منذُ أن طلعتُ على الدنيا وقلبي متعلق بالأندلس، لا أدري متى كانت أول كلمة سمعتها عن الأندلس إلا أن الأكيد أنها كانت أيام الطفولة، لطالما صورت لنا الأندلس أنها جنة الله في أرضه وأنها مسرحٌ للإبداع والعلم والفنون المختلفة، حتى بدأنا نتعرف من خلال القراءات المختلفة بداية من كتب المدرسة سواء بالتاريخ أو الأدب عن الأندلس وفتحوتها وعن أدبها وشعرؤوها، وكانت بعض الأشرطة السمعية تتحدث عنها وعن طبيعتها، وهكذا حتى انتقلنا للجامعة ودرسنا أدب الأندلس بكل مافيه من بهجة حيث طارق بن زياد وابن زيدون وولادة بنت المستكفي وابن عباد وإعتماد الرميكية ولسان الدين ابن الخطيب وأبي محمد علي ابن حزم والباجي وأبو البقاء الرندي وابن رشد وابن البيطار وابن زيدون وغيرهم من أعلام كثر ومدن كأشبيلية وغرناطة و قرطبة ورندا وباجة وبني حافظ والمرية والزهراء وغيرهن، وكنتُ قد عكفتُ في بداية العشرينات على بعض كتب ابن حزم وكيف كان يصوره ويصور طبيعتها الخلابة وأحداثها المتعاقبة وطبيعتها الاجتماعية وتعمقت ذاكرتها في وجداني، وقرأتُ بعض القصائد الحديثة عنها، وأشهرها قصيدة نزار قباني في مدخل الحمراء، وهكذا أصبحت أتابع الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن الأندلس سواء من مستشرقين أو عرب أو أسبان مهتمون بتاريخ الأندلس، كان الأندلس يمثل لي في قلبي شيئاً عظيماً، وكأن جزء من جسد هناك أو خلق فيه، وكنتُ أحلمُ يوماً ما أن أزوره، ولكن قلة الموارد المالية وضعف التجربة أيام المراهقة وبداية الشباب منعتني، حتى فتح الله علينا من واسع فضله، ويسر لي زيارته، والانغماس في أجوائه.
في سبتمبر من العام 2016 كنتُ قد قررتُ زيارة بعض مدن أوربا الشهيرة كباريس وبرشلونة وروما، وكنتُ قد رسمتُ خطتي قبل ذهابي بوقت، فهبطت في باريس مدة أربع ليالٍ وتجولت فيها وزرتُ معالمها، ثم انتقلت منها بالطيارة إلى برشلونة وأمضيت فيها خمس ليالٍ، وبعدها تحركت في القطار قاطعاً مسافة أكثر من 800 كيلو منطلقاً من برشلونة إلى جنوب أسبانيا حيث (أندولسيا) أو الأندلس بقطارٍ يمخر عباب أرض أسبانيا صوب ملقا قاطعاً الأندلس من شماله إلى جنوبه، وملقا هي مدينة رئيسية وكبيرة في الأندلس تستلقي على البحر المتوسط تقابلها أختها في شق الآخر من البحر الحُسيمة فتلقي عليها السلام كل صباح، وملقا تعني (الملقى) كما سماها أجدادنا العرب حيث يلتقي فيها الناس والعائدون من البحر، وهكذا حال كثيرٌ من مدن الأندلس التي تحولت بسبب عدم النطق السليم من أهل أسبانيا للعربية فيقلبون الكلمة أو يعدلون ببعض حروفها كما سيأتي.
حين وصلت ملقا، كنتُ قبلها قد حجزت في فندق في مدينة مربيا السياحية الشهيرة، حيث اخترتها لشهرتها ولتوسطها لبعض الأمكان التي أود زيارتها، وكنتُ قد حجزت سيارة لمدة ثمانية أيام أتجول بها بين بعض مدن الأندلس.
كنتُ قد قرأتُ عن الحمراء في غرناطة، ذلك القصر الشهير العظيم الذي يعتز فيه المسلمون والأسبان، لما يحويه من بناءٍ عظيم وتصميمٌ هندسي رهيب ونقوشٍ قرآنية نادرة وزخارف مذهلة، يزوره العالم وخاصة الأوربيين والأمريكان ومن بقية أنحاء العالم ليشاهدوا المبنى المميز.
