التشاجر بين الاطفال وعلاجه
جلس الدكتور سلطان مع زوجته أمام جهاز التلفاز يتابعان إحدى البرامج الثقافية, والأولاد عمرو وحسام في غرفتهما يلعبان مع بعضهما البعض.
وفجأة ... إذا بالصراخ يملأ البيت ويسمع الوالدان صوت عمرو وحسام الذي يرتفع لحظة بعد لحظة.
الأم والأب منهمكان في متابعة البرنامج ولا يريدان أن يقطعا عليهما متعة المشاهدة ولكن الصراخ بدأ يزداد ثم تحول إلى بكاء من حسام الصغير أرق الأم فجعلها تقوم مسرعة إلى غرفة عمرو وحسام وأقبلت مسرعة على حسام وهي تصرخ: ماذا جرى؟ أخبرني؟ ماذا حدث لماذا تصرخ؟حينها كان عمرو ممسكًا بلعبة حسام وجالسًا بها في ركن الغرفة...فنظرت الأم إلى عمرو نظرة ازدراء وغضب وصرخت في وجهه .. ألم تكبر بعد يا عمر؟
لماذا تأخذ لعبة حسام؟ هذا ليس من حقك!
لقد اشترينا لك لعبًا كثيرة وأنت في سنه, عليك أن تعيد اللعبة على أخيك فورًا.
عمرو يمتنع ويحتضن اللعبة في صدره ويقول: لا لا ... أنا أحب هذه اللعبة .. أريد أن ألعب بها بعض الوقت ... حسام أناني وطماع يريد أن يأخذ كل شيء وحده.
قالت له الأم: عمرو .. أنت الكبير ولا بد أن تتنازل لأخيك الأصغر، ثم اقتربت من عمرو ونزعت اللعبة من أحضنه وأعطتها لحسام الذي هدأ من بكائه، أما عمرو فخرج من الغرفة وذهب إلى إحدى أركان البيت جلس فيه وحده وهو يبكي بمرارة وحسرة وإحساس قلبه أنه مظلوم ومغبون الحق.
هل تصرف الأم كان صحيحًا؟
ما السبب في هذا التصرف من عمرو؟
وما السبب أيضًا في تصرف حسام؟
الشجار بين الأطفال لا يكاد يخلو من بيت من البيوت, وكثيرًا ما يستمتع الأخوة وهم يتشاجرون مع بعضهم البعض، فهم يتعرفون من خلال تلك المناوشات على إمكاناتهم ونقاط الضعف والقوة عندهم وهم يجدون نشوة الإثارة والانتصار.
ومن أهم أسباب التشاجر بين الأخوة:
الغيرة، والشعور بالنقص، والشعور باضطهاد الكبار وانشغال الأبوين عن الأطفال، كما أن الأطفال الذكور يحاولون السيطرة على البنات وقد يعير الأطفال بعضهم بعضًا بشكل الجسم أو قصره أو ضخامته .. فيتشاجرون، كثيرًا ما يتشاجر الأطفال لامتلاك بعض اللعب, وبالطبع فإن تلك المشاجرات تثير أعصاب الأبوين اللذين يصابا بالصدمة حين يعجزان عن منع تلك المشاجرات، حتى إن بعض الآباء يشك في قدرته على التربية ويسآئل نفسه كيف لا يستطيع تربية أبنائه من دون شجار ولا خصومات'.
كيف يسود الحب والود بين أبنائك؟
أولاً: أعلم متى تطبع القبلة وتوزع الحب:
جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى رجل له ابنان فقبل أحدهما وترك الآخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: 'فهلا واسيت بينهما؟'، إذًا لا تنسى في المرة القادمة التي تريد أن تقبل فيها أحد أبنائك أو تضمه إلى صدرك، وتعطف عليه بالحب والحنان، ولا تنسى أن عليك أن تفعل ذلك في وقت لا يلحظك فيه أبناؤك الآخرون، وإلا فإن عليك أن تواسي بين أبنائك في توزيع القبلات، ويعني ذلك إذا قبلت أحد أبنائك في حضور إخوانه الصغار حينئذ لا بد أن تلتفت إليهم وتقبلهم أيضًا وإن لم تفعل بالخصوص, إذا كنت تكثر من تقبيل أحد أبنائك دون إخوانه, فكن على علم أنك بعملك هذا تكون قد زرعت بذور الحسد وسقيت شجرة العدوان بينهم لذلك يقول صلى الله عليه وسلم ـ: 'اعدلوا بين أولادكم، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف'.
ثانيًا: احذر مشكلة أخوة يوسف':
عندما يولد الطفل الثاني ويأخذ بالنمو والكبر ويدرك ما حوله، لا يجد الوالدين من حوله فحسب بل يجد كذلك في الميدان أخاه الأكبر الذي سبقه في الميلاد والذي يفوقه قوة ويكبر عنه جسمًا ووزنًا, وكلما كبر أدرك أنه أصبح في مرتبة ثانوية في المعاملة تتضح له من الأمور الآتية:
نعطي له اللعب القديمة بعد أن يكون أخوه قد استلمها جديدة واستعملها أمامه، ونعطي له كذلك ملابس أخيه القديمة بعد أن تصبح غير صالح للاستعمال إلا قليلاً.
والذي يزيد الطين بلة ميلاد طفل ثالث في الأسرة يصبح موقع رعاية جديدة من الوالدين فيقل لذلك مقدار الرعاية التي كانت توجه إليه، وهنا يأخذ الطفل الثاني ترتيبًا جديدًا بين الإخوة ويصبح طفلاً وسطًا، وإن مركز الطفل الأوسط لا يحسد عليه إذ إنه يكون مهاجمًا من الأمام [عن طريق الأخ الأكبر] ومن الخلف [عن طريق الأخ الأصغر].
