صحيح السيرة النبوية - الصفحة 3 - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

الثقافة الاسلامية صوتيات ومرئيات إسلامية ،حملات دعوية ، أنشطة دينية.

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 25-11-2018, 08:51 AM
  #21
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

4 - بيعة العقبة الثانية
143 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
"مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي الموسم بمنى يقول: من يؤويني، من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة، حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مصر كذا قال: فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش، لا يفتنك، وهو يمشي بين رحالهم، وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله من يثرب فآويناه، وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به، ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين، يظهرون الإِسلام، ثم ائتمروا جميعًا.
فقلنا: حتى متى نترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطرد في جبال مكة ويخاف. فرحل إليه سبعون رجلًا منا حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدنا شعب العقبة، فاجتمعوا عندها من رجل ورجلين، حتى توافينا فقلنا: يا رسول الله على ما نبايعك؟ قال: (تبايعوني على السمع والطاعة في المنشط والكسل، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا لله، لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني، إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة) قال: فقمنا إليه فبايعناه.
وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغرهم فقال: رويدًا يا أهل يثرب، فإنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، إما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وإما أنتم تخافون من أنفسكم خبيئة فتبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله. قالوا: أمط عنا يا أسعد, فوالله لا ندع هذه البيعة أبدًا، ولا نسلبها أبدًا، فبايعناه فأخذ علينا، وشرط، ويعطينا على ذلك الجنة" (1).
144 - ومن حديث كعب بن مالك رضي الله عنه وسياقه أطول وتفصيله أكثر: وكان ممن شهد العقبة وبايع رسول الله قال: "خرجنا في حجاج قومنا من المشركين، وقد صلينا وفقهنا، معنا البراء بن معرور، كبيرنا وسيدنا، فلما توجهنا لسفرنا، وخرجنا من المدينة، قال البراء لنا: يا هؤلاء إني قد رأيت رأيًا، وإني والله ما أدري توافقوني عليه أم لا؟ قلنا له: وما ذاك؟
قال: إني قد رأيت أن أدع هذه البنية حتى تظهر، يعني الكعبة، وأن أصلي إليها، قال: فقلنا والله بلغنا أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه، قال: فقال: إني لمصل إليها. قال: فقلنا له: لكنا لا نفعل قال: فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام وصلى هو إلى الكعبة، حتى قدمنا مكة.
قال: وكنا قد عتبنا عليه، وأبي إلا الإقامة عليه، فلما قدم مكة قال لي: يا ابن أخي انطلق بنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى نسأله عما صنعت في سفري هذا، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء، لما رأيت من خلافكم إياي فيه.
قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكنا لا نعرفه، ولم نره قبل ذلك فلقينا رجلًا من أهل مكة، فسألناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: هل تعرفانه؟ فقلنا: لا قال: فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه؟
قال: قلنا: نعم، قال: وقد كنا نعرف العباس -كان لا يزال يقدم علينا تاجرًا قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس. قال: فدخلنا المسجد فهذا العباس جالس، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس معه، فسلمنا ثم جلسنا إليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعباس: هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟
قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك.
قال: فوالله ما أنسى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الشاعر؟ قال: نعم، فقال له البراء بن معرور: يا نبي الله إني خرجت في سفري هذا، وقد هداني الله للإسلام، فرأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر، فصليت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء، فماذا ترى يا رسول الله؟
قال: قد كنت على قبلة لو صبرت عليها. قال: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصلى معنا إلى الشام. قال: وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات، وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم.
قال: وخرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعقبة من أوسط أيام التشريق، قال: فلما فرغنا من الحج، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، أخذناه معنا، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلمناه وقلنا له: يا أبا جابر، إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبًا للنار غدًا، ثم دعوناه إلى الإِسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيانا العقبة. قال: فأسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيبا.
قال: فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى إذا اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاث وسبعون رجلًا، ومعنا امرأتان من نسائنا نسيبه بنت كعب أم عمارة -إحدى نساء بني مازن بن النجار، وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي، إحدى نساء بني سلمة، وهي أم منيع.
قال: فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى جاءنا ومعه (عمه) العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب، فقال: يا معشر الخزرج -وكانت العرب، إنما يسمون هذا الحي من الأنصار: الخزرج خزرجها وأوسها- إن محمدًا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده.
قال: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت.
قال: فتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتلا القرآن، ودعا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، ورغب في الإِسلام، ثم قال: (أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم).
قال: فأخذ البراء بن معرور بيده، ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق نبيًّا، لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة (2)، ورثناها كابرا عن كابر.
قال: فاعترض القول، والبراء يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو الهيثم بن التيهان، فقال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالًا، وإنا قاطعوها -يعني اليهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟
قال فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: (بل الدم الدم، والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أخرجوا لي اثنى عشر نقيبًا منكم يكونون على قومهم، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا منهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس).
- وأما معبد بن مالك حديثه عن أخيه عن أبيه كعب بن مالك -قال: كان أول من ضرب على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البراء بن معرور، ثم بايع بعد القوم، فلما بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط: يا أهل الحباحب -المنازل- هل لكم في مذمم والصباة معه، قد اجتمعوا على حربكم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هذا أزب العقبة، هذا ابن أزيب -أتسمع أي عدو الله، أما والله لأفرغن لك).
ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ارفضوا إلى رحالكم). قال: فقال له العباس بن عبادة بن فضله: والله الذي بعثك بالحق: إن شئت لنميلن على أهل منى غدًا بأسيافنا؟
قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لم نؤمر، بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم).
قال: فرجعنا إلى مضاجعنا، فنمنا عليها حتى أصبحنا.
قال: فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش، حتى جاءونا في منازلنا، فقالوا: يا معشر الخزرج، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا, لأنه والله ما من حي من أحياء العرب أبغض إلينا، إن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم.
قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء، وما علمناه، قال: وقد صدقوا، لم يعلموه.
قال: وبعضنا ينظر إلى بعض. قال: ثم قام القوم، ومنهم الحارث بن هشام ابن المغيرة، وعليه نعلان جديدان، قال: فقلت كلمة كأني أشرك القوم بها فيما قالوا: ما تستطيع يا أبا جابر، وأنت سيد من ساداتنا أن تتخذ نعلين مثل نعلي هذا الفتى من قريش، قال: فسمعها الحارث، فخلعهما من رجليه، ثم رمى بهما إلى، وقال: والله لتنتعلنهما. قال: يقول أبو جابر: أحفظت والله الفتى، اردد عليه نعليه، قال: فقلت: والله لا أردهما قال: قال والله صالح، لئن صدق الفأل لأسلبنه" (3).
145 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "حملني خالي جد ابن قيس في السبعين راكبًا الذين وفدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل الأنصار ليلة العقبة، فخرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعه عمه العباس بن عبد المطلب فقال: يا عم خذ على أخوالك، فقال له السبعون: يا محمَّد سل لربك، ولنفسك ما شئت.
فقال: (أما الذي أسألكم لربي فتعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأما الذي أسألكم لنفسي فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم).
قالوا فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ (قال: الجنة) (4).
146 - عن أنس عن ثابت عن قيس رضي الله عنه: خطب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا فما لنا يا رسول الله؟
قال: (لكم الجنة). قالوا: رضينا" (5).
أسماء النقباء على الأنصار:
كما في رواية كعب بن مالك السابقة: "زادهم الطبراني في روايته": كان نقيب بني النجار أسعد بن زرارة، وكان نقيب بني سلمة البراء بن معرور وعبد الله ابن عمرو بن حرام، وكان نقيب بني ساعدة سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو، وكان نقيب بني زريق رافع بن مالك بن العجلان، وكان نقيب بني الحارث بن الخزرج عبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع، وكان نقيب بني عوف بن الخزرج عبادة بن الصامت، ونقيب بني عبد الأشهل أسيد بن حضير وأبو الهيثم بن التيهان، وكان نقيب بني عمرو بن عوف سعد بن خيثمة.
