السلام عليكم
الاخت الفاضلة
لعلّ من حسن الطالع أن الشمعة حين تضيء لا يقتصر ضوءها على مساحة محددة، بل يمتد الضوء لأوسع من حيّز هذه الشمعة. فحين تعملين على تنمية ذكاء وإبداع ابنك ,فإن هذا بطبيعة الحال يمر عبر عدة أنشطة تمارساها معًا. وهذا يضيء أكثر من مساحة الذكاء. فهو أيضًا يعني وقتًا دافئًا تمارسين فيه مع ابنك الكثير من الأنشطة. وهذا الدفء في العلاقة أمر هام جدًّا في حد ذاته، حيث يعتبر البيئة الحاضنة لكل تعلم وكل نماء ممكن.
فضلاً عن دوره في بناء تقدير الذات لابنك مع كل جديد تعلمه. إضافة لأن هذا الحب سبب أساسي يمهد لتمثل ابنك لقيم أسرته بما يساعد في رفض ما يخرج عن هذه القيم التي تشربه مع الحب. وإضافة لكل ذلك ففي هذا الوقت المحبب لابنك تلهى عن السلوكيات غير المرغوبة وبعدًا عن الأشياء التي تسبب له الغضب. كذلك بعدًا عن الأطفال الذين تلتقط منهم بذاءة اللسان.
- تبعًا لمرحلة ابنك السنية فإن الطفل في هذا العمر يسعى بشتى الطرق للسيطرة على البيئة المحيطة. والسب والبذاءة أحد هذه الطرق. ولذا التعامل مع هذا السلوك بإثارة زائدة بالضحك أو العنف تحقق له ما أراد من الإحساس بأهمية وقوة كلماته.
- الطفل في هذا العمر لا يفهم معنى ما يقول. ولا يستوعب مفهوم "البذاءة" نفسه. ولا يمكنه الربط بدقة بين سلوكه وما يترتب عليه من عقاب. ولا يمكنه فهم أن ما تمارسيه هو عملية تأديب. فهو لم يفهم بعد معنى التأديب.
ولذا فإن اجتناب مسببات السب نفسها تكون هي أجدى الحلول الممكنة. وهو ما يضعنا أمام مسألة هامة: كيف تتشاركون أنت والأقارب ممن تعيشين بينهم في وضع خطة تربوية جماعية؟ وهذا أمر هام جدًّا حاولي بذل بعض الجهد فيه، فكثير من المشكلات تضطرنا أحيانًا من محاولة الحل الجماعي، وعسانا نقبل هذا طواعية فنحن نعيش جماعات وليس أفراد وما وصل مجتمعنا لما هو عليه إلا بسبب غلبة التفكير الفردي على التفكير الجماعي.
- الطفل يحتاج باستمرار للفت انتباه واهتمام المحيطين. وإذا لم يتوفر له ذلك بالطريقة السليمة الطبيعية عبر المشاركة واللعب معًا. فإنه يبذل كل ما يتاح لديه من وسائل (صراخ – زن – سب..)، وغيره من السلوكيات السيئة؛ ولذا كل ما علينا هو الاهتمام به واللعب معه وإشباعه حبًّا حازمًا (وليس تدليلاً والفرق شاسع بينهما).
- تأكدي أن من الصعوبة بمكان اقتلاع البذاءة من لسان ابنك إذا ما كنت أو أبوها تستخدمون هذه الألفاظ أمامه سواء في غضب أو دعابة. وايضا اطفال اقاربك.
- كرري على طفلك أن هذه الكلمات سيئة وماما لا ترضى بهذه الكلمات السيئة من حبيبها.
وتذكري "المحب لمن يحب مطيع" فقد يمتنع حبًّا وإرضاء لك.
ولكن العقاب مرفوض تمامًا فقد يزيد الأمر سوءاً خاصة هذا النوع من العقاب القاسي وإنما ما نحتاج إليه هو:
* تلهيهه عما يثيرة.
* تلهيهه عن المتلفظين بهذه الألفاظ. وتمنعيه عنهم بأسلوب لا يشعر فيه بتحدي أو تعنت وسيطرة من جانبك
* اللعب والحب إلى أن يمتنع طاعة وإرضاء لك.
* ربما جربتي إعطاء ابنك لفظًا بديلاً يستخدمه. وبطبيعة الحال يكون لفظًا لطيفًا مضحكًا حين تستخدميه أنت كبديل ويضحك منه الأطفال؛ فسيلفت انتباهه لاستخدامه بغرض إثارة الآخرين ولفت الانتباه بالضحك بدلاً من البذاءة.
* عرّفي ابنك بدقة ما هي الكلمات السيئة. فلا تعاقبي أو ترفضي شيئًا لا تعلمه أصلاً طفلك. لا تعتبرين أنه يعرف فهذا ليس حقيقيًّا. الطفل أحيانًا يستغرب لثورتنا على شيء لم نخبره من قبل بخطئه وعدم قبوله. على أن تكرار الإفهام الهادي مرة بعد مرة من الأمور الهامة جدًّا.
فهل نحن ككبار نمتنع عن الخطأ لمجرد معرفتنا أنه خطأ. لو كان الأمر كذلك لما امتلأت جهنم بالعاصين. ولما كتب الله أجرًا كبيرًا لجهاد النفس. فلنكن رحماء أثناء تأديبنا لأطفالنا.
* كافئي طفلك في كل مرة يتخلى عن استخدام ما اتفقتم معًا على أنه كلمة سيئة.الطفل في هذا العمر يقلد كل ما يتعرض له من سلوكيات. وتبقى عند مرحلة التقليد ولا تتعداها لتكون ضمن عاداته إذا ما تخلصنا من مسبباتها الآنية والمستقبلية.
الطفل في عمر أكبر يستمر على عادة السب لأحد أسباب:
* الشعور القوة والغلبة. أي الإحساس العالي بتقدير الذات. وهذا يمنعه وجود مساحات أخرى للتميز يثبت فيها الطفل قوته بطريقة شرعية.
* المجاراة للمحيطين. وعدم اتباع قيم وأخلاق أسرته. ويمنع ذلك العلاقة المتينة بين الطفل وأهله، تلك التي بنيت دعائمها لحظة بلحظة عبر المشاركة والحب. وهو ما يجعل الطفل قانعًا بصحة ما لدى أسرته من قيم، ويحميه من المجاراة للخطأ، بل ينقله لمرحلة أبعد من مجرد عدم المجاراة للإيجابية بدعوة غيره للكف عن الخطأ. ولا يقدر على ذلك إلا الطفل أو المراهق أو الكبير مما يتمتع بتقدير عال للذات. (عبر الحب والتمييز في عدة مساحات).
أرجو من الله أن يكتب لك بفضل تربيه إبنك أجرًا كبيرًا بإذن الله عز وجل.
رد علمي تربوي
تحياتي