رد : ’’’شــذرات إيمانية ’’’’
[img]http://im41.***********/H9EqJ.jpg[/img]
(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ’’’ وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون)(155_156)سورة البقرة
ولابد من تربية النفوس بالبلاء , ومن امتحان التصميم على معركة الحق بالمخاوف والشدائد , وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات . .
لا بد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة , كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف .
والعقائد الرخيصة التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى . فالتكاليف هنا هي الثمن النفسي الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعز في نفوس الآخرين .
وكلما تألموا في سبيلها , وكلما بذلوا من أجلها . كانت أعز عليهم وكانوا أضن بها .
كذلك لن يدرك الآخرون قيمتها إلا حين يرون ابتلاء أهلها بها وصبرهم على بلائها . .
إنهم عندئذ سيقولون في أنفسهم: لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة خيرا مما يبتلون به وأكبر ما قبلوا هذا البلاء , ولا صبروا عليه . .
وعندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة باحثين عنها , مقدرين لها , مندفعين إليها . .وعندئذ يجيء نصر الله والفتح ويدخل الناس في دين الله أفواجا . .
ولابد من البلاء كذلك ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى .
فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة ; وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد .
والقيم والموازين والتصورات ما كانت لتصح وتدق وتستقيم إلا في جو المحنة التي تزيل الغبش عن العيون , والران عن القلوب .
وأهم من هذا كله , أو القاعدة لهذا كله . .
الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد كلها ,
وتتوارى الأوهام وهي شتى , ويخلو القلب إلى الله وحده . لا يجد سندا إلا سنده .
وفي هذه اللحظة فقط تنجلي الغشاوات , وتتفتح البصيرة , وينجلي الأفق على مد البصر . .
لا شيء إلا الله . .
لا قوة إلا قوته . .
لا حول إلا حوله . .
لا إرادة إلا إرادته . .
لا ملجأ إلا إليه . .وعندئذ تلتقي الروح بالحقيقة الواحدة التي يقوم عليها تصور صحيح . .
والنص القرآني هنا يصل بالنفس إلى هذه النقطة على الأفق:
(وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا:إنا لله وإنا إليه راجعون). .إنالله . .
كلنا . . كل ما فينا . .
كل كياننا وذاتيتنا . . لله . .
وإليه المرجع والمآب في كل أمر وفي كل مصير . .
التسليم . .
التسليم المطلق . .
تسليم الالتجاء الأخير المنبثق من الالتقاء وجها لوجه بالحقيقة الوحيدة , وبالتصور الصحيح .
هؤلاء هم الصابرون . . الذين يبلغهم الرسول الكريم بالبشرى من المنعم الجليل . .
وهؤلاء هم الذين يعلن المنعم الجليل مكانهم عنده جزاء الصبر الجميل:
(أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة , وأولئك هم المهتدون). .
*سيد قطب*
*اللهم اجعلني من الصـابرين بالصبّر الجميل *