل إبراهيم ومها يتقلبان في نعم الله التي تحصى ...
بيد أن تلك المنح المزهرة كانت تستأثر في كثير من الأحيان بالحب والحنان ..
بعد أن كان ذلك السيل المنهمر من الحب والحنان حكرا على إبراهيم ومها....
وتمر الأيام والليالي ، والسنون والأعوام
وإبراهيم تتسامى همته في توفير المأكل والملبس والمسكن لتلك البلابل الصداحة ...
فينشغل عن مها...
ومها هي الأخرى تجد في أبنائها منشغلاً عن كل أحد ...
فينسى إبراهيم مها ... وتنسى مها إبراهيم
وتجف تلك الواحة الخصبة من الحب والوداد
وتستحيل تلك العذوبة المتناهية لتصبح صلبة خشنة ...
في ظل معاركة الحياة ..
ومقارعة الخطوب..
******
فبينما الأمر كذلك
إذ جلست مها تفكر فيما آل إليه حالها
فقد أصبحت تحس بجفاف عاطفي
وفراغ روحي
وجعلت تفكر في الحل والمخرج من هذه الكارثة
فلم تجد بداً من المكاشفة والمصارحة ..
وفكرت في الطريقة المثلى لبث الهم والشكوى ...
حتى جاءتها فكرة صائبة فدعونا نستمع لها وهو تقول :
:
زوجي الحبيب يا أباصالح ...
إبراهيم : لبيك يامها ...
مها : ألا ترى أننا أطلنا العهد عن البيت الحرام
ومسجد الرسول الكريم ...
إبراهيم : نعم ولكن ما لمخرج من مشاغل الدنيا ...
مها : مشاغل الدنيا لا تنتهي ، ولن يكلفنا الأمر أكثر من يومين اثنين ...
إبراهيم : ولكنني أستثقل الأطفال وأخاف عليهم من الضياع ..
مها : ومن قال أننا سنأخذهم معنا
إبراهيم : أجل ..
سنتركهم مع جدتهم وخالاتهم ...
إبراهيم : ولكن ربما يكونون مشغولين وليس بالود أن نشق عليهم ..
مها : عرضتُ عليهم الفكرة فوافقوا حباً وكرامة ..
إبراهيم : إذن أنا موافق وعلى بركة الله...
مها : ولكن بودي هذه المرة أن نسافر برا يا حبيبي
إبراهيم : ولماذا يا مها ، وإنما هما يومان فقط ..
مها : لكي يحلو الحديث معك يا أباصالح
إبراهيم : نزولاً عند رغبتك يا أم صالح فأنا موافق..
******
سافر إبراهيم ومها من الرياض متوجهين لبيت الله العتيق أداءً لمناسك العمرة
فلما ابتعدا قليلاً عن ديار المقامة
بدأت مها في حديثها الشفاف
أبا صالح ..
لبيك يا أم صالح
بودي أن تفرغ لي قلبك
وترعني سمعك
وتهبني مشاعرك وحسك
فإنني أريد أن أسامرك اليوم مسامرة الأوفياء
وأفضي إليك بما يدور في خلدي ويعتلج في صدري
هي كلمات يا أبا صالح منبعها الفؤاد وطريقها اللسان
وغايتها مهاتفة روحك ...
واستنهاض ماضيك المتألق...
وقد صبرت على بث هذا الأوجاع سنين عدداً..
وتأبطت الهموم والغموم كي أحتفظ بودك وخوفاً من أن أثني عزمك الذي قصرته على أبنائك ..
ولكن بعد أن غار الجرح والتهب ...
وأصبحت لا طاقة لي بتحمله ...
لجأت إلى قلبك الحنون وركنت إلى روحك الطاهرة ...
حبيبي أباصالح ........
( أخشى أن يطول المقال لذا
سأوافيكم ببقية القصة في حلقة قادمة إن شاء الله
ودمتم سالمين
أخوكم / قلب نابض