.................................................. .......................................
(1) أخرجه أحمد: 3/ 394،329،322 والبيهقي في السنن: 9/ 9، من طريق ابن خيثم عن أبي الزبير ورجاله ثقات، ابن حبان: 1686، الحاكم: 2/ 624 - 625 وصححه ووافقه الذهبي، كشف الأستار عن زوائد البزار: 1756 ورجاله رجال الصحيح، قال الحافظ في الفتح: 7/ 220 رواه أحمد بإسناد حسن وصححه الحاكم، وقال ابن كثير في السيرة: 2/ 196، هذا إسناد جيد على شرط مسلم، وانظر المطالب العالية باخصار: 4290، وقال رواه أبو بكر بن أبي شيبة وهو صحيح، وأبو يعلى وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 46 رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح، واللفظ لأحمد.
(2) الحلقة: السلاح. الهدم الهدم: أي ذمتي ذمتكم، وحرمتي حرمتكم. مذمم: المذموم جدًّا، الصباة: جمع صابئ، وكان يقال للرجل إذا أسلم في زمن النبي صابئ أزب العقبة: اسم شيطان. ارفضوا: تفرقوا.
(3) أخرجه أحمد: 3/ 460, 462، الطيالسي: 2/ 90 - 94 رقم الحديث: 2333، من طريق ابن إسحاق، السيرة النبوية ابن هشام: 1/ 440 , 448 ابن جرير في التاريخ: 2/ 90 - 93 بسند صحيح، وصححه ابن حبان كما في الفتح: 5/ 425 الموارد ص: 408، السيرة النبوية ابن كثير: 2/ 192 - 194، السيرة النبوية للذهبي: 203 - 206، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 42 - 45: رواه أحمد والطبراني بنحو. ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. ورواه البيهقي في الدلائل: 5/ 445 - 449 وفي السنن: 9/ 9، والحاكم في المستدرك: 2/ 624 - 625، وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقال الذهبي صحيح.
(4) (2) الطبراني في الكبير: 1757 والصغير: 2/ 110 والأوسط قال الهيثمي في المجمع: 6/ 48 - 49 ورجاله ثقات.
(5) أخرجه أبو يعلى برقم: 3772، قال الهيثمي في المجمع: 6/ 48 رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح، وأخرجه الحاكم في المستدرك: 4/ 234، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي, وعزاه الحافظ في الإصابة: 2/ 14 لابن السكن.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 27-11-2018, 08:42 AM
  #22
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

الباب الثالث الهجرة إلى المدينة رؤيا الرسول عليه الصلاة والسلام لموطن الهجرة
147 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قد رأيت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما حرتان) " فخرج من كان مهاجرا قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين" (1).
148 - ومن حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي (2) إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي يثرب) (3).
الفصل الأول ما يذكر من هجرة أصحاب الرسول قبل هجرته
المبحث الأول: السابقون إلى الهجرة من الصحابة إلى المدينة
149 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "أول من قدم علينا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، فجعلا يقرئاننا القرآن، ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به، حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاء" (4).
المبحث الثاني: ما أصاب أبا سلمة وآله
150 - عن ابن إسحاق قال حدثني أبي إسحاق بن يسار، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة، عن جدته، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت: "لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج لي يقود بي بعيره فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه؟ علام نتركك تسير بها في البلاد؟
قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه. قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة، فقالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، قالت: فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنوا المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، قالت: ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني.
قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي، حتى أمسي سنة أو قريبًا منها حتى مر بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها! قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت.
قالت: ورد بنو عبد الأسد إلى عند ذلك ابني. قالت: فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة. قالت: وما معي أحد من خلق الله، قالت: فقلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، أخا بني عبد الدار، فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟
قالت: فقلت: أريد زوجي في المدينة. قال: أوما معك أحد؟ قالت: لا والله، إلا الله وبني هذا.
قال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلًا من العرب قط، أرى أنه أكرم منه، وكان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني, حتى إذا نزلت استأخر ببعيري، فحط عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى عني إلى شجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح، قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني، وقال: اركبي، فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقاده، حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء. قال: زوجك في هذه القرية -وكان أبو سلمة نازلًا- فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعًا إلى مكة.
قال: فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإِسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبًا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة" (5).
المبحث الثالث: قصة عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص وإعادتهم
151 - من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "اجتمعنا للهجرة أوعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص الميضاة، ميضاة بني غفار فوق شرف، وقلنا: أيكم لم يصبح عندها فقد احتبس فليمض صاحباه، فحبس عنا هشام بن العاص، فلما قدمنا منزلنا في بني عمرو بن عوف، وخرج أبو جهل ابن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة وكان ابن عمهما، وأخاهما لأمهما، حتى قدما علينا المدينة فكلماه فقالا له: إن أمك نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك،ولا تستظل من شمس حتى تراك ، فرق لها.
فقلت له: يا عياش والله إن يُريدكَ القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت ، قال:فقال : أبر قسم أمي ولي هناك مالًا فآخذه قال: قلت: والله إنك لتعلم أني من أكثر قريش مالًا ذلك نصف مالي، ولا تذهب معهما، فأبى إلا أن يخرح معهما، فقلت له: لما أبي علي: أما إذ فعلت فخذ ناقتي هذه، فإنها ناقة ذلول فالزم ظهرها فإن رابك من القوم ريب فانج عليها.
فخرج معهما عليها حتى إذا كان ببعض الطريق قال أبو جهل بن هشام: والله لقد استبطأت بعيري هذا، أفلا تحملني على ناقتك هذه. قال: بلى فأناخ وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عديا عليه فأوثقاه، ثم أدخلاه مكة وفتناه فافتتن، قال: فكنا نقول: والله لا يقبل الله ممن افتتن صرفا ولا عدلًا، ولا يقبل توبة قوم عرفوا الله، ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم.
قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيهم وفي قولنا لهم وقولهم لأنفسهم {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} إلى قوله {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.
قال عمر: فكتبتها في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاص قال هشام: فلم أزل أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه حتى فهمتها، قال: فألقي في نفسي أنها إنما نزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، فرجعت فجلست على بعيري، فلحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة" (6).
.................................................. ..........................................
(1) أخرجه أحمد في المسند: 6/ 198 بسند صحيح، والحاكم في المستدرك: 2/ 3 - 4 وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه البخاري تعليقًا في كتاب الكفالة باب جوار أبي بكر.
(2) وهلي: اعتقادي هجر: مدينة معروفة وهي قاعدة البحرين.
(3) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب هجرة النبي وأصحابه، وفي المغازي باب من قتل من المسلمين يوم أحد رقم: 4081، مسلم في الرؤيا باب رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم: 2272.
(4) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب مقدم النبي وأصحابه رقم: 3924 - 3925، الطيالسي رقم: 2334: 2/ 94، أحمد في المسند انظر الفتح الرباني: 20/ 276، وأخرجه ابن سعد: 4/ 1/ 151، والحاكم: 3/ 634 ورجاله ثقات.
(5) ابن هشام في السيرة: 1/ 469 - 470 من طريق ابن إسحاق وقد صرح بالسماع وعنده رجاله ثقات، فالحديث صحيح.
(6) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 61 رواه البزار ورجاله ثقات. كشف الأستار رقم: 1746: 2/ 302، ابن هشام في السيرة: 1/ 474 - 475، بسند رجاله ثقات صرح في ابن إسحاق بالتحديث فقال حدثني نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ورواه البيهقي في الدلائل: 2/ 461 - 462، والبيهقي في السنن: 9 / ص 13 - 14، من طريق ابن إسحاق. فالحديث صحيح.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 27-11-2018, 02:00 PM
  #23
مخترق الآفاق
عضو نشيط جدا
 الصورة الرمزية مخترق الآفاق
تاريخ التسجيل: Sep 2015
المشاركات: 198
مخترق الآفاق غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

جزاك الله خيرا، فعلا معرفة السيرة النبوية مهمة جدا جدا لكل مسلم ومسلمة.
