( 8 )
كنتُ أعتقد أنني قادرة على أن أعيش في مستوىً ماديّ أقل مما اعتدتُ عليه, لم تكن عائلتي غنية جدًا لكن والدتي مهتمة بأمورنا و بتوفير الكماليات لنا, التنظير صعب .. و الواقع مختلف, هذا ما عرفته بعد الزواج, و مع ذلك كنتُ أصبر .. و لا أصبر على عسيرٍ, هذه الحقيقة .. فزوجي غير مقصر مطلقًا في الأساسيات و يوفر لي متطلباتي و لم أطلبه شيئًا و رفض إلا لسببٍ يراه منطقيًا, لكن شعوري بأنني لم أنلْ ما ينلنْه الفتيات في سنّي .. هذا الشعور يلازمني و يكدّر صفو حياتي, شعوري أن الظروف تقيدنا .. أنني لن أستطيع فعل ما أريد لسببٍ بسيط هو أن الظروف لا تسمح, لم أسافر مع زوجي مطلقًا .. عدا الأيام الثلاثة في بداية حياتنا .. أهله .. أخواته .. عائلتي .. يسافرون من وقتٍ لآخر .. و أنا - إن ذهبتُ - فإلى أختٍ له بعيدة عنّا و في قرية نائية تفتقر أدنى متطلبات الحياة .
أقول أحيانًا إن الحياة لا تستحق, لكنني بمجرد عقد مقارنة بسيطة بيني و بين الآخرين أتعب كثيرًا, و هذه مشكلتي .. عقد المقارنات ثم استحضار المواقف السيئة .
مرّت الأشهر الأولى ثقيلة .. لا يمر أسبوعٌ دون أن نختصم, حياتنا غير مستقرة لسببٍ لا نعلمه, كل شيءٍ قابلٌ لأن يكون قنبلة تنفجر .. زيارتي لأهله أكثر ما يخلق المشاكل لأسباب كثيرة أهمها أنه يريد أن أزور أهله مبكرًا .. أي من الثانية ظهرًا حتى منتصف الليل, و أنا بطبعي خجولة كما أن له أخ متزوج يسكن في نفس المنزل مما يحدّ من حريتي, أحتاج دورة مياه .. أحتاج أن أستلقي .. أحتاج أن أشرب ماء .. أن أتحرك .. لكن هذا غير ممكن, كما أنه يتركني و يذهب لعمله, و هذا مُتعب .. اختلقتُ مشاكل كثيرة لأجل أن تتأخر زيارتنا إلى ما بعد الثامنة مساءً .. و نجحتُ, لا أدري هل أنا مخطئة أم لا . المهم أنني أشعر بالارتياح إزاء وضعنا هذا .
لم نكن نخرج من المنزل إلا لزيارة أهله, أخبرتُه أيام العقد أنني لا أحب الخروج للأسواق و المطاعم و المنتزهات .. فصار يتعامل معي على أساس ما أخبرته, لم أكن أكذب لكن الحياة عند أهلي مختلفة عنها هنا .. أمكث وحدي طيلة اليوم .. بالتأكيد سأحتاج للخروج, إذا شكوتُ له الملل و الوحدة يقول : اذهبي مع أهلي, أهله أي والدته و زوجة أخيه .. و خروجهم إلى منازل معارفهم و ليس إلى محاضرات أو دورات أو غير ذلك, معنى هذا أنني سأخرج من منزل إلى منزل و سأعود بالصداع و الملل من أحاديث النساء و القيل و القال, يعيبُ عليّ أهله أنني لا أرافقهم في المناسبات و لم أتعرف حتى اللحظة إلى معارفهم و صديقاتهم, كان هناك شبه ضغطٍ عليّ من ناحيته و أهله, و كنتُ على وشك الاستجابة إلا أن موقفين تركا في نفسي أثرًا و أزمعتُ بسببهما على عدم مرافقتهم لأيّ مكان, أما الموقف الأول ففي بدايات زواجي أقيمت مناسبة لأجلي و ذهبتُ معهم و لكنهم تركوني وحيدة و اجتمعوا في زاوية معًا, بقيت لوحدي لولا أن تنبهت والدة زوجي و نادتني بعد مرور أكثر من ساعتين على بقائي لوحدي, و الموقف الثاني حاولوا إقناعي – ليس بالقوة طبعًا – أن أرافقهم زيارة فوافقتُ على أساس أن يخبروني متى يخرجوا لنذهب معًا فلا أستطيع الذهاب بمفردي .. كنتُ مستعدة و انتظرتُ اتصالهم لكنهم ذهبوا دون إبلاغي و غضب زوجي منهم و اعتذروا و انتهى الأمر, و أنا أكتب أشعر أنني مبالِغة قليلًا في حساسيتي و أثق أنني مخطئة في بعض الأمور .
