وقصص , وغيرها كلها تشترك في مسارعة الخطى إلى نشر التغريب بين المسلمين . وتَحْمِلُهم على الخروج على أحكام دينهم , وعفَّتهم وفضيلتهم , فنحذّر الجميع من عقاب الله وسخطه ونذكرهم بأيّام الله والله موعدهم .(18)
يقول ( جرونهوت ) : إنه لا جدال في أن تحرر المرأة ساهم في زيادة ما يرتكب من جرائم جنسية لأن تحرر النساء جعل الوصول إليهن سهلاً من جانب المغامرين , كما أن العلاقات المتداخلة بين الجنسين أصبحت طليقة وسهلة .(19)
وعلى العلماء وطلاب العلم بذل النصح والتحذير من قالة السوء , وتثبيت نساء المؤمنين على ماهن عليه من الفضيلة , وحراستها من المعتدين عليها , والرحمة بهن بالتحذير من دعاة السوء عبيد الهوى .
وعلى كل من ولاه الله أمر امرأة من الآباء أو الأبناء والأزواج وغيرهم , أن يتقوا الله فيما وُلُّوا من أمر النساء , وأن يعلموا الأسباب لحفظهن من السفور والتبرج والاختلاط والأسباب الداعية إليها , ومن دعاة السوء .
وليعلموا أن فساد النساء سببه الأول : تساهل الرجال .(20)
وآخر صورة اذكرها ..
من هذا المسلسل السرطاني ... وقد عرض هذا المسلسل من هذه السنة 1426 هـ من شهر رمضان اثنان من الكُتاب رُفع أمرهما إلى القاضي .. لأن واحداً منهما سرق ( مقال ) الآخر فبعد مشهد مُضحك يقلل قيمة القاضي أمام المشاهد .. حكم القاضي على السارق بعقوبة سجن .. فأخذ المحكوم عليه يراجع القاضي ... والقاضي بعد كل مراجعة يزيد في الحكم .. وبعد هذه الصورة المُضحكة يكون القاضي في محل استهزاء وسُخرية !!
فبعد هذا المشهد ...
يظهر لنا :
1- استهزاؤهم بأهل الدين .
2- يُريدون قانوناً لا يزيد ولا ينقص .. لا كما يفعله القاضي عند حُكمِهِ .. هذا بزعمهم .
﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [ المائدة : 50 ]
3- تقليل شأن أهل العلم أمام المجتمع . وقد سبق الكلام عليها .
* حكم الاستهزاء بالعلماء .(21)
قال البغوي - رحمه الله - إنّ للعلماء منزلة عظيمة في دين الإسلام , فهم ورثة الأنبياء , وحملة الوحي , وحماة الشريعة من تحريف الغالين , وانتحال المبطلين , وتأويل الجاهلين , فتوقيرهم واحترامهم واجب شرعي , وخُلق إسلامي رفيع , بل توقيرهم واحترامهم من السنة . وجاء في الحديث عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إنّ من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم , وحامل القرآن غير الغالي فيه , ولا الجافي عنه , وإكرام ذي السلطان المقسط ) .(22)
فالاستهزاء بأهل العلم والفضل , والقدح فيهم بما هم منه براء , إثم كبير قد يفضي بصاحبه إلى الكفر وهو لا يشعر . لقد قال رجلٌ من المسلمين في غزوة تبوك : ( ما رأيت مثل قرّائنا هؤلاء , أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء ). فإذا بالقرآن ينزل في بيان جرم هذا المفتري ومن معه , .
وموضحاً أنّ ذلك استهزاءٌ بالله و آياته و رسوله , قال تعالى : ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴿65﴾ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.... ﴾ [ التوبة : 65-66 ] فلقد بيّن الله عز وجل أنّ الاستهزاء بالعلماء , فاحذر الاستخفاف بهم , وغيبتهم فإنه حرام , وكبيرة من كبائر الذنوب ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أتدرون ما الغيبة ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ( ذكرك أخاك بما يكره ) قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول . قال : ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته , وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) .(23)
قال ابن تيمية - رحمه الله - ..... ومنهم من يخرج من الغيبة في قالب تمسخر ولعب , ليضحك غيره باستهزائه , ومحاكاته , واستصغار المستهزأ به ) .(24)
وخلاصة القول في حكم الاستهزاء بالعلماء
أنّ له حالتين :
* الأولى : أن يكون قصد المستهزئ بالعالم علمه , وفقهه , ودينه , لا مجرد ذات العالم مجردة عن تلك الصفات التي اكتسبها من شريعة رب العالمين - سبحانه وتعالى - , فهذا كفر أكيد .