ومن وجهة نظري أفضل اقتناء كتاب في هذا الجانب، وهناك كتب قيمة في السيرة منها:
1- مختصر سيرة الرسول (للإمام محمد بن عبدالوهاب)
2- الرحيق المختوم (صفي الدين المباركفوري)
رد مع اقتباس
قديم 03-12-2018, 10:28 AM
  #24
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مخترق الآفاق مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيرا، فعلا معرفة السيرة النبوية مهمة جدا جدا لكل مسلم ومسلمة.
ومن وجهة نظري أفضل اقتناء كتاب في هذا الجانب، وهناك كتب قيمة في السيرة منها:
1- مختصر سيرة الرسول (للإمام محمد بن عبدالوهاب)
2- الرحيق المختوم (صفي الدين المباركفوري)
الغالب الأعم من كتب السيرة فيها من الروايات الصحيح والسقيم
وقد بحثت عن كتاب يضم صحيح السيرة فوجدت هذا الكتاب على ما فيه من صعوبة
جزاكم الله خيرا
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 03-12-2018, 10:31 AM
  #25
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

الفصل الثاني هجرة رسول الله إلى المدينة
المبحث الأول: الإذن للرسول عليه الصلاة والسلام بالهجرة
152 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة فأمر بالهجرة وأنزل عليه {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} (1) (2).
المبحث الثاني: التخطيط للهجرة والرعاية الربانية
1 - صحبة أبي بكر للرسول عليه الصلاة والسلام
153 - من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل: (من يهاجر معي؟ قال: أبو بكر الصديق) (3).
154 - ومن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (بينما نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في نحو الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقنعًا في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر فداه أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر.
قالت: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستأذن، فأذن له، فدخل، فقال النبي لأبي بكر: أخرج من عندك" فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال: فإني قد أذن لي في الخروج" فقال أبو بكر: الصحابة (4) بأبي أنت يا رسول الله، قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم، قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بالثمن" (5).
2 - نوم علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة
155 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "شرى علي نفسه، ولبس ثوب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم نام مكانه: وكان المشركون يرمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان رسول الله عليه وآله وسلم ألبسه بردة، وكانت قريش تريد أن تقتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعلوا يرمون عليًّا، ويرونه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد لبس برده، وجعل علي رضي الله عنه يتضور، فهذا هو علي، فقالوا: إنك للئيم إنك لتتضور، وكان صاحبك لا يتضور، ولقد استنكرناه منك" (6).
يتضور : يتلوى من الجوع والألم
156 - وقد جاء تفصيل قصة مكوثهم على باب الرسول عليه الصلاة والسلام، ووضعه عليه الصلاة والسلام التراب على رؤوسهم وخروجه دون أن يروه، عن ابن إسحاق في السيرة فقال:
حدثني يزيد بن زياد عن محمَّد بن كعب القرظي قال: "لما اجتمعوا له، وفيهم: أبو جهل بن هشام فقال: وهم على بابه: إن محمدًا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره، كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنات كجنات الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم، ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها.
قال: وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ حفنة من التراب في يده، ثم قال: (أنا أقول ذلك، أنت أحدهم)، وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه، فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات من يس {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)} إلى قوله: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} حتى فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب.
فأتاهم آت فيمن لم يكن معهم، فقال: ما تنظرون ها هنا؟ قالوا: محمدًا، قال: خيبكم الله! قد والله خرج عليكم محمَّد، ثم ما ترك منكم رجلًا إلا
وضع على رأسه ترابًا، وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم؟
قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيًّا بِبُرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائمًا، عليه برده. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي رضي الله عنه عن الفراش فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا" (7).
3 - لجوء الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر إلى الغار
157 - من حديث محمَّد بن سيرين قال: ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه، فكأنهم فضلوا عمر على أبي بكر رضي الله عنهما، قال: فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فقال: والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر، وليوم من أبي بكر، خير من آل عمر، لقد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه، حتى فطن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (يا أبا بكر ما لك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي؟)
فقال: يا رسول الله! أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك، فقال: (يا أبا بكر، لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني)، قال: نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من ملمة إلا أن تكون لي دونك، فلما انتهيا إلى الغار، قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى استبرئ لك الغار، فدخل واستبرأ حتى إذا كان في أعلاه، ذكر أنه لم يستبرئ الحجرة، فقال: مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الحجرة، فدخل واستبرأ ثم قال: انزل يا رسول الله، فنزل فقال عمر: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر" (8).
4 - نسج العنكبوت على باب الغار
158 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: في قوله تعالى {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} قال: تشاورت قريش ليله بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق -يريدون النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله -عَزَّ وَجَلَّ- نبيه على ذلك، فبات علي على فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة، وخرج النبي حتى لحق بالغار, وبات المشركون يحرسون عليًّا يحسبونه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوه عليًّا رد الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل، خلط عليهم، فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال" (9).
تعمية أبصار المشركين عن إبصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر في الغار:
159 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا.
فقال: (ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما) (10).
.................................................. ..............................................
(1) سورة الإسراء: 80.
(2) أخرجه الترمذي في سننه التفسير وفي سورة بني إسرائيل رقم: 3139 وقال حديث حسن صحيح، والحاكم في المستدرك: 3/ 3 وقال صحيح في الإسناد ووافقه الذهبي. وفي سنده قابوس بن أبي ظبيان لينه الحافظ في التقريب ومع ذلك صححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي.
(3) الحاكم في المستدرك: 3/ 5 وقال صحيح الإسناد والمتن ووافقه الذهبي وقال صحيح غريب.
(4) الصحابة: أريد المصحابة.
(5) الحديث صحيح انظر حديث رقم: 119.
(6) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 4 وقال: هذ حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد رواه أبو داود الطيالسي وغيره عن أبي عوانة بزيادة ألفاظ، ووافقه الذهبي. وأخرجه أحمد كما في الفتح الرباني: 20/ 279.
(7) أخرجه ابن هشام في السيرة: 1/ 483 وإسناده رجاله ثقات وهو مرسل حسن، وأخرجه الطبري في تاريخه: 2/ 373، وأبو نعيم في الدلائل ص: 64، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، وله شاهد من حديث ابن عباس رقم: 155، 158، وبه يكون الحديث حسنًا.
(8) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 6 وقال: حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين لولا إرسال فيه لم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال: صحيح مرسل، والحافظ في الفتح: 7/ 237 عن دلائل النبوة للبيهقي من مرسل محمَّد بن سيرين وقال: وذكره أبو القاسم البصري من مرسل ابن أبي مليكة نحوه، وذكر ابن هشام من زياداته عن الحسن البصري بلاغًا نحوه.
(9) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 348، عبد الرزاق في المصنف: 5/ 389، وذكره الحافظ في الفتح: 7/ 236 وقال سنده حسن، وحسن إسناده أيضًا ابن كثير في السيرة: 2/ 239، وقال: إسناد حسن وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار"، ورواه الطبراني مطولًا ذاكرًا تفاصيل الهجرة وإسناده مرسل، وفيه ابن لهيعة وفيه كلام وحديثه حسن، انظر مجمع الزوائد: 6/ 52 - 53، وزاد صاحب فتح القدير عزوه إلى: عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه وغيرهم، انظر فتح القدير: 2/ 304، وقد رواه عبد الرزاق: 5/ 389 متقطعًا عن مقسم وقتادة، ومرة موصولا عن عائشة، ورواه الطبري في التاريخ: 2/ 372، ويشهد له مرسل الحسن أخرجه أبو بكر المروزي في مسند أبي بكر، وجاء من حديث أنس عند البزار، انظر كشف الأستار: 2/ 299، وابن سعد في الطبقات: 1/ 299، والبيهقي في الدلائل: 2/ 473، وبهذا يكون الحديث حسنًا.