أما الطفل الأخير في الأسرة فإن مركزه تحدوه العوامل التالية:
أولاً: أن هناك اختلافًا في معاملة الوالدين له عن بقية الإخوة والأخوات وميلاً لإطالة مدة الطفولة؛ لأن الوالدين حينئذ يكونان غالبًا قد تقدم بهما السن وأصبح أملهما في إنجاب أطفال جديد محدودًا.
وفي بعض الحالات نجد أن الطفل الصغير الأخير يكون موضع رعاية خاصة و [دلال] الوالدين أو من أحدهما وهنا تدب نار الغيرة والحقد في نفوس إخوته، وتذكرنا هذه الحالات بقصة يوسف عليه السلام وما تعرض له من إيذاء نتيجة كره إخوته له، لإيثار والديه له بالعطف الزائد.
ثالثًا: لا تفاضل إلا بالحكمة:
نجد أن بعض الآباء يزدادون حبًا وعطفًا على أحد أبنائهم دون إخوته الآخرين، ليس لأنه الأجمل أو الأكبر أو الأخير وإنما لأنه الأفضل نشاطًا وعملاً وخدمة لوالديه.
هنا لا بأس بهذا لكن لا يقول الأب لأبنائه على سبيل المثال 'لا بارك الله فيكم إنكم جميعًا لا تساوون قيمة حذاء ولدي فلان، أو يقوم باحترام ابنه والاهتمام به دون إخوانه
أو أخواته، بينما الطريقة الإيجابية تقضي بأن يقوم الأب بمدح الصفات التي يتحلى بها ابنه الصالح دون ذكر اسمه أو حتى إذا ما اضطر إلى ذكر اسمه فلا بد أن يقول لهم مثلاً:
إني على ثقة من أنكم ستتخذون حذو أخيكم فلان في مواصفاته الحميدة، ولا شك يا أبنائي أن لكم قسطًا من الفضل في مساعدتكم أخاكم حتى وصل إلى هذه الدرجة من الرقي والتقدم والكمال.
والتفاضل لا يعني إعطاء أحد الأبناء حقوقًا أكثر، وفي المقابل سلبها من الأبناء الآخرين، كأن يعطي الابن المتميز طعامًا أكثر، أثناء وجبة الغذاء، أو أن تقدم إليه الملابس الأجود واللوازم الأفضل، فإن هذه الطريقة هي طريقة الحمقى والذين لا يعقلون.
إذًا إن آخر ما نريد قوله هو الملاحظة الجيدة لكيفية توزيع الحب بين الأبناء.
رابعًا: بيِّن أهمية الأخ لأخيه:
إذا كنت ترغب أن يسود الحب والود بين أبنائك فما عليك إلا أن تبين أهمية الأخ لأخيه وتشرح له عن الفوائد الجمة التي يفعلها الإخوان لبعضهم البعض.
وهنا يجدر بك أن تسرد لأبنائك الأحاديث التي توضح تلك الأهمية التي يكتسبها الأخ من أخيه إذًا فالأخ هو الساعد الأيمن لأخيه، وقد تجلى ذلك أيضًا في قصة موسى حينما قال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي [29] هَارُونَ أَخِي [30] اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي [31] وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طـه:29 ـ 32].
بهذه الطريقة تكون قد أشعرت ابنك بأهمية أخيه, وبالتالي تكون قد شددت أواصر العلاقة والمحبة بينهم.
خامسًا: اسقِ شجرة الحب بينهم:
ولكن كيف يتم ذلك؟ اسمع تأتيك الإجابة على لسان أحد الآباء:
'لقد رزقني الله عز وجل الوليد الثاني بعد أن جاوز عمر الأول السنتين، وحمدت الله تعالى كثيراً على ذلك، وكما هو الحال عند كل الأطفال أخذ ولدي الأول يشعر تجاه أخيه كما يشعر الإنسان تجاه منافسيه، وكان ينظر إليه باستغراب ودهشة وعدم رضا، وكأن علامات الاستفهام التي تدور في مخيلته تقول:
لماذا احتل هذا الغريب مكاني؟ من هو هذا الجديد؟ هل يريد أن يأخذ أمي مني؟
وبدأ الحسد والغيرة يدبان في نفسه, حتى أنه تسلل إليه وصفعه وهو في مهده, لقد كانت تلك هي آخر صفعة، حيث أدركت على الفور أنه لا بد من وضع حل ناجح يمنع الأذى عن هذا الرضيع، فكرت بالأمر مليًا حتى اهتديت إلى فكرة سرعان ما حولتها إلى ميدان التطبيق حيث جئت ببعض اللعب الجميلة والمأكولات الطيبة ووضعتها في المهد عند طفلي الرضيع, ثم جئت بولدي الأكبر، وأفهمته بالطريقة التي فهمها الأطفال أن أخاه الصغير يحبه كثيرًا، وقد جاء له بهدايا حلوة وجميلة ثم أمرته بأن يأخذها منه فأخذها وهو فرح مسرور. ومنذ ذلك اليوم لم أترك هذا الموضوع، حيث أوصيت زوجتي أن تقدم لابننا ما تريد أن تقدمه باسم الابن الصغير.
وكل يوم كان يمضي كان ولدي الأكبر يزداد حبًا لأخيه حتى وصل به الأمر إلى البكاء عليه فيما لو أخذه أحد الأصدقاء، وقال له مازحًا: إنني سأسرق أخاك منك، والعكس صحيح ... ادفع الكبير إلى أن يقدم الهدية للصغير، وهكذا اسقِ شجرة الحب بينهم.
يتبع