الباب الخامس عشر: في صلاة الجنازة وأحكام الجنائر، وفيه مسائل:
الجنائز: جمع جنازة -بفتح الجيم وكسرها- بمعنى واحد. وقيل: بالفتح اسم للميت، وبالكسر اسم لما يحمل عليه.
وينبغي للإنسان أن يتذكر الموت ونهايته في هذه الدنيا، فيستعد لذلك بالعمل الصالح، والتزود للآخرة، والتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم.
وتسن عيادة المريض، وتذكيره التوبة والوصية، فإذا احتضر يسنُّ تلقينه (لا إله إلا الله) وتوجيهه للقبلة، فإذا مات سُنَّ تغميضه، والإسراع بتجهيزه ودفنه.
المسألة الأولى: حكم غسل الميت وكيفيته:
1 - حكمه: غسل الميت واجب؛ لأمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المحرم الذي وقصته ناقته: (اغسلوه بماء وسدر) (متفق عليه). وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ابنته زينب رضي الله عنها: (اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً) (متفق عليه). وهو فرض كفاية إجماعاً.
2 - كيفية الغسل: ينبغي أن يختار لتغسيل الموتى من هو ثقة عدل عارف بأحكام الغسل، ويقدم في التغسيل الوصي، ثم الأقرب فالأقرب، كالأب والجد والابن إذا كانوا عارفين بأحكام الغسل، وإلا قدم غيرهم ممن هو عالم بذلك. والرجل يغسله الرجال، والمرأة تغسلها النساء، ولكل واحد من الزوجين تغسيل الآخر فالرجل يغسل زوجته والمرأة تغسل زوجها. ولكل من الرجال والنساء تغسيل الأطفال دون سن السابعة. ولا يجوز للمسلم رجلاً كان أو امرأة تغسيل الكافر، ولا حمل جنازته ولا تكفينه، ولا الصلاة عليه، ولو كان قريباً كالأب والأم.
ويشترط أن يكون الماء الذي يغسل به الميت طهوراً مباحاً، وأن يغسل في مكان مستور، ولا ينبغي حضور مَنْ لا علاقة له بتغسيل الميت.
وصفة الغسل: هي أن يضعه على سرير غسله، ثم يستر عورته، ثم يجرده من ثيابه، ويواريه عن العيون في حجرة أو نحوها، ثم يرفع الغاسل رأس الميت إلى قرب جلوسه، ثم يمرر يده على بطنه ويعصره، ثم ينظف الخرجين، وينجِّي الميت، فيغسل ما على الخرجين من نجاسة، وذلك بلف خرقة على يده، ثم ينوي الغسل، ويسمِّي، ويوضئه كوضوء الصلاة، إلا في المضمضة والاستنشاق، فيكفي المسح على الفم والأنف، ثم يغسل رأسه ولحيته بماء السدر، أو صابون، أو غير ذلك، ثم يغسل الميامن ثم المياسر، ثم يكمل غسل باقي الجسم. ويستحب أن يلف على يده خرقة حال التغسيل، والواجب غسلة واحدة إذا حصل بها الإنقاء، والمستحب ثلاث غسلات وإن حصل الإنقاء.
ويستحب أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً، ثم ينشف الميت، ويزيل عنه ما يشرع إزالته من الأظافر والشعور، ويضفر شعر المرأة، ويسدل من ورائها. وإذا تعذر غسل الميت لعدم وجود الماء، أو كان مقطع الجسم بحرق ونحوه، فإنه ييمم بالتراب، ويستحب لمن غسل ميتاً أن يغتسل بعد تغسيله.
المسألة الثانية: من يتولَّى الغسل:
الأفضل أن يتولى غسل الميت من هو أعرف بسنة الغسل من الثقات الأمناء العدول، ولا سيما إذا كان من أهله وأقاربه، لأن الذين تولوا غسله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا من أهله كعليٍّ - رضي الله عنه - وغيره (صححه الألباني)، وأولى الناس بغسله: وصيه الذي أوصى أن يغسله، ثم أبوه ثم جده، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته، ثم ذوو أرحامه.
ويجب أن يتولى غسل الذكر الرجال، والأنثى النساء، ويستثنى من ذلك الزوجان فإنه لكل واحد منهما غسل الآخر، لحديث عائشة رضي الله عنها: (لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير نسائه) (حسَّنه الألباني).
وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة رضي الله عنها: (لو متِّ قبلي لغسلتك وكفنتك) (حديث صحيح، انظر إرواء الغليل (3/ 160)، وغسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - (أخرجه مالك في الموطأ: (1/ 223).
ولا يغسل شهيد المعركة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أمر بقتلى أحد أن يدفنوا في ثيابهم، ولم يغسلوا، ولم يصلَّ عليهم) (أخرجه البخاري برقم (1343). وكذلك لا يكفن، ولا يصلى عليه، بل يدفن بثيابه، كما في الحديث السابق.
والسِّقْطُ -وهو الولد يسقط من بطن أمه قبل تمامه، ذكراً كان أو أنثى-: إذا بلغ أربعة أشهر غسل، وكفن، وصلي عليه، لأنه بعد أربعة أشهر يكون إنساناً.
المسألة الثالثة: حكم تكفينه وكيفيته:
وتكفينه واجب لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المحرم الذي وَقَصَتْه راحلته: (وكفنوه في ثوبين) (متفق عليه). والواجب ستر جميع البدن، فإن لم يوجد إلا ثوب قصير لا يكفي لجميع البدن غطي رأسه، وجُعل على رجليه شيْء من الإذخر؛ لقول خباب في قصة تكفين مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: (فأمرنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نغطي رأسه، وأن نجعل على رجليه من الإذخر) (متفق عليه). ولا يغطى رأس المحرم الذكر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ولا تخمروا رأسه) ويكون ذلك بثوب لا يصف البشرة ساتراً، ويجب أن يكون من ملبوس مثله؛ لأنه لا إجحاف على الميت ولا على ورثته. والسنة تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض من قطن، تبسط على بعضها، ويوضع عليها مستلقياً، ثم يرد طرف العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم طرفها الأيمن على الأيسر، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم يجعل الزائد عند رأسه ثم يعقد، فلو كان الزائد أكثر جعل عند قدميه كذلك ويعقد، فإن ذلك أثبت للكفن؛ لقول عائشة: (كفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاث أثواب بيض سُحُولية جدد يمانية (منسوب إلى (سَحُول) قرية باليمن )، ليس فيها قميص ولا عمامة، أدرج فيها إدراجاً) (متفق عليه)، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم) (صححه الألباني). والأنثى خمسة أثواب من قطن إزار وخمار وقميص ولفافتين. والصبي في ثوب واحد، ويباح في ثلاثة، والصغيرة في قميص ولفافتين.
مواقع النشر |
ضوابط المشاركة |
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
BB code متاحة
الابتسامات متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
|