(10) أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة باب مناقب المهاجرين وفضلهم منهم أبو بكر رقم: 3653، فتح الباري: 7/ 8، وفي مناقب الأنصار باب هجرة النبي رقم: 3917، فتح الباري: 7/ 255، مسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بكر الصديق: 2381.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 04-12-2018, 10:24 AM
  #26
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

5 - كيف كانا يحصلان على أخبار قريش والزاد واتفاقهما مع الدليل
160 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (ثم لحق رسول الله وأبو بكر بغار في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرًا يكتادان (1) به إلا وسماه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رَسْل -وهو لبن منحتهما ورضيفهما (2) - حتى ينعق عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث.
واستأجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رجلًا من بني الديل، وهو من بني عبد ابن عدي هاديًا خريتًا -والخريت الماهر بالهداية- قد غمس حلفًا في آل العاص بن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل، فأخذ بهما طريق السواحل" (3).
المبحث الثالث: ما يذكر عن أسماء في الهجرة
1 - ذات النطاق
161 - قالت عائشة رضي الله عنها: "فجهزناهما (الراحلتين) احث الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاق" (4).
2 - قصة أسماء مع جدها وتعليله بالحجارة عن النقود
162 - من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: "لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج معه أبو بكر احتمل أبو بكر ماله كله معه، خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم، قالت: وانطلق بها معه، قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه.
قالت: قلت كلا يا أبت إنه قد ترك خيرًا كثيرا، قالت: فأخذت أحجارًا فتركتها فوضعتها في كوة ببيت كان أبي يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوبًا ثم أخذت بيده فقلت: يا أبت ضع يدك على هذا المال، قالت: فوضع يده عليه فقال: لا بأس إن كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا لكم بلاغ، قالت: لا والله ما ترك لنا شيئًا، ولكني أردت أن أسكن الشيخ" (5).
المبحث الرابع: في الطريق إلى المدينة
1 - استراحة في القائلة وشربة لبن
163 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "اشترى أبو بكر رضي الله عنه من عازب رحلًا بثلاثة عشر درهما، فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمل إليَّ رحلي، فقال عازب: لا، حتى تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرجتما من مكة والمشركون يطلبونكم.
قال: ارتحلنا من مكة فأحيينا -أو سرينا- ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا، وقام قائم الظهيرة، فرميت ببصري هل أرى من ظل فآوي إليه، فإذا صخرة أتيتها، فنظرت بقية ظل لها فسويته، ثم فرشت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، ثم قلت له: اضطجع يا نبي الله، فاضطجع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم انطلقت أنظر ما حولي: هل أرى من الطلب أحدا؟ فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي أردنا، فسألته، لمن أنت يا غلام؟ فقال لرجل من قريش سماه فعرفته، فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قلت: فهل أنت حالب لنا. قال: نعم، فأمرته فاعتقل شاة من غنمه، ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته أن ينفض كفيه، فقال: هكذا، ضرب إحدى كفيه بالأخرى فحلب لي كثبة من لبن.
وقد جعلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أداوة على فمها خرقها، فصببت على اللبن حتى برد أسفله، فانطلقت به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتى رضيت، ثم قلت: قد آن الرحيل يا رسول الله، قال: (بلى) فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له: فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله، فقال: (لا تحزن، إن الله معنا) (6).
164 - ومن حديث قيس بن النعمان رضي الله عنه قال: "لما انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر مستخفين مرا بعبد يرعى غنمًا، فاستسقياه من اللبن، فقال: ما عندي شاة تحلب غير أن ها هنا عناقا حملت أول الشتاء، وقد أخدجت وما بقي لها لبن، فقال: (ادع بها) فدعا بها، فاعتقلها النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسح ضرعها ودعا حتى أنزلت، قال: وجاء أبو بكر رضي الله عنه بمجن فحلب فسقى أبا بكر، ثم حلب فشرب، فقال الراعي: بالله من أنت؟ فوالله ما رأيت مثلك قط! قال: (أوتراك تكتم علي حتى أخبرك؟) قال: نعم. قال: (فإني محمَّد رسول الله). فقال: أنت الذي تزعم قريش أنه صابئ، قال (إنهم ليقولون ذلك). قال: فأشهد أنك نبي، وأشهد أن ما جئت به حق، وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي، وأنا متبعك، قال: (إنك لا تستطيع ذلك يومك، فإذا بلغك أني قد ظهرت فأتنا) (7).
2 - حديث سراقة بن مالك
165 - من حديث سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه قال: "جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذا أقبل رجل منهم، حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفًا أسودة بالساحل أراهما محمدًا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانًا وفلانًا انطلقوا بأعيننا.
ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي -وهي من وراء أكمة- فتحبسها علي، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض، وخفضت عاليه، حتى أتيت فرسي، فركبتها، فرفعتها تقرب لي، حتى دنوت فعثرت بي فرسي فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها: أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره.
فركبت فرسي -وعصيت الأزلام- تقرب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها، فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عنان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت له:
إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم،وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني، ولم يسألاني إلا أن قال: (أخف عنا). فسألته أن يكتب لي كتاب أمن, فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم, ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (8).
.................................................. .................
(1) يكتادان: يطلب لهما فيه المكروه، وهو من الكيد.
(2) رضيفهما: اللبن الموضوف: أي الذي وضعت فيه الحجارة المحماة بالشمس والنار لينعقد وتزول رخاوته.
(3) سبق تخريجه رقم الحديث: 119 - وقد رواه البخاري.
(4) الحديث السابق.
(5) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 5 - 6، وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وأحمد انظر الفتح الرباني: 20/ 282، وابن هشام في السيرة ورجاله ثقات: 1/ 488، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 59 رواه أحمد والطبراني رجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.
(6) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب مناقب المهاجرين وفضلهم ومنهم أبو بكر رقم: 3652، فتح الباري: 7/ 8، وانظر: 3439، 3615, 3917، مسلم في صحيحه كتاب الزهد باب في حديث الهجرة ويقال له حديث الرحل رقم: 2009 صفحة: 4/ 2309 - 2310، وأحمد في المسند: 1/ 2 - 3.
* أخدجت: ألقت ولدها.
(7) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 8 - 9، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال: صحيح، المطالب العالية رقم: 4295، رواه أبو يعلى بإسناد رواته ثقات كذا قال البوصيري، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 58 رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، كشف الأستار عن زوائد البزار: 1743.
(8) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم: 3906، فتح الباري: 7/ 238، ومسلم في الزهد باب حديث الهجرة: 2009، وابن سعد في الطبقات مختصرًا: 1/ 232، وأحمد في المسند: 4/ 176، وعبد الرزاق في المصنف: 5/ 392 - 394. والبيهقي في الدلائل: 2/ 484، والحاكم في المستدرك: 3/ 6 - 7. وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاء وأقره الذهبي. وأشار إلى أن البخاري ومسلم قد أخرجاه، وابن هشام في السيرة: 1/ 489.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 10-12-2018, 11:39 AM
  #27
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

المبحث الثاني: نزوله بفناء أبي أيوب وبناء المسجد
170 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة نزل في علو المدينة، في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، قال: فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى ملأ بني النجار، قال: فجاءوا متقلدي سيوفهم، قال: وكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب، قال: فكان يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم.
قال: ثم إنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ بني النجار فجاءوا. فقال: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا، فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله. قال: فكان فيه ما أقول لكم: كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خرب، وكان فيه نخيل.
فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبور المشركين وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطعت، قال: فصفوا النخل قبلة المسجد، قال وجعلوا عضادتيه حجارة، وجعلوا ينقلون الصخر، وهم يرتجزون ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم يقولون:
اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة (1) المبحث الثالث: فرح أهل المدينة بمقدم الرسول صلى الله عليه وسلم
1 - خروج الناس لاستقبال الرسول - عليه السلام - حين قدم المدينة
171 - من حديث البراء عن أبي بكر في حديث الهجرة فقال: (فقدمنا المدينة ليلًا، فتنازعوا أيهم ينزل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أنزل علي بني النجار، أخوال عبد المطلب، أكرمهم بذلك) فصعد الرجال والنساء فوق البيوت وتفرق الغلمان والخدم في الطرق ينادون: يا محمَّد! يا رسول الله! يا محمَّد! يا رسول الله" (2).
- إضاءة المدينة لمقدمه صلى الله عليه وسلم وإظلامها لوفاته
172 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "فما رأيت يومًا قط أنور ولا أحسن من يوم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر المدينة، وشهدت وفاته فما رأيت يومًا قط أظلم ولا أقبح من اليوم الذي توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فيه" (3).
3 - لعب الحبشة بحرابها فرحًا بالرسول صلى الله عليه وسلم
173 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله لعبت الحبشة بحرابهم فرحًا لقدومه" (4).
المبحث الرابع: مسائل عبد الله بن سلام حبر اليهود وإسلامه
174 - من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل عليه، فنزل النبي في السفل وأبو أيوب في العلو. قال: فانتبه أبو أيوب ليلة فقال: نمشي فوق رأس رسول الله، فتنحوا، فباتوا في جانب، ثم قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (السفل أرفق) فقال: لا أعلو سقيفة أنت تحتها، فتحول النبي - صلى الله عليه وسلم - في العلو وأبو أيوب في السفل. فكان يصنع للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعاما. فإذا جيء به إليه سأل عن موضع أصابعه، فيتتبع موضع أصابعه، فصنع له طعاما فيه ثوم، فلما رد إليه سأل عن موضع أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقيل له: لم يأكل ففزع وصعد إليه. فقال: أحرام هو؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا ولكني أكرهه) قال: فإني أكره ما تكره، أو ما كرهت، قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤتى؟!! " (5).
175 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني به جبريل آنفًا. قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، قال: أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إلى أمه. قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإِسلامي، فجاءت اليهود. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك. فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك. فخرج إليهم عبد الله. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. قالوا: شرنا وابن شرنا، وتنقصوه، قال: هذا ما كنت أخاف يا رسول الله" (6).
المبحث الخامس: أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم
من حديث ابن إسحاق قال: "نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقباء على كلثوم بن الهدم أخي بني عمرو بن عوف، ويقال بل نزل على سعد بن خيثم، فأقام في بني عمرو بن عوف وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلى الجمعة الكبرى في المسجد ببطن الوادي، قال ابن إسحاق: ثم نزل رسول الله على أبي أيوب، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببناء مسجده في تلك السنة" (7).
المبحث السادس: متى دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة
176 - من حديث عاصم بن عدي رضي الله عنه قال: "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين لاثنتي عشرة لية خلت من ربيع الأول فأقام بالمدينة عشر سنين" (8).
المبحث السابع: المشاركة في بناء المسجد
177 - من حديث سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لما بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، جاء أبو بكر رضي الله عنه بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هؤلاء ولاة الأمر من بعدي) (9).
178 - من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فينفض التراب عنه ويقول: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار). قال: يقول عمار: أعوذ باللهِ من الفتن" (10).
صفة مسجده:
179 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبنيًّا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل" فلم يزد فيه أبو بكر شيئًا، وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باللبن والجريد وأعاد عمده خشبًا، ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج" (11).
.................................................. ..................
(1) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب مقدم النبي وأصحاب إلى المدينة رقم: 3932 فتح الباري: 265/ 7، وفي المساجد باب هل تنبش قبور مشركي الجاهية ويتخذ مكانها مساجد، وفي فضائل المدينة باب حرم المدينة، وفي البيوع باب صاحب السلعة أحق بالسوم، ومسلم في المساجد باب ابتناء مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم: 524 - أبو داود في الصلاة باب بناء المسجد: 454، النسائي في المساجد باب نبش القبور واتخاذ أراضيها مساجد: 2/ 39 - 40، ابن ماجه في المساجد باب أين يجوز بناء المساجد. 742، وأحمد في المسند انظر الفتح الرباني: 21/ 5 - 6، ابن سعد في الطبقات: 1/ 239 - 241، البيهقي في الدلائل: 2/ 539 - 540، الطيالسي في المسند في منحة المعبود: 2/ 94 - 95.
(2) أخرجه البخاري في مناقب الصحابة باب مناقب المهاجرين: 3652 فتح الباري: 7/ 8، وفي الأنبياء باب علامات النبوة في الإِسلام، وفي الأشربة باب شرب اللبن، وفي اللقطة: باب من عرف اللقطة ولم يدفعها إلى السلطان، ومسلم: 2009، 4/ 2309 في الزهد والرقائق: باب في حديث الهجرة.
(3) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 122، والدارمي: 1/ 41 في المقدمة وإسناده صحيح، والحاكم في المستدرك: 3/ 12، وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 59 - 60، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(4) أخرجه أبو داود في الأدب باب في الغناء: 4923، الفتح الرباني: 20/ 290 - 291 وسنده صحيح رجاله رجال الصحيح.
(5) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الأشربة باب إباحة أكل الثوم وأنه ينبغي لمن أراد خطاب الكبار تركه رقم: 2053 - الترمذي كتاب الأطعمة باب كراهة أكل الثوم: 1807، أحمد في المسند: 5/ 94 - 95، 96، 103، 106، البيهقي في الدلائل: 10/ 509 - 510.
(6) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب كيف آخى النبي بين أصحابه رقم 3938 فتح الباري: 7/ 272، وكتاب مناقب الأنصار باب الهجرة رقم: 3911 فتح الباري: 7/ 249 - 250.
(7) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 62 - 63، رواه الطبراني ورجاله ثقات: وانظر السيرة النبوية بتعليق الخشني: 2/ 159.
(8) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 63 رواه الطبراني ورجاله ثقات، الطبراني في الكبير: 17/ 172.
(9) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 13، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاء ووافقه الذهبي وقال صحيح.
(10) أخرجه البخاري في الصلاة باب التعاون في بناء المسجد رقم: 447 فتح الباري: 1/ 541 ورقم: 2812 في الجهاد. وانظر الفتح الرباني: 23/ 274 - مسلم في الفتن رقم: 2915 - أحمد في المسند: 3/ 5 البيهقي في الدلائل: 2/ 548.
(11) أخرجه البخاري في الصلاة باب بنيان المسجد رقم: 446 فتح الباري: 1/ 540، وانظر الفتح الرباني: 23/ 276.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2018, 12:26 PM
  #28
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

المبحث الثامن: ما أصاب المهاجرين من حمى المدينة
180 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "قدمنا المدينة وهي وبيئة، فاشتكى أبو بكر، واشتكى بلال، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شكوى أصحابه قال: (اللهم حبب إلينا المدينة، كما حببت مكة أو أشد وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وحول حماها إلى الجحفة) (1).
181 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وعك أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: فكان أبو بكر رضي الله عنه إذا أخذته الحمى يقول:
كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي أذخر وجليل
وهل أردن يومًا مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل
قالت عائشة فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فقال: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها،فاجعلها بالجحفة).
وفي رواية للبخاري: "أن بلالًا قال بعد شعره "اللهم العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة). قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، قالت: فكان بطحان يجري نجلا، تعني ماء آجنًا" (2).
182 - من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة، حتى قامت بهيعة وهي الجحفة، فأولت أن وباء المدينة نقل إليها) (3).
مرض عائشة بالحمى:
183 - من حديث البراء عن أبي بكر رضي الله عنهما قال البراء: "فدخلت مع أبي بكر على أهله فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حمى، فرأيت أباها يقبل خدها، وقال: كيف أنت يا بنية" (4).