هذا المبنى بناه محمد بن يوسف بن الأحمر عام 1238م، واستغرق بناءه أكثر من 150 سنة، وكنتُ قد قرأتُ وصفاً له من قبل مصادر كثيرة، وقرأتُ قصيدة نزار قباني وهو يصف زيارته له وكيف قابل فتاة حسناء بدى له أنها عربية فإذا به يتفاجئ أنها أسبانية وتفتخر بذلك، وراح يصف في قصيدته الجميلة القصر ومايحويه من نقوش وزركشات وتصاميم ونوافير خلابة وجنات وأشجار، في قصيدته الشهيرة الحمراء، حيث يقول:
في مدخل الحمراءِ كانَ لقاؤنا = ما أطيب اللقيا بلا ميعاد
عينان سوداون في حجريهما = تتوالد الأبعادِ من أبعادِ
هل أنتي أسبانية سألتها = قالت وفي غرناطة ميلادِ
غرناطة!! وصحت قرونٌ سبعةٌ = في تينكَ العينين بعد رُقادِ
ومن يريد تكملة قراءة القصيدة فليبحث عنها، فهي جميلة وتصف لك ذلك القصر.
وكنت قد قرأتُ وصفٌ لبلاد الأندلس لدى لسان الدين محمد ابن عبدالله الخطيب في كتابه الاحاطة في أخبار غرناطة، ولسان الدين من أشهر العلماء الاندلسيين وبرع في الدين والتفسير والفلسفة والأدب، ودرس في جامعة القرويين في فاس، وكان أحد رواد الموشحات الأندلسية العذبة والشهيرة والتي تتميز بإيقاع مميز، وقد كان لسان الدين وزيراً في عهد أبي الحجاج يوسف تاريخ 760 هجري، حتى حصل ماحصل من قلاقل في تلك الفترة الشهيرة بالقلاقل والخيانات، فعاد أكثر من مرة إلى المغرب واستقر في سلا الشهيرة، وألف فيها كتباً وأسرف تارة في مدح سلا وأسفر تارة في ذمها، وكانت له خصومة عند بعض أهل فاس حتى قتلوه فيها سامحهم الله ورحم لسان الدين ابن الخطيب، ومن أشهر قصائده العذبة التي تغنى به كل مغني ومنشد منذ ذلك العصر إلى هذا اليوم:
جــادك الغيــث إِذا الغيـث همـى = يــا زمــان الــوصل بــالأَندلسِ
لـــم يكــن وصْلُــك إِلاّ حُلُمًــا = فــي الكــرى أَو خُلسـة المخـتَلِسِ
فــي ليــالٍ كــتَمَتْ سـرَّ الهـوى= بــالدُّجى لــولا شــموس الغُـرَر
وطَـرٌ مـا فيـه مـن عيـبٍ سـوى = أَنّـــه مـــرّ كــلمْح البصَــرِ
حــين لــذّ الأُنس شــيئًا أَو كمـا = هجــم الصّبــحُ هجــومَ الحـرَسِ
غــارت الشــهْبُ بنــا أَو ربّمـا = أَثّــرت فينــا عيــون النرجــسِ
يـا أُهيْـلَ الحـيّ مـن وادي الغضـا = وبقلبـــي مســـكَنٌ أَنتـــم بــهِ
ضـاق عـن وجـدِي بِكُم رحْبَ الفضا = لا أبــالى شــرقَه مــن غربــهِ
فــأعيدوا عَهْــدَ أنسٍ قــد مضـى = تُعْتِقـــوا عــانيكمُ مــن كرْبــهِ
ســاحر المقلــة معســول اللّمـى = جــال فــي النّفس مجــالَ النّفَسِ
ســدّدَ السّــهمَ وســمّى ورمــى = بفـــؤَادي نهبـــة المفـــترسِ
وهكذا هي الأندلس منذ أن فتحت على يد طارق بن زياد، وهي ولّادة منتجة للمبدعين والعلماء والفنانين والفلكيين والكيميائين والفلاسفة وغير ذلك من فنون، حتى انتهى عهدها، وكنتُ قد زرتُ مدينة لشاعر مشهور يكاد جميعنا يعرف قصيدته، وعنيت إلى تلك البلدة من أجله، وهو أبي البقاء الرندي، وبلدته رنده التي تجولت بها على أقدامي أكثر من أربعة ساعات، وزرت مسجداً تحول إلى كنيسة، كما لاتزال أحدى المآذن قائمة على أصلها الإسلامي، وأبي البقاء الرندي هو صاحب قصيدة لكل شيء إذا ماتم نقصانُ، وكنت وأنا في الطريق المنعرج الملتف حتى وصولها أسمع قصيدته عبر الجوال:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحد ولا يدوم على حالٍ لها شان
أين الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ ؟
وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ ؟
وأين ما حازه قارون من ذهب وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ ؟
أتى على الكُل أمر لا مَرد له حتى قَضَوا فكأن القوم ما كانوا
دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له هوى له أُحدٌ وانهدْ ثهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فامتحنتْ حتى خَلت منه أقطارٌ وبُلدانُ
فاسأل (بلنسيةً) ما شأنُ (مُرسيةً) وأينَ (شاطبةٌ) أمْ أينَ (جَيَّانُ)
وأين (قُرطبة)ٌ دارُ العلوم فكم من عالمٍ قد سما فيها له شانُ
وأين (حْمص)ُ وما تحويه من نزهٍ ونهرهُا العَذبُ فياضٌ وملآنُ
قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما عسى البقاءُ إذا لم تبقَ أركانُ
وأخيراً أختم بقصيدة قبل أن أذهب لعرض الصور والتعليق على بعضها، وهي قصيدة اندلسية ولكن لم أعرف قائلها حتى الآن، وأنا أزور تلك المدن الفاتنة، تصدح هذه القصيدة في أذني:
قف بنا يا صاحِ نبكي المُدُنا *** بعد من قد كان فيها سكنَا
و نُنادي في فراغٍ مُطلقٍ*** بعدهم في دارهم و حزَنَا
طالما كنّا بها في دعةٍ *** نجتني في قُربهم ما يُجتنى
كم بلغنا بين أكناف الحما***مِن لياناتِ المُنى ما سَرّنا
وافتَرَقنا فكأنّا لم نكن *** أبداً في الدّار نُولي المِنَناَ
ليت روحي قبل أن فارقتهم*** فارَقَتْ مِن قبلُ ذاك البدنَا
يا اُصَيْحاب انتهوا وانتهزوا*** فُرصة الأوقات فالرّحلُ دنا
كما قلت استقريت في مربيا، وفي كل يوم أزور مدينة، وأحياناً أقضي يومي في مربيا وشواطئها، وسوف الآن أبدأ باستعراض رحلتي لقصر الحمراء والذي يبعد 250 كيل عن مدينة مربيا:
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
وهنا انتهت زيارتي لقصر الحمراء التي استمرت لأكثر من عشر ساعات، تجولت في داخل القصر، وهناك صور أخرى لكن يظهر فيها الكثير من النساء، والمنتدى هنا يمنع صور للنساء، أيضاً تجولت داخل مدينة غرناطة وانتقلت من القصر إلى الجهة المقابلة في الجبل المقابل بمسافة 40 دقيقة حيث صعدت صوب الجبل حتى وصلت أعلاه حيث يذهب الناس هناك، وجانب هذا المكان مسجد كبير نسبياً يشرف عليه أخوة مغاربة، والذين لهم دور كبير في أسبانيا وفي نشر المساجد كون أغلب الشعب المغربي محافظ وحريص على بناء المساجد والتجمع ودورهم واضح جلي في كثير من المدن التي زرتها، كما هو الحال في كثير من مدن أوربا بجانب أخوتهم من الدول العربية الأخرى وخاصة شمال أفريقيا.
أثناء سكني في مربيا، سكنت في فندق، ولكني انتقلتُ يوماً واحداً لأسكن داخل المدينة القديمة التي بناها أجدادنا حيث تم استثمارها لتكون مسكناً للزوار من قبل ملاكها مقابل 90 يورو في اليوم فجربت السكن به، وهذه صور من الممر الذي يؤدي إلى البيت القديم، حيث الممرات ضيقة جداً لايمكن أن تدخل من خلالها السيارة، والملفت أنها مزينة بالزهور والورود كعادة أهل الأندلس وأهل المغرب وبالذات شماله:
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
منظر الزهور معلقة دائماً على الجدران، وتشاهد هذا المنظر في جميع شوارع وبيوت الاندلسيين
العاب
أشهر ساحة في مربيا، ساحة البرتقال أو كما يسمونها (النرناخوس)
العاب
=
والان بناخذ بريك، ونتغدى من أشهر أكله أسبانية وهي "الّبيا"، وكذلك روبيان لذيذ، فتفضلوا من مطاعم مربيا على الشاطي:
العاب
=
العاب
=
ونواصل المسير إلى مدينة أبي البقاء الرندي "روندا"
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
=
والآن إلى الجزء الأخير من الصور وهو زيارة لمدينة ميخاس، التي تقع بين ملقا ومربيا فوق جبل شاهق ومن تحته البحر على بعد خمس كيلو، حيث ترى جمال الطبيعة من حولك ومن تحته البحر
العاب
=
العاب
=
العاب
=
العاب
وانتهت الرحلة، وأعتذر عن التقصير في الكتابة أو الصور، فاضطريت لحذف الكثير منها لأن فيها نساء، كما أنني وجدت نفسي لم أصور بعض الصور البانورامية أو أني لم أرفقها في الملف الخاص من جوالي، وإذا كان هناك صور تحتاج تصغير أو تعديل، فليأخذوا راحتهم المراقبين والمشرفين في عمل ذلك.
وأي أسئلة مرحباً بكم.