الحلقة الثالثة عشر ...
دخلت عروسي من جديد..وقررت بعد أن استوت في مجلسها أن أكون هادئا ثقيلا..لأراها مرة ثانية بشكل دقيق..
ويبدو أنها هي الأخرى اتخذت القرار نفسه حيث كانت تبادلني النظرات..وأما الكلمات فقد اختفت من لساني.. وحين استمر الصمت قليلا أخذت أردد هاتين الكلمتين:ما شاء الله تبارك الله..
هاتان الكلمتان يا سادة هما شعار كثير من الخطاب حين يرون مخطوباتهم..إما حقيقة وتعبيرا عن إعجابهم..وإما مجاملة وتخلصا من الإحراج في ذلك المجلس..
أما أنا والحق يقال فلم أدر من أي النوعين كانت كلمتاي!!..
طبعاً لم أشأ أن أزودها حبتين فقررت إنهاء المجلس فقلت:خيرا إن شاء الله..والتفت إلى بعض إخوتها قائلاً:
إذا أرادت الأخت الانصراف فلتتفضلْ..وفعلا انصرفت ولم تغب عن عيني حتى خرجت من المجلس تماماً..
وبعدها استأذنت للانصراف وما أتممت استئذاني حتى هب القوم وقوفاً فقمت على الفور..وقصدت الباب..
وعند الباب الخارجي قال الأكبر منهم:إذا صار معك شيء فأخبر نسيبنا..
فقلت:أبشر وسم..
ركبت سيارتي وصورة خطيبتي لا تفارق مخيلتي..
وانطلقت بالسيارة وأنا لا أدري أين أذهب!!..حيث كانت الأفكار والتخيلات تموج في رأسي وصدري ووجداني..
قررت أن أتوقف قليلا وأسترجع ما حدث لأعرف حقيقة موقفي مما رأيت وشاهدت..
تذكرت دخولها وإطلالتها بجسمها الريان بل الزائد رياًَ..وكما تعرفون فسيادتي من هواة المربربات..
وقلت في نفسي بل لقد قلت بلساني:جاك يا مهنا ما تمنى..
وكان الحمل ولعله أثر على جسم زوجتي الأولى حيث كان وزنها بالنسبة لي ناقصاً..على الأقل لأني أميل إلى ربربة جسم المرأة..
وتذكرت نظراتها الحلوة خصوصا في الإطلالة الثانية..فقلت في نفسي:هذا النظرات من أولها!!!
وكنت قد عرفت بل تيقنت أنني قد حزت على بعض إعجابها إن لم يكن على وافره و كامله..
عرفت ذلك من نظراتها وقد صار لي خبرة قليلة برؤية النساء في الخطبة..ثم تيقنت منه بعد ذلك عن طريق صديقي صهرهم حين هاتفته لأعطيه أخبار زيارتي لأصهاره..حين سألته سؤالاً يحمل قدراً من خفة الدم والاستظراف:
هاه يا أبا فلان..عسى فلانة اسم الخطيبة ارتاحت للموضوع!!..يعني حين رأتني ماذا قالت..
وكان صاحبنا طيباً الذي في قلبه ينطق به لسانه..فأجاب إجابة أحاطتني بشبكة من الإعجاب بالنفس هذه الشبكة الإعجابية كانت بعض خيوطها ولم أنتبه لها قد نسجت من الغرور..
ولئن قال شوقي:والغواني-يعني النساء-يغرهن الثناء..فإن معاشر الخطاب والخاطبين والمقبلين على الزواج وخصوصا المعددين يغرهم ويغريهم الثناء والإطراء بالوسامة والفخامة والهندامة مع أن كثيرين بينهم وبين تلك الأوصاف بعد المشرقين..
قال:فلانة مرة مبسوطة وسعيدة..وتقول:ما شاء الله تبارك الله..ثم سكت وليته لم يسكت..