المبحث التاسع: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
قال السهيلي: "آخى بين أصحابه ليذهب عنهم وحشة الغربة، ويتأنسوا من مفارقة الأهل والعشيرة، ويشد بعضهم أزر بعض، فلما عز الإِسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أبطل المواريث، وجعل المؤمنين كلهم إخوة، وأنزل {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} يعني في التوادد وشمول الدعوة، واختلفوا في ابتدائها: فقيل بعد الهجرة بخمسة أشهر، وقيل: بتسعة، وقيل: وهو يبني المسجد" (5).
184 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "قد حالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين قريش والأنصار في داري" (6).
185 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - على كل بطن عقوله ثم كتب (أنه لا يحل لمسلم أن يتولى مولى رجل مسلم بغير إذنه) ثم أخبرت أنه لعن في صحيفته من فعل ذلك (7).
186 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم، وأن يفدوا عانيهم بالمعروف، والإصلاح بين المسلمين" (8).
187 - عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قال: ورثة {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قال: كان المهاجرون لما قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ورث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه، للأخوة التي آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم، فلما نزلت {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نسخت. ثم قال: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} إلا النصر والرفادة والنّصيحة -وقد ذهب الميراث- ويوصي له" (9).
188 - من حديث أنس رضي الله عنه: قال: (قالت المهاجرون: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن بذلًا من كثير، ولا أحسن مواساة في قليل، قد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ، فقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كلا ما أثنيتم عليهم به، ودعوتم الله -عَزَّ وَجَلَّ- لهم) (10).
189 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قالت الأنصار: اقسم بيننا وبينهم النخيل، قال: (لا). قال: يكفوننا المئونة، ويشركوننا في الثمر، قالوا: سمعنا وأطعنا" (11).
190 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق، فربح شيئًا من أقط وسمن، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أيام وعليه وضر من صفرة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مهيم يا عبد الرحمن؟) قال: يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار، قال: (فما سقت فيها؟) فقال: وزن نواة من ذهب. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أولم ولو بشاة) " (12). مهيم : كلمة استفهام تعني ما شأنك أو ما وراءك
191 - من حديث أنس قال: "آخى النبي بين أبي عبيدة وبين أبي طلحة" (13).
192 - "آخى النبي سلمان وأبي الدرداء" من حديث أبي جحيفة (14).
193 - ومن حديث الزبير بن العوام قال: أنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ - فينا خاصة معشر قريش والأنصار {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان، فواخيناهم، ووارثناهم، فآخى أبو بكر رضي الله عنه خارجة بن زيد، وآخى عمر رضي الله عنه فلانًا، وآخى عثمان بن عفان رضي الله عنه رجلًا من بني زريق بن سعد الزرقي، ويقول بعض الناس غيره، قال الزبير رضي الله عنه: وآخيت أنا كعب بن مالك، فجئته فابتعلته، فوجدت السلاح قد ثقله فيما يرى فوالله، يا بني لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري، حتى أنزل الله تعالى هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة فرجعنا إلى مواريثنا" (15).
.................................................. ..............
(1) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب مقدم النبي وأصحابه المدينة رقم: 3926 فتح الباري: 7/ 262 وفي الدعوات باب الدعاء برفع الوباء والوجع، وفي فضائل المدينة باب حدثنا مسدد عن يحيى عن عبد الله بن عمر، وفي المرض باب عيادة النساء الرجال، وباب من دعا برفع الوباء والحمى، ومسلم في صحيحه الحج باب الترغيب في سكنى المدينة رقم: 1376، والفتح الرباني: 21/ 12 - 13.
(2) أخرجه البخاري في كتاب فضائل المدينة باب حدثنا مسدد عن يحيى عن عبيد الله بن عمر رقم: 1889 وانظر التعليق السابق.
(3) أخرجه البخاري في كتاب التعبير باب إذا رأى أنه أخرج الشيء من كوة وأسكنها موضعًا آخر، وباب المرأة السوداء: 12/ 425 - 426، رقم 7038، 7039، 7040، والترمذي كتاب الرؤيا باب ما جاء في رؤيا النبي الميزان والدلو رقم: 2290: وقال حسن صحيح غريب، وابن ماجه في التعبير باب تعبير الرؤيا رقم: 3924.
(4) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب هجرة النبي وأصحابه رقم: 3918 فتح الباري: 7/ 255.
(5) فتح الباري: 7/ 270.
(6) أخرجه البخاري في كتاب الكفالة، باب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} رقم: 2294، وجاء أيضًا بأرقام: 6083، 7340، ومسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب مؤاخاة النبي بين أصحابه رقم: 2528.
(7) أخرجه مسلم في كتاب العتق باب تحريم تولي العتيق غير مواليه رقم: 1507، النسائي في القسامة باب صفة شبه العمد: 8/ 52، أحمد في المسند:3/ 321، 349،342.
* معاقلهم: المعاقل: الديات، العاني: الأسير، عقوله: العقول: الديات، والهاء ضمير البطن.
(8) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 271، 2/ 204، الفتح الرباني: 21/ 10، وقال الساعاتي: لم أقف عليه لغير الإِمام أحمد وسنده صحيح، وأورده الحافظ في تاريخه وقال: تفرد به أحمد، السيرة ابن كثير: 2/ 320 قلت: فيه حجاج بن أرطأة صدوق كثير الخطأ يدلس فالحديث إذن ليس كما قال الشيخ الساعاتي وإنما هو يشاهده عن جابر حسن. وأحاديث عمرو بن شعيب جلها حسنة إذا صح الإسناد إليه.
(9) أخرجه البخاري الكفالة باب قوله تعالى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} رقم: 2292 وأرقام: 4580، 6747.
(10) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 204 وهو من ثلاثياته وسنده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه الترمذي في صفة القيامة برقم: 2487، وأبو داود في الأدب باب في شكر المعروف: 4812، والبيهقي في السنن: 6/ 183، وقال الترمذي حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
(11) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب إخاء النبي بين المهاجرين والأنصار رقم: 3782.
(12) أخرجه البخاري في منافب الأنصار باب إخاء النبي بين المهاجرين والأنصار رقم: 3781، وباب كيف آخى النبي بين أصحابه رقم: 3937، مسلم النكاح رقم: 1427، أبو داود في النكاح باب قلة المهر: 2109، الترمذي في البر والصلة باب ما جاء في مواساة الأخ: 1934، والنسائي في النكاح باب الهدية لمن عرس: 6/ 137، والبيهقي في السنن: 7/ 236، 237، وعبد الرزاق: 10410، وابن ماجة في النكاح باب الوليمة: 1907، والدرامي: 2/ 143 والحميدي: 1218. أحمد في المسند: 3/ 152، 3/ 190، 204، 271، وقد جاء من حديث إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده عند البخاري رقم: 3780 باب إخاء النبي بين المهاجرين والأنصار.
(13) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب مؤخاة النبي بين أصحابه رقم: 2528 - وأحمد في المسند: 3/ 152، وأبو يعلى: 3320.
(14) أخرجه البخاري في الصوم باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع رقم: 1968، وفي الأدب باب صنع الطعام والتكلف للضيف: 6139، والترمذي في الزهد باب أعط كل ذي حق حقه: 2415، وأبو يعلى: 898.
(15) تفسير ابن كثير: 3/ 468 في سورة الأحزاب آية: 6 عن ابن أبي حاتم بسنده إلى الزبير وإسناده حسن.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 13-12-2018, 11:22 AM
  #29
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

المبحث العاشر: الوثيقة التي كتبها النبي في المدينة
لقد نظم النبي - صلى الله عليه وسلم - العلاقات بين سكان المدينة، وكتب في ذلك كتابًا أوردته المصادر التاريخية، واستهدف هذا الكتاب أو الصحيفة توضيح التزامات جميع الأطراف داخل المدينة، وتحديد الحقوق والواجبات، وقد سميت في المصادر القديمة بالكتاب أو الصحيفة، وأطلقت عليها الأبحاث الحديثة لفظ الدستور والوثيقة.
