رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب الخامس عشر: في الغصب،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريفه وحكمه:
1 - تعريفه: الغَصْبُ لغة: أخذ الشيء ظلماً.
وشرعاً: الاستيلاء على حق الغير، ظلماً وعدواناً بغير حق.
2 - حكمه: وهو محرم بإجماع المسلمين؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [البقرة: 188]، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه) (صححه الألباني)، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طُوِّقَهُ يوم القيامة من سبع أرضين) (البخاري ومسلم واللفظ له).
فعلى كل من عنده مظلمة لأخيه أن يتوب إلى الله، ويتحلل من أخيه، ويطلب منه العفو في الدنيا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من كانت له مَظْلَمَةٌ لأخيه من عرضِهِ أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهم، إن كان له عملٌ صالحٌ أُخذَ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسناتٌ أخذ من سيئات صاحبه، فحُملَ عليه) (رواه البخاري).
المسألة الثانية: في الأحكام المتعلقة بالغصب:
1 - يجب على الغاصب رد المغصوب بحاله، وإن أتلفه رد بدلاً منه.
2 - يلزم الغاصب رد المغصوب بزيادته، سواء كانت منفصلة أو متصلة.
3 - الغاصب إذا تصرف في المغصوب ببناء أو غرس، أمر بقلعه إذا طالبه المالك بذلك.
4 - المغصوب إذا تغير، أو قل، أو رخص، ضمن الغاصب النقص.
5 - الاغتصاب قد يكون بالخصومة والأيمان الفاجرة.
6 - جميع تصرفات الغاصب باطلة، إن لم يأذن بها المالك.
الباب السادس عشر: في الصلح،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معناه، وأدلة مشروعيته:
1 - معناه: الصُّلْحُ في اللغة: التوفيق، أي قطع المنازعة.
وفي الشرع: هو العقد الذي ينقطع به خصومة المتخاصمين.
2 - أدلة مشروعيته: وقد دل على مشروعيته الكتاب، والسنة، والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء: 128]، وقوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) [الحجرات: 9]، وقوله تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114].
ومن السنة قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الصلح جائزٌ بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً، أو حرَّم حلالاً) (1). وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقوم بالإصلاح بين الناس.
وقد أجمعت الأمة على مشروعية الصلح بين الناس بقصد رضا الله، ثم رضا المتخاصمين.
فدلَّ على مشروعية الصلح: الكتاب والسنة والإجماع.
المسألة الثانية: في أنواع الصلح العامة:
الصلح بين الناس على أنواع:
1 - الصلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما. قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) [النساء: 35]، أو خافت إعراضه، أي: ترفعه عنها وعدم رغبته فيها؛ قال تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء: 128].
2 - الصلح بين الطائفتين المتقاتلتين من المسلمين. قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) [الحجرات: 9].
3 - الصلح بين المسلمين والكفار المتحاربين.
4 - الصلح بين المتخاصمين في غير المال.
5 - الصلح بين المتخاصمين في المال، وهو المقصود في بحثنا، وهو على نوعين:
أ- الصلح مع الإقرار، وهو على نوعين أيضاً:
1 - صلح الإبراء: وهو صلح على جنس الحق المقرِّ به، كأن يقرَّ رشيد لآخر بدين أو عين، ثم يسقط عنه المقَرّ له بعض العين أو الدين، ويأخذ الباقي، فهو إبراء عن بعض الدين بلفظ الصلح. وهذا جائز بشرط أن يكون صاحب الحق ممن يصح تبرعه، وألا يكون مشروطاً في الإقرار.
2 - صلح المعاوضة: وهو أن يصالح عن الحق المقرِّ به بغير جنسه، كما لو اعترف له بدين أو عين ثم تصالحا على أخذ العوض من غير جنسه. فهذا حكمه حكم البيع، وإن وقع على منفعة فحكمه حكم الإجارة.
ب- الصلح مع الإنكار، وهو أن يدَّعي شخص على آخر بعين له عنده أو بدين في ذمته، فينكرُ المدَّعى عليه، أو يسكت وهو يجهل المدعى به، ثم يصالح المدعي عن دعواه بمال حال أو مؤجل؛ فيصح الصلح في هذه الحالة، إذا كان المنكر معتقداً بطلان الدعوى، فيدفع المال؛ دفعا للخصومة عن نفسه، وافتداءً ليمينه، والمدَّعي يعتقد صحة الدعوى، فيأخذ المال عوضاً عن حقه الثابت.
المسألة الثالثة: في الأحكام المتعلقة بالصلح:
1 - يصحُّ الصلح عن الحق المجهول، وهو ما تعذَّر علمه من دين أو عين، كأن يكون بين شخصين معاملة وحساب مضى عليه زمن، ولا علم لواحد منهما بما عليه لصاحبه.
2 - يصح الصلح عن كل ما يجوز أخذ العوض عنه، كالصلح عن القصاص بالدية المحددة شرعا، أو أقل، أو أكثر.
3 - لا يصح الصلح عن كل ما لا يجوز أخذ العوض عنه، كالصلح عن الحدود، لأنها شرعت للزجر.