الأخت الفاضلة ناقصه خبره
تأخرت عن ردي قليلاً ياأختاه لسبب ربما ترينه غريباً بعض الشيء .. وهو أني ذهبت أتجول في المنتدى لأرى ردودك أو مواضيعك الأخرى .. لأفهم أكثر ما حيرني وأظنه حير إخوانك جميعاً هنا في فهم طبيعة شخصيتك التي عجزنا جميعاً أن نجد لها حلاً يقنعها .. مع إتفاقنا كلنا تقريباً على أن مشكلتك سهلة وبسيطة بإذن الله .
وفي الحقيقة تعجبت في البداية مما وجدته .. ثم زال عجبي وفهمت أكثر مالذي يمنعك من الإقتناع بما نقوله جميعاً لك مخلصين .
فأنت يا أختاه حقاً ذات خبرة .. وناقصة خبرة في نفس الوقت !!
إنت بالفعل ذات خبرة ورجاحة عقل فيما وجدته من ردودك على الإخوة والأخوات والتي تتسم بالكثير من العقل وصواب الرأي .. وهذا ما تعجبت له في البداية وآسف لصراحتي الزائدة .
ولكنك ناقصة خبرة بالفعل في مشاكلك الخاصة بشكل يتناقض كثيراً مع ماتبدينه من حكمة في ردودك على الإخوة ... ولكن بعد تفكير بسيط زال عجبي تماماً .. بل ربما ساعدني ذلك في تحديد مشكلتك بشكل أظنه أوضح .. وبشكل يجعلني أقول بثقة أنك يا أختاه من النوع المغرق في العواطف وهذا هو بالتحديد السبب الرئيسي في مشكلتك .
فالفرق بين رأيك في مشاكل الآخرين ورأيك في مشكلتك الشخصية .. أنك في الحالة الأولى تنظرين إلى مشاكل الناس بالعقل المحض بدون تداخل عاطفي فيأتي رأيك راجحاً وحكمك أقرب إلى الصواب .
بينما في مشكلتك الشخصية ولكي يأتي رأيك فيها بمثل ما رأينا وبمثل مالم يعجبنا وبشكل بعيد تماماً عن العقل ( وأعذريني على صراحتي ) فلابد أن تكوني ذات عاطفة فائقة تطغى تماماً على عقلك الراجح وتغيبه فتعجزين عن حل مشكلة شخصية بسيطة وأبسط كثيراً مما تحلينه من مشاكل الآخرين .
ثم طابقت إستنتاجي هذا بمشكلتك المثارة في هذا الموضوع .. فتأكدت أن عاطفتك الجياشة الطاغية المغيبة للعقل هي بالفعل التي تتحكم فيك وهي سبب المشكلة .. وهي التي يجب السيطرة عليها قليلاً لتحل المشكلة وتتواءم الأمور .
فعاطفتك الجياشة ناحية زوجك وهذه جيدة بل ممتازة ولكنها للأسف أورثتك بعد تفاعلها مع أسباب موضوعية لم تتضح لنا عاطفة أخرى مضرة وهي خشيتك الكبرى من فقدك لهذا الزوج المحبوب وهذه تزيد عندك مع الوقت للأسف .. ولأنك تخشين هذا كثيراً فقد بالغتي في حرصك علي التواصل الدائم مع هذا الزوج .. وتواصلك الملح هذا ربما يكون قد سبب نوع من الضجر لزوجك .. بلا شك أنك لاحظتيه في وقت من الأوقات .
وهنا عادت عاطفة الخوف من فقد هذا الحبيب لتضخم لك كثيراً هذا الضجر الذي أبداه زوجك .. وتنحى به منحى آخر تفسره على أنه عدم حب من الزوج .. وهذه الفكرة تثير عاطفة الخوف في نفسك أكثر فتشتد هذه العاطفة بدورها وتمعن في التفسير الخاطىء لتصرفات الزوج المحبوب .. وهكذا تضخم كل عاطفة الأخرى .. حتى وصلت إلى حد تفسير تصرفاته بالكراهية وليس مجرد بعض الضجر ولا حتى عدم الحب بل حولته بمنتهى القسوة إلى كراهية ....... ويالها من كلمة ... وياله من معنى .
أرأيت ياأختاه كيف تتداعى العواطف المؤذية وكل منها تضخم الأخرى فترد لها الأخرى الجميل بأن تضخمها بدورها هي أيضاً ... وهذا أمر يعرفه من له إطلاع على علم النفس .
والآن يا أخيتي الفاضلة لنلخص الأمر فعندك ثلاث عواطف قوية تتحكم فيك وهي :
1- عاطفة مفيدة وهي حبك الكبير لزوجك
2- عاطفة مؤذية وهي خشيتك الشديدة من فقد هذا الزوج
3- عاطفة مؤذية وهي قناعتك أن هذا الزوج المحبوب لا يحبك أو كما قلتي قد بدأ يكرهك
ولكي تحل المشكلة لابد من كسر إحدى هذه العواطف الثلاث .. ولأن الأولى مفيدة بل ورائعة .. فلنعمل على الإثنتان الأخيرتان والتي تضخم كل منهما الأخرى بشكل حلقي متوالي .