أ - طرق ورود الوثيقة "الصحيفة":
ونظرًا لأهمية الوثيقة التشريعية إلى جانب أهميتها التاريخية، فلا بد من تحكيم مقاييس أهل الحديث فيها لبيان درجة قوتها أو ضعفها، وما ينبغي أن يتساهل فيها كما يفعل مع الروايات والأخبار التاريخية الأخرى.
أن أقدم من أورد نص الوثيقة كاملًا هو محمَّد بن إسحاق لكنه أوردها دون إسناد، ونقلها عنه ابن كثير وابن سيد الناس، وقد ذكر البيهقي إسناد ابن إسحاق للوثيقة التي تحدد العلاقات بين المهاجرين والأنصار دون البنود التي تتعلق باليهود، لذلك لا يمكن الجزم بأنه أخذها من نفس الطريق أيضًا.
وقد ذكر ابن سيد الناس أن ابن أبي خيثمة أورد الكتاب (الوثيقة)، فأسنده بهذا الإسناد، وحدثنا أحمد بن خباب أبو الوليد، حدثنا عيسى بن يوسف، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني، عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار فذكر بنحوه -أي بنحو الكتاب الذي أورده ابن إسحاق، ولكن يبدو أن الوثيقة وردت في القسم المفقود من تاريخ ابن أبي خيثمة إذ لا وجود لها فيما وصل إلينا منه.
كذلك وردت الوثيقة في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام بإسناد آخر هو حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير، وعبد الله بن صالح، قالا: حدثنا الليث ابن سعد، قال: حدثنا عقيل بن خالد، عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب هذا الكتاب ..) وسرده.
كما وردت الوثيقة في كتاب الأموال لابن زنجويه من طريق الزهريّ أيضًا.
هذه هي الطرق التي وردت منها الوثيقة بنصها الكامل، والتطابق الكبير بين سائر الروايات سوى بعض التقديم والتأخير في العبارات، أو اختلاف بعض المفردات، أو زيادة بنود قليلة، ولا يؤثر هذا الاختلاف على مضمونها العام.
ب - مدى صحة الوثيقة:
اعتمد عدد من الباحثين المعاصرين على الوثيقة فبنوا عليها دراساتهم، في حين ذهب الأستاذ يوسف العش إلى أن الوثيقة موضوعة فهو يقول: إنها لم ترد في كتب الفقه والحديث الصحيح رغم أهميتها التشريعية، بل رواها ابن إسحاق بدون إسناد، ونقلها عنه ابن سيد الناس، وأضاف أن كثير بن عبد الله بن عمرو والمزني روى هذا الكتاب عن أبيه عن جده، وقد ذكر ابن حبان البستي: أن كثير المزني روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب، ولا الرواية عنها إلا على جهة التعجب" ويرى العش أن ابن إسحاق اعتمد على رواية كثير لكنه تعمد حذف الإسناد.
لقد ذهب الأستاذ العش إلى ذلك لأنه تصور أن الوثيقة لم يروها غير ابن إسحاق، ولم يعبر على إسناد لها سوى ما ذكر ابن سيد الناس من رواية ابن أبي خيثمة لها من طريق كثير المزني.
لكن أبا عبيد القاسم بن سلام أورد الوثيقة من طريق الزهريّ وهي طريق مستقلة لا صلة لها بكثير المزني. ونظرًا لكون ابن إسحاق من أبرز تلاميذ الزهريّ، فإن ثمة احتمال لأن يكون أورد الوثيقة من طريقه، لولا أن البيهقي ذكر إسناد ابن إسحاق للوثيقة التي تحدد العلاقات بين المهاجرين والأنصار دون أن تتناول البنود المتعلقة بيهود، ولا يمكن الجزم بأن ابن إسحاق أخذ البنود المتعلقة بيهود من هذه الطريق أو من طريق أخرى.
قال البيهقي: "أخبرني أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمَّد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عثمان بن محمَّد بن المغيرة بن الأخنس بن شريق قال: أخذت من آل عمر بن الخطاب هذا الكتاب كان مقرونا بكتاب الصدقة".
والحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن عثمان تحملها وجادة، وفي الإسناد رجال فيهم ضعف مثل عثمان، فهو صدوق له أوهام، ويونس بن بكير يخطئ، والعطار ضعيف وتحمله للسيرة صحيح، فالرواية على ضعفها صالحة للاعتبار وقد توبعت وأن هذا النص يهدم الأساس الذي بنى عليه الأستاذ العش رأيه. كما أنه لا يمكن الحكم على الوثيقة بأنها موضوعة لأن كتب الحديث لم ترو نصًّا كاملًا!! فقد أوردت كتب الحديث مقتطفات كثيرة منها تغطي عددًا كبيرًا من بنودها.
وبذلك يتبين أن الحكم بوضع الوثيقة مجازفة، ولكن الوثيقة لا ترقى بمجموعها إلى مرتبة الأحاديث الصحيحة. فابن إسحاق في سيرته رواها دون إسناد مما يجعل روايته ضعيفه، وأوردها البيهقي من طريق ابن إسحاق أيضًا بإسناد فيه سعد بن المنذر وهو مقبول فقط، وابن أبي خيثمة أوردها من طريق كثير بن عبد الله المزني وهو يروي الموضوعات وأبو عبيد القاسم بن سلام رواها بإسناد منقطع يقف عند الزهريّ، وهو من صغار التابعين فلا يحتج بمراسيله".
ولكن نصوصًا من الوثيقة وردت في كتب الأحاديث بأسانيد متصلة وبعضها أوردها البخاري ومسلم، فهذه النصوص هي من الحديث الصحيح وقد احتج بها
الفقهاء وبنوا عليها أحكامهم. كما أن بعضها ورد في مسند الإِمام أحمد، وسنن أبي داود، وابن ماجه والترمذي، وهذه النصوص جاءت من طرق مستقلة عن الطرق التي وردت منها الوثيقة.
وإذا كانت الوثيقة بمجموعها لا تصلح للاحتجاج بها في الأحكام الشرعية، سوى ما ورد منها من كتب الحديث الصحيح، فإنها تصلح أساسًا للدراسة التاريخية التي لا تتطلب درجة الصحة التي تقتضيها الأحكام الشرعية، خاصة وأن الوثيقة وردت من طرق عديدة تتضافر في إكسابها القوة، كما وأن الزهريّ علم كبير من الرواد الأوائل في كتابة السيرة النبوية، ثم إن أهم كتب السيرة والمصادر التاريخية ذكرت موادعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لليهود، وكتابته بينه وبينهم كتابًا، كما ذكرت كتابته كتابًا بين المهاجرين والأنصار.
وقد جاء عند ابن كثير في البداية والنهاية: 4/ 103 - 104 نقلًا عن موسى ابن عقبة: (وفيه أن بني قريظة مزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد". والأثر موقوف عليه بدون إسناد، ولكن مجموع الآثار يتقوى بعضها ببعض وتصل إلى درجة الحسن لغيره.
كذلك فإن أسلوب الوثيقة ينم عن أصالتها، فنصوصها مكونة من جمل قصيرة بسيطة وغير معتدة التركيب، ويكثر فيها التكرار، وتستعمل كلمات وتعابير كانت مألوفة في عصر الرسول - عليه السلام -، ثم قل استعمالها فيما بعد حتى أصبحت مغلقة على غير المتعمقين في دراسة تلك الفترة، وليس في هذه الوثيقة نصوص تمدح، أو تقدح فردًا، أو جماعة، أو تخص بالإطراء، أو الذم، لذلك يمكن القول بأنها وثيقة أصلية وغير مزورة، ثم إن التشابه الكبير بين أسلوب الوثيقة، وأساليب كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - الأخرى يعطيها توثيقًا آخر" (1).
.................................................. .................................................. ......
