تابع/ موضوع طليقة زوجي ـ الفصل الأخير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أستسمحكم عذراً في طرح آخر فصول قصتي، وهذه المرة لن أنعتها بالمشكلة ولن أطلب حلاً، ويمكنكم أن تعتبروه إفراغ لآخر ما في نفسي.
منذ آخر مرة كنت فيها هنا لم يجدّ الكثير، سوى أنني لم أتمكن من تجاهل هاتف زوجي، ولم أنجح في ممارسة التمرين الذي نصحني به الأخ البليغ، بل إنني ـ وأعتذر بشدة ـ شعرت بالبلاهة وتخيلت أن الشيطان يقف أمامي ضاحكاً وساخراً من قولي إنني أثق في زوجي.
رأيت مكالمات متبادلة بينهما، ثم أصبح زوجي يمسح المكالمات الصادرة والورادة (عرفت ذلك من خلال اتصال جاءه في أحد الأيام وعندما نظرت في هاتفه في وقت لاحق لم أجد المكالمة التي وردت في ذلك التوقيت فعرفت أنه مسحها)، ثم رأيت رسالة منها تطلب فيها أن يدفع فاتورة الكهرباء قبل أن تنقطع، وقد مسح زوجي هذه الرسالة في وقت لاحق.
كانت الظنون لتأخذني لولا أنها ذكرت في الرسالة رقم الحساب، مما يعني أن زوجي لا يعرفه، وهذا ما جعلني أفترض أن الفاتورة ورقم الحساب لا يخصانه، ولكنني في نفس الوقت لم أتمكن من التقليل من معنى أن تطلب منه مثل هذا الطلب.
لم أبد أي رد فعل، سوى أن الحزن والهم تلبسني، وساءت حالتي النفسية بسبب الوساوس التي تلاحقني، وتزامن ذلك مع معرفتي مؤخراً بأنني حامل، حمدت الله على رزقه إلا أنني لم أشعر بطعم السعادة، رغم أن زوجي طار من الفرح كعادته عندما يعلم بخبر حملي.
بعدها قررت أن أكتب له رسالة أعبر فيها عن كل ما في نفسي، واستخرت الله في أمر الطلاق رغم أنني والله لا أريد الطلاق أبداً، ثم استخرت الله في أمر الرسالة وأعطيتها له دون كلام.
وفيها قلت:
بسم الله الرحمن الرحيم
( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ )
زوجي الحبيب
عشت معك ما يقارب تسع سنوات، هي أحلى سنوات عمري، كنت فيها الرجل الذي تمنيته من الله، كريماً معطاءً حنوناً صبوراً، لم أرَ منك إلا كل خير وكل طيب، تحملتني في أوقات ومواقف ربما لم يكن ليتحملها غيرك.
أحببتك من أعماق قلبي، وسأظل أحبك ما بقي لي من عمر.
ولكنها تلك المشكلة التي تنغص عليّ حياتي، وتحرمني من الراحة والهدوء، والتي بدأت منذ بداية زواجنا وفي شهر العسل ولا أزال أرى فصولها حتى الآن، والتي لا يبدو لي أنها ستنتهي أبداً، لأنني أرى أن المسألة ليست من طرف واحد، بل هي متبادلة بينكما، وما أراه أن هذه العلاقة أكبر من مجرد مبلغ مالي تدفعه لها، بل هناك ما هو أكبر وأعمق، وهو ما جعلها تتجرأ عليّ في يوم من الأيام، وهو ما جعلها تخبرني بكل ثقة أنها زوجتك وأنها حملت منك، وهو ما جعلها تخبرني بيقين أنك تحبها ولا تستطيع الاستغناء عنها، وهو ما جعلها تتصل بي في العام الماضي بحثاً عنك، وهو ما يجعل الاتصالات والرسائل بينكما لا تنقطع.
لذلك لن أسألك هل تحبها أم لا، لأنني أرى الإجابة من خلال تصرفاتك ومن خلال ملازمتك لهاتفك طوال الوقت.
ولن أسألك لماذا تزوجتني، ولكنني أعرف لماذا طلقتها ويحز في نفسي أنني كنت مجرد بديل حاولت به معاقبتها أو نسيانها.
ولن أخيّرك بيني وبينها، لأنني أعلم أنني لن أكون الرابحة، ولأنني أعلم أنك لو كنت تريد تركها لفعلت ذلك من زمان.
ولكنني سأقول لك فقط: تزوجها يا زوجي الحبيب، وطلقني.
على الأقل وقتها سأعرف مكاني بالضبط.
