رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب الخامس: في الاعتكاف، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الاعتكاف وحكمه:
1 - تعريفه: الاعتكاف في اللغة: لزوم الشيء، وحبس النفس عليه.
وفي الشرع: لزوم المسلم المميز مسجداً لطاعة الله عز وجل.
2 - حكمه: وهو سنة وقربة إلى الله تعالى؛ لقوله عز وجل: (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة: 125]. وهذه الآية دليل على مشروعيته حتى في الأمم السابقة. وقوله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) [البقرة: 187].
وعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله) (البخاري ومسلم).
وأجمع المسلمون على مشروعيته، وأنه سنة، لا يجب على المرء إلا أن يوجبه على نفسه كأن ينذره.
فثبتت سُنيَّة الاعتكاف ومشروعيته، بالكتاب، والسنة، والإجماع.
المسألة الثانية: شروط الاعتكاف:
الاعتكاف عبادة لها شروط لا تصح إلا بها، وهي:
1 - أن يكون المعتكف مسلماً مميزاً عاقلاً: فلا يصح الاعتكاف من الكافر، ولا المجنون، ولا الصبي غير المميز؛ أما البلوغ والذكورية فلا يشترطان، فيصح الاعتكاف من غير البالغ إذا كان مميزاً، وكذلك من الأنثى.
2 - النية: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الأعمال بالنيات) (البخاري ومسلم). فينوي المعتكف لزوم معتكفه؛ قربةً وتعبداً لله عز وجل.
3 - أن يكون الاعتكاف في مسجد: لقوله تعالى: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد) ِ [البقرة: 187]. ولفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث كان يعتكف في المسجد، ولم ينقل عنه أنه اعتكف في غيره.
4 - أن يكون المسجد الذي يعتكف فيه تقام فيه صلاة الجماعة: وذلك إذا كانت مدة الاعتكاف تتخللها صلاة مفروضة، وكان المعتكف ممن تجب عليه الجماعة، لأن الاعتكاف. في مسجد لا تقام فيه صلاة الجماعة يقتضي ترك الجماعة وهي واجبة عليه، أو تكرار خروج المعتكف كل وقت، وهذا ينافي المقصود من الاعتكاف، أما المرأة فيصح اعتكافها في كل مسجد سواء أقيمت فيه الجماعة أم لا. هذا إذا لم يترتب على اعتكافها فتنة، فإن ترتب على ذلك فتنة منعت. والأفضل أن يكون المسجد الذي يعتكف فيه تقام فيه الجمعة، لكن ذلك ليس شرطاً للاعتكاف.
5 - الطهارة من الحدث الأكبر: فلا يصح اعتكاف الجنب، ولا الحائض، ولا النفساء؛ لعدم جواز مكث هؤلاء في المسجد.
أما الصيام فليس بشرط في الاعتكاف؛ لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال: (أوف بنذرك) (البخاري ومسلم). فلو كان الصوم شرطاً لما صح اعتكافه في الليل، لأنه لا صيام فيه. ولأنهما عبادتان منفصلتان، فلا يشترط لإحداهما وجود الأخرى.
المسألة الثالثة: زمان الاعتكاف ومستحباته وما يباح للمعتكف:
1 - زمن الاعتكاف ووقته: المكث في المسجد مقداراً من الزمن هو ركن الاعتكاف، فلو لم يقع المكث في المسجد لم ينعقد الاعتكاف، وفي أقل مدة الاعتكاف خلاف بين أهل العلم. والصحيح -إن شاء الله- أن وقت الاعتكاف ليس لأقله حد، فيصح الاعتكاف مقداراً من الزمن، وإن قل، إلا أن الأفضل ألا يقل الاعتكاف عن يوم أو ليلة؛ لأنه لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عن أحد من أصحابه الاعتكاف فيما دون ذلك.
وأفضل أوقات الاعتكاف العشر الأواخر من رمضان؛ لحديث عائشة رضي الله عنها السابق: "أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفَّاه الله" (البخاري ومسلم). فإن اعتكف في غير هذا الوقت، جاز ذلك لكنه خلاف الأولى والأفضل.
ومن نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان صلى الفجر من صبيحة اليوم الحادي والعشرين في المسجد الذي ينوي الاعتكاف فيه، ثم يدخل في اعتكافه، وينتهي بغروب شمس آخر يوم من رمضان.
2 - مستحباته: والاعتكاف عبادة يخلو فيها العبد بخالقه، ويقطع العلائق عما سواه، فيستحب للمعتكف أن يتفرغ للعبادة، فيكثر من الصلاة، والذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، والتوبة، والاستغفار، ونحو ذلك من الطاعات التي تقربه إلى الله تعالى.
3 - ما يباح للمعتكف: ويباح للمعتكف الخروج من المسجد لما لابد منه؛ كالخروج للأكل والشرب، إذا لم يكن له من يحضرهما، والخروج لقضاء الحاجة، والوضوء من الحدث، والاغتسال من الجنابة.
ويباح له التحدث إلى الناس فيما يفيد، والسؤال عن أحوالهم، أما التحدث فيما لا يفيد، وفيما لا ضرورة فيه، فإنه ينافي مقصود الاعتكاف وما شرع من أجله. ويباح له أن يزوره بعض أهله وأقاربه، وأن يتحدث إليه ساعة من زمان، والخروج من معتكفه لتوديعهم؛ لحديث صفية رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معتكفاً فأتيت ليلاً، فحدَّثته، ثم قمت، فانقلبت، فقام معي ليَقْلِبَني ... ) (البخاري ومسلم) الحديث. ومعنى ليقلبني: يردني إلى بيتي.
وللمعتكف أن يأكل، ويشرب، وينام في المسجد، مع المحافظة على نظافة المسجد، وصيانته.
المسألة الرابعة: مبطلات الاعتكاف:
يبطل الاعتكاف بما يلي:
1 - الخروج من المسجد لغير حاجة عمداً، وإن قلَّ وقت الخروج؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: (وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة، إذا كان معتكفاً) (البخاري)، ولأن الخروج يفوت المكث في المعتكف، وهو ركن الاعتكاف.
2 - الجماع، ولو كان ذلك ليلاً، أو كان الجماع خارج المسجد؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) [البقرة: 187].
وفي حكمه الإنزال بشهوة بدون جماع كالاستمناء، ومباشرة الزوجة في غير الفرج.
3 - ذهاب العقل، فيفسد الاعتكاف بالجنون والسكر، لخروج المجنون والسكران عن كونهما من أهل العبادة.
4 - الحيض والنفاس؛ لعدم جواز مكث الحائض والنفساء في المسجد.
5 - الردة؛ لمنافاتها العبادة، ولقوله تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر: 65].