(1) المجتمع المدني في عهد النبوة للدكتور أكرم ضياء العمري من صفحة: 107 - 112 بتصرف قليل.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 17-12-2018, 11:24 AM
  #30
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

ميثاق التحالف الإِسلامي:
وكما سبق ذكره تبين لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد عقد حلفًا بين المهاجرين والأنصار، وسأذكر بنود هذا الحلف من خلال الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الحلف:
194 - من حديث علي رضي الله عنه من روايات متعددة عنه من طرق عن عدد من التابعين وكل واحد منهم روى بعضها وكل ما ذكروه وارد فيها "الوثيقة أو الحلف".
من طريق إبراهيم التيمي، عن أبيه يزيد التيمي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (المدينة حرام ما بين عائر إلى كذا، من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل) وقال: (وذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن تولى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل" (1).
195 - ومن طريق أبي جحيفة عن علي قال: فيها (الصحيفة) العقل وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر) (2).
196 - ومن طريق أبي حسان الأعرج "بعد أن ذكر الحديث زاد (المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد بعهده) وزاد أحمد: (إن إبراهيم حرم مكة؛ وإني أحرم ما بين حرتيها وحماها كله، لا يختلي خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها, ولا يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره، ولا يحمل فيها السلاح لقتال) (3).
197 - ومن طريق أبي الطفيل (لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثا) (4).
198 - ومن طريق لإبراهيم التيمي قال: (فيها الجراحات وأسنان الإبل) (5).
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري:
والجمع بين هذه الأخبار أن الصحيفة المذكورة كانت مشتملة على مجموع ما ذكره، فنقل كل راو بعضها، وأتمها سياقًا طريق أبي حسان كما ترى والله أعلم (6).
ومن الواضح أن هذه المقتطفات معظمها يطابق -نصًّا- ما ورد في الوثيقة: كما أنها تغطي معظم بنود الوثيقة المتعلقة بالتزامات المسلمين من المهاجرين والأنصار بعضهم تجاه بعض، ولكن ليس فيها إشارة إلى البنود المتعلقة بموادعة اليهود، مما يرجح أن الوثيقة في الأصل وثيقتان، وأن الصحيفة التي كانت معلقة بسيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم صارت عند علي رضي الله عنه هي نفس الكتاب بين المهاجرين والأنصار (7).
وهكذا يتبين أن الرسول - عليه السلام - قد حالف بين الأنصار والمهاجرين في وثيقة خاصة بهم، ووادع اليهود في وثيقة أخرى، الأولى بعد بدر حدد فيها التزاماتهم بعضهم تجاه بعض، والثانية قبل بدر أول قدوم النبي المدينة، لكن المؤرخين جمعوا بين الوثيقتين" (8).
وسأنقل نص الوثيقة كاملة وقد سبق التكلم عن صحتها وقوتها:
جـ - نص الوثيقة:
1 - هذا كتاب من محمَّد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تابعهم فلحق بهم وجاهد معهم.
2 - إنهم أمة واحدة من دون الناس.
3 - المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
4 - وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
5 - وبنو الحارث "بن الخزرج" على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف.
6 - وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
7 - وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
8 - وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
9 - وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
10 - بنو النّبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
11 - وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
12 - وإن المؤمنين لا يتركون مفرحًا (9) بينهم أن يعطوه بالمعروف من فداء أو عقل. المفرح: المثقل بالدين وكثير العيال
(12 ب) وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه.
13 - وأن المؤمنين المتقين (أيديهم) على كل من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم (10)، أو إثما، أو عدوانا أو فسادًا بين المؤمنين، وإن أيديهم عليهم جميعًا، ولو كان ولد أحدهم.( دسيعة ظلم: الدسيعة هي العطية وهي ما يخرج من حلق البعير إذا رغا ومعناه ما: ما ينال فهم من ظلم.)
14 - ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافرًا على مؤمن.
15 - وإن ذمة الله واحدة يجير أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.
16 - وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصرة والأسوة، غير مظلومين ولا متناصر عليهم.
17 - وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
18 - وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضًا.
19 - وإن المؤمنين يبيء (11) بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله. يبيء: يمنع ويكف.
20 - وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه.
20 ب - وأنه لا يجير مشرك مالًا لقريش ولا نفسًا ولا يحول دونه على مؤمن.
21 - لأنه من اعتبط (12) مؤمنًا قتلًا عن بينة فإنه قود به، إلا أن يرضى ولي المقتول (بالعقل)، وأن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه. اعتبط: قتل مؤمنًا من غير شيء يوجب قتله.
22 - وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثًا أو يؤويه، وأن من نصره فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
23 - وإنه مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمَّد.
24 - وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
25 - وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمن دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم نفسه وأثم لا يوتغ (13) إلا نفسه وأهل بيته. يرتغ: يهلك.
26 - وإن يهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.
27 - وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.
28 - وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.
29- وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف.
30 - وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف.
31 - وإن ليهود بني ثعلبة ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
32 - وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم.
33 - وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف وأن البر دون الإثم.
34 - وإن موالي ثعلبة كأنفسهم.
35 - وإن بطانة يهود كأنفسهم.
36 - وإنّه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمَّد.
36 ب - وإنه لا ينحجز على ثار جرح؛ لأنه من فتك فبنفسه وأهل بيته إلا من ظلم وأن الله على أبر هذا.
37 - وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والبر دون الإثم.
37 ب - وإنه لا يأثم أمر بحليفه وإن النصر للمظلوم.
38 - وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
39 - وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
40 - وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.
41 - وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.
42 - وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث، أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره.
43 - وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها.
44 - وإن بينهم النصر على من دهم يثرب.
45 - وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإن لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين.
45 ب - على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.
46 - وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وإن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.
47 - وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم وأثم, وإن الله جار عن بر وتقي، ومحمد
رسول الله (14).
ولقد حلل الأستاذ أكرم ضياء العمري حفظه الله هذه الوثيقة تحليلًا طيبًا، وكتب حولها بحثًا قيمًا في كتابه المجتمع المدني نقلت جزءًا كبيرًا منه لنفاسته وجودته، والله الموفق.
.................................................. ..............................................
(1) أخرجه البخاري في فضائل المدينة باب حرم المدينة رقم: 1870، 3172, 3176، 6755، 7300, ومسلم في الحج باب ضل المدينة: 1370، أبو داود: المناسك باب في تحريم المدينة: 2034، والترمذي في الولاء باب ما جاء فيمن تولى غير مواليه: 2128 وأحمد في المسند: 1/ 81، 126.
(2) أخرجه البخاري في العلم باب كتابة العلم: 111، الجهاد , باب فكاك الأسير: 3047، الديات باب لا يقتل المسلم بالكافرة: 6915، 6755 الترمذي الديات باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر: 1412، وابن ماجه: في الديات: 2658، النسائي في القسامة باب سقوط القود من المسلم للكافر: 8/ 24، والحميدي رقم: 40، وأحمد: 1/ 79، والطحاوي شرح معاني الآثار: 3/ 192.
(3) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 119، والثاثي القسامة باب القود بين المماليك والأحرار: 8/ 20 بدون قوله: إن إبراهيم).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي باب تحريم الذبح لغير الله ولعن فاعله حديث رقم: 1978.
(5) أخرجه البخاري في كتاب الجزية والموادعة باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة رقم: 3172.
(6) فتح الباري: 4/ 85.
(7) المجتمع المدني: 4/ 85.
(8) المصدر السابق: ص 117 ببعض التصرف.
(9) المفرح: المثقل بالدين وكثير العيال.
(10) دسيعة ظلم: الدسيعة هي العطية وهي ما يخرج من حلق البعير إذا رغا ومعناه ما: ما ينال فهم من ظلم.
(11) يبيء: يمنع ويكف.
(12) اعتبط: قتل مؤمنًا من غير شيء يوجب قتله.
(13) يرتغ: يهلك.
(14) المجتمع المدني: ص 119 - 122
.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:03 AM.


images