أشعر أن المرأة مظلومة جداً، وهي في النفس الوقت تبذل الكثير والكثير للحصول على الاستقرار والحياة السوية ولديها من الصبر الكثير، في حين أن الرجل أكثر ظلماً، هكذا هو الواقع المشاهد أو على الأقل ما استنتجته من هذه الحياة من خلال المواقف والملاحظات والمشاهدات والقراءات وغير ذلك، هذا بشكل مجمل، وهذا لا يعني وجود نساء ظالمات ورجالُ مظلومين، إلا أن الأصل في نظري هو العكس.
لماذا يمارس كثير من الرجال سلطته على المرأة بشكل سلبي، كما هو واضح من ظلم لها وتصرفات خارجة عن نطاق العدل والإنسانية والدين والرحمة، هذا جانب، وجانب آخر لايراه الكثير من الرجال أنه ظلمٌ لها، بل وحتى النساء لايرونه أنه ظلمٌ لهن، بحكم الاعتياد على ذلك والنشأة عليه وتقبله ورؤية المجتمع يمارسه بشكل مُتَقَبَل، مثل التدخل في الاختيارات العادية للمرأة أو البنت أو الزوجة التي هي محور حديثنا في هذا الموضوع، كمنعها من زيارات أهلها أو صديقاتها أو شراء احتياجاتها وغير ذلك من الملايين من الأمثلة (المقبولة شرعاً)، ومهما كان التبرير والحجة من الرفض، إلا أن هناك رفض لامبرر له، فقط مجرد ممارسة سلطة مزاجية.
ولكي لا أطيل، فإن من المهم الوصول إلى السبب الرئيسي في ممارسة الرجل السلطة على زوجته( ومرة أخرى السلطة الغير شرعية) والتدخل في الخيارات والأذواق والمساحة الخاصة لها بحجة الطاعة، ولذلك أسباب مهمة شرّعت للرجل سلطته الغير عادلة وظلمه الذي قد لايشعر به هو في بعض الاحيان:
1- الثقافة الممتدة منذ عصور الجاهلية إلى هذا الزمن، ورؤية المرأة إنسان ضعيف لايفهم ويجب أن يوجه، وأن اكتمال الرجولة هو في أن تخضع المرأة لكلام الرجل خيره وشره، وأن رفضها له ولخياراته هو تمرد عليه، وبالتالي يجب ألا تكون المرأة لا أعلى منه من حيث التفوق والتميز، بل ولا مساوية له، وهذا أدى عند بعض النساء وبشكل لاواعي أن تشعر المرأة نفسها وتجد ذاتها تحت سلطة رجل قد يحد من حريتها (المشروعة) وخياراتها الطبيعية، فتستمتع بذلك وتقيم مدى الرجولة من خلال السلطة عليها، وكلما كان الرجل أكثر سلطة وحزماً وشدة وتدخلاً كلما كان أقرب إلى تحقيق معنى الرجولة في نظر بعضهن ، وهذا يشرعن ويعزز سلطة الرجل على المرأة وفرضه عليها كل مايريد وتملي عليه حالته النفسية والمزاجية تجاه المواقف والقرارات والسلوكيات المختلفة على مدار الحياة أثناء علاقته بزوجته.