فقلت:ما شاء الله تبارك الله..وبعدين..ماذا قالت:
فقال:لا بعدين ولا قبلين ما قالت إلا كل خير..
لكن أخبرني عن نفسك؟؟كيف وجدت فلانة..إن شاء الله أعجبتك..
فاجأني بسؤاله..حيث كنت أستمتع بإعجاب خطيبتي بي ولم أتوقع سؤاله هذا!!..
سكت قليلاً..فقال:ولِمَ سكت؟؟فقلت:أبداً المرأة بنت حلال وشكلها طيب وحبوبة..
فقال:يعني أنت موافق على الزواج بها!!..
ترددت قليلا ثم بادرت بالقول:موافق نعم بل بالعشرة..
كلمة بالعشرة لم تكن لقناعتي الكاملة بالمخطوبة بقدر ما كانت لإظهار قوة الشخصية أمام صديقي الذي أعرف أنه سينقل ما يدور بيننا إلى زوجته لتنقله بدورها إلى الجماعة..
أغلقت السماعة..ثم قلت كعادتي:راحت السكرة وجاءت الفكرة!!!..
وبدأت أفكر في زوجتي الأولى وفي الأطفال..فقررت المضي قدما في هذا المشروع الجديد وبدء النضال..
أخبرت عديلي بالخبر فهلل وكبر وعاتب على عدم إخباره بتلك التفاصيل فقلت:أبشر بالخير ما زلنا في أول المشوار..
وعدت إلى منزلي وكانت الأمور مع زوجتي طبيعية إلى حد ما وإن كنت أعاني من بعض التوتر الذي أحاول إخفاءه كمثل الموظف الذي يدخل مديره عليه ويسأله عن عمله الذي لم ينجزه فهو يحاول التظاهر بأنه قد أتم العمل وأنه يحاول جمع الأوراق..
مر على الرؤية يومان وأنا كالحبة في المقلاة أو كالمقلاة التي فيها حبة تحمص بلا زيت..
وعزمت على بدأ تنفيذ المشروع واتصلت بصديقي وواعدته والتقيت به وطلبت منه أن يكون العقد والزواج بعد أسبوع إذا كان ممكنا..فتقاصر المدة..فطلبت منه أن يكلمهم بإلحاح فكلمهم وكانت المفاجأة أن وافقوا-طبعا وافقت الحريم-والرجال لهن تابعون..
أسبوع وأكون عريساً..أسبوع وأكون معدداً..أسبوع ويكون عندي زوجتان..يا الله من فضلك!!!..
وجاء يوم العرس الموعود..وذهبت مع عديلي المحترم إلى محل لبيع الذهب واختار لي طقم ذهب بأربعة آلاف..فليس لي بالبيع والشراء خبرة ولا دراية..واشترينا ساعة بألف وخمسمائة ريال..وطقم عطور نسيت ثمنه ولكنه غال..
وكان أصهاري الجدد على عكس المحافظين عفوا الأصهار القديمين ميسرين مسهلين ولم يتكلموا في مهر ولا حفلة..
ثم ذهبنا إلى مطبخ معروف واخترنا –اختار عديلي-ثلاثة من الخراف لوليمة الزواج..فنظرت شزرا إلى أحدها وتذكرت يوم زواجي الأول حين ذهبت مع والدي لشراء الخراف فوطأ أحدها لا سامحه ذابحه بظلفه على قدمي وطأة صرخت منها فالتفت إلي والدي محملقا وقال بصوت حاد:أتصرخ من خروف!!!!!..
طبعا كان الاتفاق على أن يكون الزفاف في بيت الأصهار وأن تبقى الزوجة في شقتها وأنا أمر عليها مرور المسيار..وأن أعطيها مصروفا شهريا..
و بعد العصر تم عقد النكاح وكان المهر ميسرا وليس في العقد قيود ولا شروط..
وجاء الليل السعيد وكان يوم أربعاء..ما أحسن يوم الأربعاء..-ولا حقق الله أمنية من يريد تغيير الإجازة من الخميس إلى السبت..ما علينا-..
