زوجة المدمن.. والحل الأمثل
كثيراً ما يبدأ الإدمان، ويستمر ويتواصل ويتفاقم، والزوجة لا تنتبه إلى التغيرات التي قد طرأت على زوجها، من نحول، وهزال، وإهمال في العمل، وإهمال في الواجبات العائلية والاجتماعية، وعدم الاكتراث بالأطفال، وما يحدث في البيت. وفي بعض أشكال الإدمان قد تكون الزوجة شاهدة على تعاطي الزوج للمشروبات الكحولية أو المهدئات، وفي أحوال أخرى قد يخفي الزوج عن الزوجة تعاطيه للهيروين أو الحشيش أو المنشطات المختلفة، وإذا كانت الزوجة قد أدركت بشكل أو بآخر أن زوجها قد وقع في هذه الورطة، فإن أسوأ ما قد تتصرف به هو القيام بدور رجل الأمن والواعظ، في حين أن إظهار الاهتمام والاكتراث النابع من الحب والعلاقة الوطيدة يكون أكثر تأثيراً في أن يصرح الزوج بمشكلته كاملة لزوجته ويضعها في صورة المشكلة.
القرار يبدأ من عندك
بعد نجاح الزوجة في كشف الإدمان والمصارحة بين الزوجين، فإنه من المعروف أن المدمن لن يستطيع الخروج من هذا المأزق، ويحتاج لمساعدة طبية ونفسية، وهذه المساعدة تبدأ باتخاذ القرار بالتوقف عن الإدمان، وهنا يكون للزوجة دور هام لمساعدة الزوج للوصول إلى هذا القرار والتصميم عليه، ومن ثم البحث عن المكان والأسلوب المناسبين للعلاج، وأيضاً فإنه من المؤسف أن تستعمل الزوجة في هذه المرحلة أساليب التهديد وترك البيت أو إثارة الأطفال على الأب؛ إذ إنها جميعها قد تجعل المدمن يائسا، وبالتالي يعدل عن رأيه في الوصول للعلاج.
الفـطـام
في المرحلة الأولى للعلاج والتي تشمل الفطام، وتخليص الجسم من السموم، ومعالجة ما تركته من آثار جسدية ونفسية وعقلية وعصبية، فإن دورها دور داعم ومؤازر ضمن تعليمات الفريق الطبي المعالج حتى الانتهاء من مرحلة الفطام، التي تتراوح ما بين أسبوعين إلى ستة أسابيع، وفي المرحلة التالية للعلاج فإن الزوجة مطالبة بتفهم آثار الإدمان، واشتياق المدمن للمادة التي تركها، وحالات الكآبة التي يمر بها. ولا بد هنا أن يتم بحث أي مشاكل سبقت الإدمان أو نتجت عنه مع الطبيب المعالج، وقبل الخروج من مركز الإدمان الذي قام بالفطام ثم التأهيل.
ويلاحظ -من الخبرة العلمية- أن الزوجة الواعية المتفهمة القادرة على استيعاب دورها ونصائح وتوجيهات الطبيب النفسي، تلعب دوراً كبيراً في نجاح العلاج، وأما الزوجة السلبية المتمردة الغاضبة المهددة، فإن دورها سلبي ولن يساعد على نجاح العلاج.
وبعد العلاج
يحتاج المدمن في الأغلب لفترة تتراوح بين ستة أشهر وعدة أعوام، حتى يعود بكامل لياقته النفسية والصحية، وخلال هذه الفترة فإن التعاون والحب، وتضافر الجهود، والاهتمام الإيجابي الذي تبديه الزوجة كله يعمل لمصلحة الطرفين، ومن الملاحظ أن بعـض الزوجات في هذه المرحلة قد يكن السبب في الانتكاس إذا اتخذن موقفاً غير مناسب مثل التلويح بالفضيحة، وإبلاغ الأهل، أو التهديد بترك البيت أو المراقبة المشددة على مدار الساعة، والتشكك في كل تصرف للزوج.
مراقبة الزوج يجب أن تكون بطريقة معقولة وبسيطة، وأن يكون هناك اتفاق بيـن الزوجين على إبلاغ الزوجة عند الشعور بالضعف وإمكانية الانتكاس، واللجوء للحوار أو الرياضة أو الصلاة أو القراءة، وغيرها من الأمور المشتركة التي من الممكن أن تأخذ تفكير المدمن وتصرفه عن اشتهائه للمادة التي توقف عنها.
من الإدمان إلى المتاجرة
إحذري سيدتي..إن الجو الذي تعيشين به وسط إدمان زوجك، وإحباطك، وقهرك، وتدهور العلاقة الزوجية بكل معانيها وأبعادها العاطفية والجنسية والاجتماعية، وما يترتب على ذلك من مشاكل في داخل الأسرة –قد يجعلك كل هذا سهلة الوقوع في حبائل الإدمان خصوصاً إذا استمر الزوج في الإدمان والتعاطي، والأمثلة على هذه الحالات كثيرة، فمثلاً إصرار الزوج الكحولي على زوجته أن تشاركه كأساً يخفف عنها المعاناة ويسهل النوم تلبّيه الزوجة أحياناً وتبدأ بالكأس فالاثنين فالخمسة، وقد تتجاوز في الشرب زوجها المدمن أصلاً، ومن الأمثلة الأخرى المحزنة زوجة مدمن الهيروين والتي تقبل مبدئيا بالخروج من البيت لشراء الهيروين لزوجها خوفاً من أن تأتي مواعيد الجرعات القادمة والبودرة البيضاء القاتلة غير موجودة ويتطور الأمر وكلما شكت الزوجة من صداع أو تعب أو اكتئاب نصحها الزوج بالشم فتوافق أخيراً على ذلك، وتنضم إلى قافلة الهلاك.