وأريد هنا أن أقول أن الثالثة قد أوليناها حقها فيما سبق من ردود لكل الإخوة وقد أكد فيها الجميع أن الرجل لايكرهك أبداً بل يحبك .. وربما نعود إليها مرة أخرى إن لم ننجح في كسر الثانية والتي أراها أضعف العواطف إن شاء الله وأسهلهم في الكسر .
وهنا ياأختاه أريد أن أؤكد وأظن عقلك الراجح إن تركتي له الفرصة سيؤيدني أنك مهما فعلتي ومهما بذلتي من جهد .. فلا يمكن أن تضمني أبداً لا أنت ولا أي إنسان سواك سواء رجل أو إمرأة ألا يفقد من يحب ... فأسباب فقد المحبوب عديدة جداً ... وأغلبها إن لم يكن جميعها أسباب قدرية لا يد للإنسان فيها أبداً .. وبالتالي لا سبيل له بتجنبها .. ولا من الحكمة أن يشغل نفسه ويحملها الهم والغم في أمر من أمور الله .. فمن لايفقد محبوبه بإنتهاء الحب قد يفقده بالموت الذي هو حق على كل حي .
كما أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء .. والإنسان لا يأمن على نفسه هو من التغير في قلبه .. فما بالك بقلوب الآخرين .. بل الإنسان حتى لا يأمن على نفسه من ثباته على الإيمان والدين برغم أنه مسلم وبرغم أنه يعلم أنه على الحق .. ولكنه برغم ذلك لا يأمن ومطالب شرعاً بأن يدعو الله دائماً أن يثبت قلبه على الإيمان ... ومطالب أكثر ألا يقضي عمره مرعوباً من أن يزيغ قلبه وإلا قعدت همته وتنازعته الشياطين وهذا ياأختي من مداخل الشيطان المعروفة على العارفين بالله ... فيدخل لهم من هذه الناحية ويخوفهم من أنهم قد يضلوا .. ويفسد عليهم دينهم من كثر تخويفهم من أنهم قد يفقدون هذا الدين .
والأمر هو نفسه بالضبط بالنسبة لفقد المحبوب أو حتى قلب المحبوب .. وقيسي عليه كما تشاءين فستجدين الأمرين متطابقين .. فكلاهما ليس بيد الإنسان .. وكلاهما مطلوب من الإنسان أن يدعو الله ليبقيه على مايحب .. وكلاهما مكروه أن يشغل نفسه بهما أكثر مما ينبغي لأنهما من شأن الله وحده لا شريك له .. وإلا فتح المرء للشيطان أبواباً عدة يدخل منها إليه ويفسد عليه أمره .
فإنظري إلى خوفك من فقد زوجك من هذا المنطلق .. وأدعي الله بثقة في الإجابة وبهدوء نفسي ممتع أن يبقي لك ما فيه خيرك لأنك لا تعلمين بكل تأكيد أين يكمن الخير .. وأنت بذلك تفوضين أمرك إلى الله وتلقين عن كاهلك عبأً تنوء به الجبال وتتركينه على القوي القادر الرحيم .. ثم إهدءي تماماً بعد ذلك فأمرك أصبح بين يدي أرحم الراحمين .. و هو يكره لك أن تشغلي نفسك وتهميها بأمر هو من شأنه وحده جلت قدرته .
وأظن أنك لو فعلتي ذلك بالفعل وأحسنتي الثقة بالله فسوف تزول عنك بالتدريج هذه العاطفة المدمرة وهي الخشية المبالغ فيها من فقد الزوج ... وكوني على يقين أنه ستزول معها بنفس النسبة العاطفة الثالثة المدمرة وهي قناعتك أن زوجك لا يحبك أو يكرهك ... وبالتالي تبقى بمفردها إن شاء الله عاطفتك الأولى المفيدة بل الرائعة وهي حبك الكبير لزوجك .. والتي هي كفيلة بعد فضل الله وتوفيقه أن تمنحك سعادة دنيوية تامة إن شاء الله .. أسأل الله لك أن يتمها لك بسعادة في الآخرة أيضاً .
وأخيراً أعتذر بشدة عن لعب دور المحلل النفسي أو الفيلسوف ... ولكني رغبت بأن أضع لك عواطفك التي أظنها تحكمك على المكشوف فكثيراً ما يغفل الإنسان عن أمر يخصه هو .. بينما يكون واضحاً أشد ما يكون الوضوح لمن ينظر للأمر من الخارج بنظرة شاملة يحكمها العقل وحده ولا شيء سواه .
بارك الله لك ووفقكك لما فيه سعادتك في الدنيا والآخرة وتقبلي إحترامي