ستقول كما قلتَ سابقاً: ما الذي ينقصكِ؟ وأنا هنا معكِ طوال الوقت.
سأقول لك: لا شيء ينقصني، فأنت دائماً كنت كريماً معطاءً ولم تبخل عليّ بأي شيء، كما أعلم أنك دائم الوجود معي ولا تغيب عني كثيراً، وثق أنني أقدر جداً كل ما تفعله من أجلي مادياً ومعنوياً.
كما أنني أعلمُ أن الطلاق سيدمرني وسيهدم أحلى شيء عشته في حياتي.
ولكنني لن أكون سعيدة أبداً وأنا أشعر أنك تبقيني لأنك فقط تشفق عليّ، أو لأنك فقط رجل عنده ضمير حي ولا ترضى أن تظلمني بالطلاق، أو لأنني فقط أم عيالك، ولن أكون سعيدة وأنت معي بجسدك، وقلبك وعقلك مع أخرى.
هذا الشعور يقتلني، والله العظيم يقتلني بشدة، ويحرمني من الاستمتاع بأي شيء، ويلاحقني حتى في منامي وأحلامي، ويجعلني أشعر أن حياتك معي هي مجرد مجاملة منك، وأنك تقول كلمة (أحبكِ) جبراً لخاطري من باب أن الكذب مباح شرعاً بين الزوجين.
لن أطيل عليك أكثر، واعذرني إن عبرت عما في نفسي بهذه الرسالة، ولكنني أعلم أنك لا تحب البكاء، لذلك لم أشأ أن أتحدث معك بشكل مباشر حتى لا أزعجك بدموعي.
زوجتك المحبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
تركته يقرأ الرسالة وحيداً وأشغلت نفسي بأعمال المنزل، وبعد أن فرغ جاءني مباشرة وقال: أنا أشفق عليك؟
قلت: هذا ما أراه.
قال: ما دمتِ ترين هذا فلا حيلة لي.
قلت: لم أرَ ذلك من فراغ، بل تصرفاتكِ هي التي تدعوني لذلك.
قال: تعلمين يا حبيبتي أنني أتعامل أحياناً مع سيدات (يقصد في مجال الأعمال الرسمية كالبنك مثلاً)
قلت: لا أقصد أي سيدات، بل أقصد واحدة بعينها، وسألتك سابقاً هل أنت متزوج بها أم لا وأنت لا تريد أن تعطيني إجابة تريحني.
قال: والله مخاوفك لا داعي لها، وحتى لو أردت أن أتزوج يوماً فوالله لن أتزوجها هي.
قلت: الهاتف لا يفارقك طوال الوقت!
قال: والله لم يخطر على بالي أن هذا الأمر قد يزعجكِ، وخلاص حاضر من اليوم ورايح سأترك الهاتف في الغرفة.
بكيت كثيراً يومها، وقلت له إنني أشعر بأنه لم يعد يحبني، فأقسم أنه يحبني وأنني أفضل وأحلى شيء حدث له في حياته (مع العلم أن زوجي لا يحب الحلفان ونادر جداً أن يقسم على شيء)
عزمني بعدها مباشرة خارج المنزل، وظل طوال الوقت يلاطفني، وتحدث عن الطفل القادم وأخبرني ببعض خططه فيما يتعلق بمستقبل أبنائنا بشكل عام (هذه عادته أن يحدثني عن أي أمر يخص أسرتنا ومستقبلنا كما حدث سابقاً قبل أن نشتري البيت، وكأني به يرغب في طمأنتي وإشعاري بالأمان!)
ومنذ ذلك اليوم لم يعد يمسك هاتفه خلال وجوده في المنزل إلا في أضيق الحدود، وأصبح يتركه معظم الوقت في الغرفة.
وهو كما هو دائماً، معاملته وأسلوبه واهتمامه ومداراته ومساعدته، كل شيء كما هو لم يتغير.
إخوتي، هذا الموضوع أتعبني، والوساوس والهواجس أجهدتني، وأشعر أنني أتخبط ما بين حقيقة وجود هذه المرأة في حياة زوجي وما بين سلوكه الطيب ومعاملته الممتازة وأخلاقه الحسنة وملازمته لي طوال الوقت، لذلك قررت أن أتجاهل هذا الأمر كله وأعيش، إن لم يكن من أجل زوجي فمن أجل أبنائي.
أما تلك المرأة فلا أقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل، وأسأل الله أن يأخذ حقي منها في الدنيا والآخرة.
ووالله لا أدري هل أنا بهذا القرار عاقلة أم ساذجة.