ولكون المرأة أقل لفتاً لنظر رجال الأمن فقد يقنعها الزوج بأن تشتري عشر غرامات إضافية غير حاجة العائلة وتقوم ببيعها للأصدقاء والضحايا الجدد فتنتقل بذلك للترويج والاتجار، والذي ترحب به كثيراً لحل المشاكل الأسرية المالية. وفي بعض الحالات التي يتردد مجموعة من المدمنين والمدمنات على المنزل لمشاركة الزوج في الشم والحرق أو التدخين فإن الضغط على الزوجة يكون أكبر مما يجعلها تنضم إلى زمرة التعاطي.
فاحذري سيدتي كل الحذر من أن تصبحي زوجة مدمن.. ثم مدمنة.. فمروجة.. فمتاجرة بالمخدرات والذي سيوصلك لا محالة إلى السجن المؤبد أو الإعدام ويدمر ما بقي من أشلاء أسرتك، ويخسر الأطفال الوالدين ويعانون بقية العمر؛ ولذلك إذا شعرت أنك غير قادرة على التعامل مع زوجك، وإذا تعذر الحال فمن الممكن أن تستعيني بالطبيب النفسي الخبير في هذا المجال والذي بإمكانه إرشادك إلى الطريقة الأصح في التعامل مع هذا الموقف الصعب .
الآثار السلبية على الزوجة
لا شك أن الإدمان وخصوصاً إذا طالت سنواته، يؤدي إلى تعثر الحياة الزوجية، ومعاناة الزوجة من الآثار النفسية والاجتماعية والمادية والصحية للإدمان، وكثيراً ما يصل الأمر بالزوجة للإحباط والقلق والاكتئاب النفسي، إذ سجلت الدراسات نسبًا أعلى للاكتئاب النفسي بين زوجات المدمنين، وبالتالي فإن جزءاً مهماً من معالجة المشكلة يكون أحياناً بمعالجة الآثار السلبية واكتئاب الزوجة، للخروج من استسلامها ورضوخها وهمّها وغمّها، وبالتالي فإنه إذا تبين للطبيب المعالج أو للزوج أو للزوجة نفسها أنها أصبحت قليلة النوم، وقليلة الأكل وكثيرة البكاء، فلا بد من معالجتها، وتحسن الزوج وخروجه من الإدمان ليس كافياً لمعالجة اكتئابها؛ إذ إن الاكتئاب فيه خلل كيماوي لا بد أن يصحح، فالسبب الأساسي الذي تم تصحيحه لا يكفي لخروج الزوجة المكتئبة من اكتئابها.
المشاكل الجنسية المرافقة
من المعروف أن معظم المدمنين يعتقدون خطأ أن تعاطيهم للكحول أو الهيروين أو الكوكايين سيعمل على تنشيط الوظائف الجنسية لديهم ويلبي رغباتهم ورغبات الزوجة، ولكن الحقيقة أن الإدمان بكافة أشكاله وأنواعه يؤدي إلى الضعف الجنسي، وضعف الشهية، وضعف الانتصاب، وضعف الأداء بشكل عام، ناهيك عن تبلد المشاعر والعواطف، والذي بدوره يضاعف معاناة الزوجة من هذا الجانب. ولا بد من التأكيد على أن بداية المعالجة من الإدمان لن تؤدي إلى حل المشاكل الجنسية، ولا بد للزوجة أن تنتظر الفترة الكافية حتى يمكن التخلص من كافة الآثار الجنسية المترتبة عن إدمان الزوج.
من الإدمان للزواج السعيد
إن مرور الزوجين بمشكلة إدمان والخروج منها بسلام باتجاه الزواج المنسجم السعيد، هي تجربة فريدة لا بد للزوج أن يقدر لزوجته وقوفها وصمودها معه خلال هذه المنحة، وأن يلتفت لمتطلباتها وأحاسيسها ومشاعرها وحاجاتها المختلفة، وصولاً إلى الرفاهية والسعادة والانسجام على كل المستويات.
من خلال ما تقدم يبدو واضحاً أن زوجة المدمن تلعب دوراً مهماً في كل المراحل، ولا بد لها أن تعي هذا الدور وأن تقوم به مستعينة بإرشادات الطبيب المعالج، ولا بد من التأكيد على أن وجود علاقة زوجية جيدة وزوجة متفهمة تتعامل مع الأمر بعقلانية، هو من أهم أسباب نجاح معالجة الزوج المدمن ووصوله إلى بر الأمان .
د. وليد سرحان
الله يكون في عونك اخوك ساري
يا رب ا كون فدتك بشي