رحمه الله وشفع به والديه ورزقهما الصبر والسلوان ولئن حصل الحزن، ودمعت العين، فإنما ذلك رحمة من الله، يخفف الألم، بفقد الحبيب الغالي على القلب، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما مات ابنه ابراهيم حزن قلبه، ودمعت عيناه, وقال: القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنّا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون .
وسمعت بكتاب اسمه "برد الأكباد عند فقد الأولاد" لابن ناصر الدمشقي ولاأدري أين يباع فإن وجدتيه أهديه لأختك عله يخفف عنها ..
وجمعت لك بعض الأحاديث والقصص، فتفضلي:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبتضم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك، واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد".
وقال عوف بن مالك الجشميّ: دخلنا على عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وعنده بنون له ثلاثة غلمان، كأنهم الدنانير حسناً، فجعلنا نعجب من حسنهم، فقال لنا: كأنكم تغبطوني بهم، قلنا: أي والله، لمثل هؤلاء يغبط المرء المسلم، فرفع رأسه إلى سقف بيت له صغير، قد عشّش فيه خطّاف وباض، فقال: والذي نفسي بيده، لأن أكون قد نفضت يدي عن تراب قبورهم، أحب إليَّ من أن يسقط عشّ هذا الخطاف وينكسر بيضه وما ذلك من بغضه لهم ولكنه يريد أجرهم عند الله بالصبر على ذلك,, لما جاء في مثل هذا الحديث، الذي روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة نودي في أطفال المسلمين، أن اخرجوا من قبوركم، فيخرجون من قبورهم، ثم ينادى فيهم: ان امضوا إلى الجنة زمرا، فيقولون: يا ربنا ووالدينا معنا؟ فيقول في الرابعة: ووالديكم معكم، فيثب كل طفل إلى أبويه، فيأخذون بأيديهم، فيدخلونهم الجنّة، فهم أعرف بآبائهم وأمهاتهم يومئذ من أولادكم في بيوتكم"
وعن عبدالله بن يزيد عن أبيه رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ بلغه وفاة ابن لامرأة من الأنصار، فقام وقمنا، فلما رآها قال: ما هذا الجزع؟, قالت يا رسول الله، ما لي لا أجزع وأنا رقوب لا يعيش لي ولد؟, فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الرقوب التي يعيش لها ولدها، أما تحبين ان ترينه على باب الجنة، وهو يدعوك إليها؟ قالت: بلى، قال: كذلك لك في ذلك .
وحدّث وكيع، قال: كان لابراهيم الحربيّ ابن، وكان له احدى عشرة سنة، قد حفظ القرآن، ولقّنه الفقه شيئاً كثيراً، قال: فمات، فجئت أعزيه فيه، فقال لي: كنت اشتهي موت ابني هذا، قال: فقلت يا أبا اسحق، انت عالم الدنيا، تقول هذا القول، في صبيّ قد أنجب، وحفظ القرآن، ولقّنته الحديث والفقه؟ قال: نعم,, رأيت في المنام كأن يوم القيامة قد قامت، وكان صبيان بأيديهم قلال فيها ماء، يستقبلون الناس، يسقونهم، وكان اليوم يوماً حاراً، شديداً حرّه، قال: فقلت لأحدهم: اسقني من هذا الماء,, فنظر إليَّ وقال: ليس أنت أبي، فقلت: فمن أنتم؟ فقال: نحن الصبيان، الذين متنا في دار الدنيا، وخلّفنا آباءنا، نستقبلهم فنسقيهم الماء، قال: فلهذا تمنيت موته.
وعن الأصمعي قال: خرجت أنا وصديق لي إلى البادية، فضللنا الطريق، فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق، فقصدنا نحوها، فسلمنا، فإذا امرأة تردّ علينا السلام، قالت: ما أنتم؟ قلنا: قوم ضللنا الطريق، رأيناكم فانسنابكم، فقالت: يا هؤلاء، ولّوا وجوهكم عني، حتى اقضي من حقكم ما أنتم له أهل، ففعلنا، فألقت إلينا مسحاً, فقالت: اجلسوا عليه، إلى أن يأتي ابني، ثم جعلت ترفع طرف الخيمة، وتردها إلى أن رفعته مرة، فقالت: أسأل الله بركة المقبل، أما البعير فبعير ولدي، وراكبه فليس بولدي.
قال: فوقف الراكب عليها، وقال: يا أم عقيل، أعظم الله أجرك في عقيل ولدك، فقالت: ويحك مات ولدي,, قال: نعم,, قالت: وما سبب موته؟ قال: ازدحمت عليه الإبل، فرمت به في البئر، فقالت: انزل وأقضي أمام القوم، ودفعت إليه كبشاً، فذبحه وأصلحه، وقرّب إلينا الطعام، فجعلنا نأكل ونتعجب من صبرها، فلما فرغنا خرجت إلينا، وقالت: يا قوم، هل فيكم أحد يحسن من كتاب الله عز وجل شيئاً، قال الأصمعي: قلت: نعم؟ قالت: فاقرأ عليّ آيات اتعزّى بها عن ولدي، قلت: يقول الله تعالى: وبشر الصابرين، الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنّا لله وإنّا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون (البقرة 157) قالت: آلله انها لفي كتاب الله، هكذا,, قلت: الله هكذا في كتاب الله,, فقالت: السلام عليكم، ثم صفت أقدامها، وصلّت ركعات، ثم قالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون وعند الله احتسب عقيلاً.
ثم قالت: اللهم اني فعلت ما أمرتني به، فانجز لي ما وعدتني، ولو بقي أحد لأحد، قال الأصمعي: فقلت في نفسي سوف تقول: لبقي ابني لحاجتي إليه، فقالت: لبقي محمد صلى الله عليه وسلم لحاجة أمته إليه، فخرجت وأنا أقول: ما رأيت أكمل منها، ولا أجزل، ذكرت ابنها بأحسن خصاله، وأجمل خلاله، رحمهما الله، ثم لما علمت ان الموت لا مدفع له، ولا محيص عنه، وان الجزع لا يجدي نفعاً، وأن البكاء لا يردّ هالكاً، رجعت إلى الصبر الجميل، واحتسبت ابنها عند الله عز وجل، ذخيرة نافعة ليوم الفقر والفاقة ...