وكنت قد أوصلت أسرتي الحبيبة إلى بيت أهلها وزوجتي تقول في الطريق:إن قلبها منقبض ولا تدري لماذا..وقالت لي:الله يعطينا خيرك ويكفينا شرك..فقلت:اللهم آمين..وطمأنتها وأوصيتها بترك الوساوس وقلت وكنت صادقا بأن لدي موعدا و رحلة مع الزملاء!!!..
نعم لقد دعوت بعض زملائي الموحدين الذي يتطلعون إلى التعدد يوما من الأيام والخروج من معتقل جوانتنامو الكبير الذي تسيطر عليه النساء..
عفوا وأستغفر الله من هذا التشبيه ولكن بعضهم حاله صعب وصعيب مع زوجته..ووضعه كئيب..من تسلطها وتعجرفها ولكن دعوا الخلق للخالق!!!..
عدت إلى منزلي واغتسلت ولبست ثوبا جديدا و شماغا جديدا وتأبطت مشلحي وما هي إلا نصف ساعة إلا وأنا أمام منزل العروس..
وكان نفر من زملائي قد وصلوا قبلي إلى المكان فهم ينتظرون وصولي أيدني الله في تلك الليلة..
وترجل موكبنا من السيارات حيث جاء كل واحد في سيارته..ودخلنا المنزل وأنا في المقدمة وقد ارتديت المشلح..واستقبلت استقبال الفاتحين!!..
كان زملائي خمسة..دخلنا المجلس وتربعت في صدره فأنا بطل الحفل الليلة..
وأما أصهارنا و أضيافهم فكانوا يفوقون العشرين..يعني نحن الأقلية..
التفت نحو عديلي وقد عملت إحصاء تقريبيا للقوم..فقلت:القوم هنا يزيدون على العشرين ونحن ستة أشخاص..والنساء لا ندري كم عددهن..فهل تظن أن عشاءنا وطعامنا يكفي!!!!!..
فقرصني في ذراعي قرصة حركتني في مجلسي وقال:العشاء يكفي..ومن لم يشبع فالمطاعم موجودة..خلك في نفسك..ولا تفكر في أي شيء آخر..
كانت كلماته تنزل علي قلبي عسلاً خالصًا..ولم أعد أحس بألم القرصة..فقلت في نفسي:
أنا أمامي عروس وآهات وأشواق..و من لم يشبع فالبطقاق..
كنا نتحدث وقد أحاط بي زملائي ونتضاحك..وكان القوم يتحدثون فيما بينهم ويتضاحكون مثلنا أو أشد منا..
وجاء العشاء ووضعت المائدة وكنا قد جلبنا بعض الفاكهة والمرطبات فقمت مرحبا بالقوم على اعتبار أنني المضيف..
فأمسك عديلي بيدي وشدني وكان قد جلس على أحد الصحون التي احتوت على نصف خروف وقال:اجلس لا أبا لك! فأنت العريس وأنت الضيف..فامتثلت النصحية شاكرا ومقدرا على الفور وخررت جالساً..
وكان أحسن الله إليه يتعاهدني بقطع خالصة من الشحم من ظهر الخروف..ويقول لي:كلْ فعليك ليل طويل!!!!..
أكلت ما تيسر فلم تكن شهيتي مفتوحة بالرغم من إلحاح عديلي عليَّ بالأكل..
و كنت مهتما بتلك الليلة ومغتما بحال زوجتي وأطفالي..
وتناول الجميع طعام العشاء وشُرب الشاي الأحمر والأخضر والنعناع..وانصرف الأكثرون وانصرف زملائي وبقي معي عديلي يؤازرني ويتحدث معي وأنا مشغول البال..
وفي تمام الساعة الثانية عشرة والنصف جاءني داع كريم:
يقول:أيها العريس هلم إلى العروس!!!...
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى..