شبهات حول عائشة وتفنيدها
أبو عبدالعزيز سعود الزمانان
الحمد لله الذي جعل فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ، وأعلى فتواها بين الأعلام ، وألبسها حلة الشرف حليلة سيد الأنام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة تدخلنا في أبناء أمهات المؤمنين ، وتهدينا إلى سنة نبينا آمنين ، وأشهد أن محمداً سيدنا عبد الله ورسوله أرشد إلى الشريعة الغراء ، وأعلن بفضل عائشة حتى قال :" فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " رواه الشيخان .
وسأتقرب إلى الله عز وجل بتفنيد بعض الشبهات التي طار بها أهل الزيغ والضلال ضد أمي عائشة بنت الصديق – رضي الله عنهما - ، وإنني إذ أسطر هذه الكلمات لأسأله جل وعلا أن ينفعني بها وأن يثقل بها صحيفة أعمالي يوم أن ألقاه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وسأبدأ بذكر أهم الشبهات والرد عليها وأستمد من الله الحول والقوة .
الشبهة الأولى :
· موقف عائشة من مقتل عثمان وأنها تقول اقتلوا نعثلا فقد كفر:
- أولا : الحق أن عائشة أم المؤمنين كانت تكنّ للخليفة عثمان كل احترام وتقدير ، وهي تدرك عظيم منزلته في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- وقد روت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فضائل ثابتة عن عثمان – رضي الله عنه – ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة :" ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة " مسلم 2401.
- وأما ما رواه ابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي ، من أنها كانت تنادي بقتله وتسميه نعثلا ، فهذا لا أساس له من الصحة ، وهو من فريات السبئية لعنهم الله ، ليوغروا عليه صدور المسلمين ، وليظفروا بمبتغاهم في الطعن على الصحابة ، رضوان الله عليهم . وقد تقدم قريبا أن هذا الكلام المنسوب إلى عائشة ، رضوان الله عنها . ذكره ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة [1] .
- كما أن الرواية التي نحن بصددها (( اقتلوا نعثلاً فقد كفر )) ، فقد جاءت من طريق سيف بن عمر [2] ، قال يحيى بن معين : وابن أبي حاتم : ضعيف الحديث ، وقال النسائي : كذاب ، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات ، قال وقالوا : إنه كان يضع الحديث ، وقال الدارقطني : متروك[3] ، وقال ابن أبي حاتم : مرّة : متروك الحديث ، يشبه حديثه حديث الواقدي[4]، وقال أبوداود : ليس بشيء وقال ابن عدّي : عامّة حديثه منكر [5] .
الشبهة الثانية :
· قالوا بأن الفتنة من بيت عائشة :
قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال
( ههنا الفتنة ، ههنا الفتنة ، ههنا الفتنة ، من حيث يطلع قرن الشيطان )) .
- الرد :
- أولاً : وهذا الحديث لا غبار عليه ، وورد في كتاب الوصايا وفرض الخمس من صحيح البخاري ، وليس في هذا الحديث ما يدين عائشة رضي الله عنها .
- ثانياً :مقصود الحديث أن منشأ الفتن من جهة المشرق وكذا وقع كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري [6] ( المعتزلة – القدرية – الخوارج – الرفض والتشيع – الجهمية –وغيرهم كثير ).
- والذي يتسنى له زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يلاحظ أن حجرة عائشة رضي الله عنها ، حيث دفن النبي صلى الله عليه وسلم تقع شرقي المنبر ، لا تفصله عنها سوى الروضة الشريفة .
- ثالثاً : ويبدو واضحاً من خلال أطراف الحديث ، أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد أهل المشرق ، ولم يقصد عائشة رضي الله عنها بسوء ومن جمع طرق الحديث تبين له ذلك جيدا. والحديث رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، وأطرافه في فرض الخمس رقمه في فتح الباري ( 2873 ) والجمعة ( 979 ) والمناقب ( 3249) والطلاق ( 4885 ) والفتن ( 6563 ) و ( 6564 ) و (6565 ) [7] .
- رابعاً : أما قولهم أشار إلى بيت عائشة فهذا كذب وزور وبهتان ، فلم يرد في طرق الحديث أشار إلى بيت عائشة وإنما نحو بيت عائشة ، وجاء في رواية عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشـير إلى المشرق فقال : (( إن الفتنـة هاهنـا ، إن الفتنـة هاهنـا ، من حيث يطلع قرن الشيطان )) أو قال (( قرن الشمس )) [8] .
- وفي رواية أخرى قال : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم : (( اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا )) قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا ، قال : (( اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا )) قالوا : يا رسول الله ، وفي نجدنا ، فأظنه قال في الثالثة : (( هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان )) .
- قال الخطابي :" نجد من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية الفرق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة ، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض ، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها ، وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة " [9] .