2- الدين، الدين جاء لضبط العلاقة الزوجية وشرّع لها، وسعى إلى توزيع الأدوار وتأسيس البنية التحتية لهذه الحياة الزوجية (وأفضل مثال هو حياة النبي عليه الصلاة والسلام مع زوجاته)، وقد أعطى الدين حق القوامة للرجل، وأكدت ذلك بعض الأحاديث النبوية، وعززته آراء وأقوال العلماء منذ عصر الصحابة إلى يومنا هذا، ولأن الدين له قدسية مهمة وهو عامل كبير في تكوين الحياة الأسرية لدى المسلمين، فمن الطبيعي أن يجد قبولاً، ولأن القوامة هي بيد الرجل، فإن ذلك أدى أن يستخدم بعض الأزواج هذه السلطة لممارسة سلطاويته تجاه الزوجة أو الأبناء بحجة القوامة، ولذلك عليهم واجباً أن يستمعوا وينفذوا مايقوله هو ومايراه ومايقرره، أدى الاستخدام السيء لمعنى القوامة أن يمارس الرجل سلطته بشكل سيء وبتحكم في كل صغيرة وكبيرة بحياة هذه المرأة وهذا الأسرة، فالرجل يتكئ على الدين في تبرير سلطته وقوامته على المرأة، وهو نفسه ومجتمعه يبررون له ذلك ويدافعون عنه، والمرأة لاتملك إلا الاستسلام لذلك الأمر، فهي مسلمة ومتدينة ومقتنعة بحق الرجل لسلطته عليها، إلا أنها غير قادرة على التفريق بين مايحق للزوج قوامته وبين مايجب عليها أن ترفضه حين يمارس سلطته عليها، وحتى لو كانت قادرة على التفريق فإن ثمة ظروف اجتماعية وثقافية وزمنية تمنعها عن المعارضة، فتجد نفسها مستسلمة.
3-المادة: وهي بيت القصيد في هذا الموضوع، إن العلاقة المادية بين البشر هي غالباً من تحدد السلطة والاحترام والقرار، إن كثير من العلاقات الإنسانية قائمة على مبدأ المادة، ومهما أدعينا من مثاليات وأخلاقيات سامية، إلا أن المادة هي العامل الأساسي في تحديد السلطة أو الخضوع أو الاحترام أو الهيبة أو غير ذلك من تعاملات، على صعيد الدول تحترم الدول الفقيرة الغنية، وتفرض الدول الغنية سياساتها وأوامرها وتدخلاتها على الفقيرة، ولا تملك هذه الأخيرة إلا الرضوخ، وعلى صعيد الأفراد والناس، يحترم الناس صاحب المنصب الكبير، وحين يفقده يولون وجوههم عنه، ويحترم الناس صاحب المال وحين يفقد ماله يهربون عنه، ويستحقرون الفقير، وحين يغتني يرونه الحكيم والكريم وصاحب الجاه والمكانة والذكاء والقدرات المميزة ويغضون الطرف عن كثير من سيئاته بل وتبرر له، وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة المختلفة والمشاهدة، لذلك فإن جانب كبير من العلاقات البشرية مبنية على مدى ماتقدمه من مال.
العلاقة الزوجية تبدأ من المادة وتستمر بها، حيث يبدأ الزوج بدفع المهر ومايتلو ذلك من تكاليف، ومن ثم يبدأ بالإنفاق على بيته من خلال شراء البيت والطعام والاحتياجات، ولأن الرجل هو الذي يدفع، فإنه يشعر أنه متفضل، وبالتالي يجب على المرأة أن تسمع له سواء كان حقاً أم باطلاً، والمرأة تلقائياً تتجاوب مع هذه العلاقة المادية الجدلية، بل إنها ترضى بشكل أكبر حين يقدم لها مالاً وقد تبدع في كل شيء حتى في فراشها معه.
إن من محفزات ممارسة السلطة على المرأة وظلمها هو شعور الرجل بأنه المتفضل مادياً عليها وعليها هي أن تقول سمعنا واطعنا، كيف لا وهو أكثر مالديها من جيبه الخاص، إن الانسان الذي يدفع مالاً يتحكم بمن تحته، كما هو الحال مع الخدم أو الموظفين، وهؤلاء لايملكون إلا الانصياع، بل والمجاملة والنفاق، أليست رواتبهم بيده!؟
إن العامل المادي له دور كبير في احساس المرء بسلطته، التي تتحول في بعض الأحيان إلى ظلم، لإنه كانسان يفقد بوصلته ولا يفرق بين سلطته المشروعة والمقبولة ديناً ونظاماً وقانوناً، وبين نزاعات الانسان ونفسه الأمارة بالسوء وطبيعته الضعيفة والقاصرة في العدل مع المخلوقين، وهذا مايؤدي إلى أن يمارس تلك السلطة الظالمة على المرأة لأن الحياة ابتدأت بالمادة واستمرت كذلك، وبالتالي من يدفع هو من من يقود، وهو من يتسلط.