المهم أنني ضجرتُ و شعرتُ أننا متزوجيْن من عشرين سنة, إضافة إلى أن زوجي إنسان متأثر بوالدته .. بالعقلية القديمة .. بمعنى أنه يعيش الحياة كما لو أنه على مشارف الستّين, لا يحبّ أن يُسعد نفسه .. أو أن يعيش مرحلته و كثيرًا ما شعرتُ أنه يريد أن أكون مثله !
( 9 )
حينما أشكو له سوءَ السَّكنِ يقول :
أخواتي سكنوا في شقق مثل شقتكِ, أخواته متزوجات من خمسة عشر عامًا و أكثر, أي أنه يريد أن أعيش كما عشن أخواته ! أقول له إن كنتُ تريد المقارنة فقارن وضعي بوضع أختكَ الصغرى التي تزوجت في نفس عامِ زواجنا, يتعلل بأن والد زوجها غنيّ و زوجها يأخذ المال من والده .
كما قلتُ :
متأثر بوالدته, و والدته إنسانة طيبة جدًا لكنها لا تهتم بالأمور التي ستهتم بها شابة في مقتبل العمر, هذا منطقيّ .. فلماذا تريد أن أحذف من عمري عشرات السنين لأكون بعمر إنسانة تجاوزت الخمسين ؟
يخبرني دائمًا أنهم حكماء و أنهم جربوا الحياة, ما المشكلة أن أجرب الحياة كما فعلوا ؟!
ما المشكلة أن أخطيء و أعترف بخطئي و أعيش حياتي كما أريد لا كما يريد الآخرون و أتعلم بنفسي و لا أتلقى الدروس معلبة و جاهزة أتجرعها على مضض ؟!
أشعر بالتعبِ, ينتهي كل نقاش بمشكلة .. لم يكن يرفع صوته أثناء النقاش لكنه صار يرتكبُ ذلك مؤخرًا, أخبرته أننا نستطيع النقاش بصوت منخفض, و دون أن يجرحني بكلماته, قال لي أكثر من مرة : أنتِ مجنونة .. لا أعلم إذا ما كنتُ كذلك حقًا أم لا, رغم أنني لم أفعل ما يوحي بذلك ..
في الأشهر الأولى كان يتركني في الغرفة و ينام خارجها, أخبرتُ والدتي فغضبتْ كثيرًا .. ليس من اللائق أن يفعل .
في شهر الزواج السادس .. كانت قد أزعجتني الاستفهامات عن تأخر الحمل, من عائلتي و من عائلته, لم يعلموا أننا لم نستطع بعد ممارسة حياتنا الزوجية بشكل طبيعي .. ذهبنا للمستشفى فصدمتنا الطبيبة بأن شيئًا لم يتغير و أنني بحاجة إلى إجراء عملية خيرٌ من أن أظلّ في عذاب فأجريتُها و للأسف .. للأسف الشديد أننا لم نستطع التكتم على الأمر, و هذا أسوأ ما يمكن أن يفعله زوجيْن .. إشاعة الخصوصيات للجميع, لا أدري هل كنا مضطرين لذلك .. المهم أن الزمان لو يعود للوراء لما ارتكبنا ما ارتكبناه من سخف . و الحمد لله على كلّ حال .
بعد أشهر ذهبتُ مع والدته إلى إنسانة تقوم بالتمريخ .. و هنا أنبه على نقطة .. الكثير من النساء يجربن شيئًا ما .. و تنجح التجربة ثم يعتقدن أن تجربتهن ستنجح للجميع, في كثيرٍ من المنتديات قرأتُ تجارب لنساءٍ قمن بالتمريخ و حملن, و الحقيقة أن حالةً عن أخرى تختلف فلا ينبغي أن نعلق آمالنا بأحدٍ سوى الله سبحانه كما أن التحقق مطلوب فالجسم ليس حقلًا لإجراء التجارب عليه .
عشنا جميعًا شهرًا من الأحلام و التخيل و الكل يتوقع أن يُزف إليه خبر حملي لكن شاء الله ألا أكون, و الجميل أن زوجي لا يهتم بالأمر, لكنني أشتاق أحيانًا و أسترجع كلامًا قلته قبل الزواج :
لا أريد الأطفال إلا بعد خمسة أعوام من زواجنا .
هذا الكلام كنتُ أكرره دائمًا, و لربما أراد الله أن يبتليني لأنني لم أربط الأمر بمشيئته و قدرته و إرادته .
مواقع النشر |
ضوابط المشاركة |
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
BB code متاحة
الابتسامات متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
|