- وعن سالم بن عبد الله بن عمر أنه قال :" يا أهل العراق ! ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول :" سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إن الفتنة تجيء من ههنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا للشيطان " البخاري 7094.
- خامساً : هذا طعن بالنبي – صلى الله عليه وسلم – فبيت عائشة هو بيت النبي – صلى الله عليه وسلم - وبه دفن .
- اختيار النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يمرض في بيتها ، وكانت وفاته بين سحرها ونحرها ، وفي يومها وفي بيتها ، واجتمع ريق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بريقها في آخر أنفاسه :
- قال أبو الوفا بن عقيل رحمه الله :" انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت ، واختار لموضعه من الصلاة الأب ، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة ، عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عن البهيم فضلا عن الناطق " استدراكات عائشة على الصحابة ص 30 .
- مسلم (418) من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : " أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة ، وكان يقول : أين أنا غداً ؟ فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها وأذنّ له ، فكان في بيتي حتى مات في اليوم الذي يدور عليّ فيه "
- البخاري :عن عائشة قالت : " إن من نعم الله عليّ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – توفي في بيتي ، وفي يومي ، وبين سحري ونحري ، وأن جمع بين ريقي وريقه عند الموت دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي- صلى الله عليه وسلم - وأنا مسندته إلى صدري ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به فأبده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصره فأخذت السواك فقصمته ونفضته وطيبته ثم دفعته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستن به فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استن استنانا قط أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يده أو إصبعه ثم قال في الرفيق الأعلى ثلاثا ثم قضى وكانت تقول مات بين حاقنتي وذاقنتي " .
· شبهة : قالوا بأن عائشة تبغض عليا :
- وذكروا حديث البخاري – باب مرض النبي ووفاته - :" لما ثقل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واشتد به وجعه خرج وهو بين رجلين تخط رجلاه في الأرض – بين عباس بن عبد المطلب – ورجل آخر – قال الراوي وهو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود – هل تعرف من الرجل الذي لم تسم عائشة هو علي بن أبي طالب "
- الرد :
- إن ما ذكره أهل الفتنة والهوى حول موقف عائشة أم المؤمنين من صهرها عليّ ، رضي الله عنهما ، لا يصح منه شيء ، ولا يقره عاقل ، ولاسيما أن الصحيح من الأخبار يدل على عظيم التقدير والاحترام الذي كانت تكنّه لعليّ وأبنائه رضي الله عنهم أجمعين .
- كما أخرج أخرج ابن أبي شيبة ، أن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، :" سأل عائشة من يبايع ؟ فقالت له : إلزم عليّاً [10].
فهل يعقل بعد هذا أن تخرج عليه وتحاربه ؟! ثمّ تعمد إلى إنكار فضله وفضائله كما زعم المغرضون ؟!
- علاقتها بعلي بن أبي طالب ـ كما سنرى ـ مبنية على المودة والاحترام والتقدير المتبادل ، فعليّ أعرف الناس بمقام السيدة عائشة ، ومنزلتها في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقلوب المسلمين ، كما كانت هي الأخرى تعرف لعليّ سابقته في الإسلام ، وفضله وجهاده ، وتضحياته ، ومصاهرته للنبيصلى الله عليه وسلم .
- وقد روت عدداً من الأحاديث في فضائل عليّ وأهل البيت رضي الله عنهم ، ذكرها أئمة الحديث بأسانيدها ، وهي تدل دلالة واضحة على عظيم احترامها وتقديرها لأمير المؤمنين عليّ وأهل البيت رضي الله عنهم أجمعين .
- وقد روت السيدة عائشة مناقب أهل البيت التي تعتبر شامة في مناقب الإمام عليّ ، رضي الله عنه .
- من ذلك ما أخرجه مسلم ، عن عائشة ، رضي الله عنها قالت : "خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرطٌ مرحّل [11] من شعر أسود ، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء عليّ فأدخله ، ثم قال : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }[12].
- قلت : والذي أدين الله به أنه لا يصح حديث الكساء إلا من طريق عائشة – رضي الله عنها – فقط ، فكيف يدعي من كان له أدنى ذرة عقل أو دين أن يتهمها بنصب العداء لعلي رضي الله عنه .
- ولما بويع عليّ ، رضي الله عنه خليفة للمسلمين ، لم يتغير موقفها منه ولا حملت في قلبها عليه ، وهي التي كانت تدعو إلى بيعته كما رأينا . وكانت تعرف مكانته العلمية والفقهيـة ، لذلك عندما سألها شريح بن هانىء [13] عن المسح على الخفّين ، قالت له : عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- ذكر الحافظ ( ابن حجر ) في فتح الباري قول المهلب : إن أحدا لم ينقل إن عائشة ومن معها نازعوا عليّاً في الخلافة ، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة [14].
يتبع