قال العلامة مقتي الديار السعودية - سابقاً - الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - : ( ... ثم نعلم هنا الذين شأنهم الاستهزاء بأهل الدين هذا قد يصل إلى الكفر الذي يكون ديدنه - لا يسمع بأحد من أهل الخير إلا وتكلم فيهم - فهذا لا يكاد يصدر إلا من منافق , ولهذا أشار الوالد الشيخ عبدالرحمن بن حسن في حاشيته على التوحيد أنّه يخشى علي أن يكون بذلك مرتداً , أمّا كونه وقع في أمر عظيم , ووقع في نفاق بارز فهذا واضح , وليس المراد من يكون بينه وبينهم شحناء دون بقية أهل الخير . وهو من الأمور المحرمة ) .(25)
وقال الشيخ العلامة صالح الفوزان - حفظه الله - : ( ... ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأهله وعدم احترامهم أو الوقيعة فيهم من أجل العلم الذي يحملونه , وكون ذلك كفراً ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء .... ) .(26)
* الثانية : إذا كان الاستهزاء والتنقص لأهل العلم لذواتهم وبشريتهم دون علمهم , وفقههم , وديانتهم , فلا يصل في هذه الحالة إلى الكفر والقتل , بل هو من المحرمات والإثم الذي قال الله عنها : ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [ الأحزاب : 58 ]
ولهذا كان سب آحاد المؤمنين موجباً للتعزير بحسب حالته وعلو مرتبته ... وتعزير من سب العلماء وأهل الدين أعظم من غيرهم ) .(27)
وقد سُئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - عن حكم الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ؟
فأجاب قائلاً : الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لكونهم التزموا بذلك محرم وخطير جدًّا على المرء , لأنه يخشى أن تكون كراهته لهم لكراهة ماهم عليه من الاستقامة على دين الله وحينئذ يكون استهزاؤه بهم استهزاء بطريقهم الذي هم عليه فيشبهون من قال الله عنهم : ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴿65﴾ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.... ﴾ [ التوبة : 65-66 ] . فإنها نزلت في قوم من المنافقين قالوا : " ما رأينا مثل قرّائنا هؤلاء - يعنون رسول الله , صلى الله عليه وسلم , وأصحابه - أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء " . فأنزل الله فيهم هذه الآية .
فليحذر الذين يسخرون من أهل الحق لكونهم من أهل الدين فإن الله - سبحانه وتعالى - يقول : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴿36﴾ [ المطففين ] .(28)
وهذا منهم ليس بعجيب لو أنّه وقع من عدوٍ متربِّص بهذا البلد المُسلم المحافظ , الذي هو آخر معقل للإسلام كما كان أوّله ، الذي لم يزل أعداء الإسلام يتربصون به الدوائر , ليقضوا عليه م أمكن إلى ذلك سبيلاً ( عياذاً بالله ) .
ولكن من المؤسف , والعجب العجاب , أنهم من قومنا , ومن أبناء جلدتنا ممن يتكلمون بألسنتنا , ويستظلُّون برايتنا , قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدُّم ماديّ دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق تحرّروا من قيود الفضيلة إلى ساحات الرذيلة . (29)
إن هؤلاء الأعداء قد سكتوا عن حرب الجنود والأسلحة , ليشنّوا حرب التشويه والتخريب للإسلام منهجه وتاريخه ورجاله وتراثه ولغته وقرآنه . وتحالفوا وتآزروا وابتكروا أحدث الوسائل , وخبث التيارات والأساليب . فغزوا المسلمين في قلوبهم وأفكارهم , وأخلاقهم , وأزيائهم . وشنّوا على العالم الإسلامي من الغارات ما لا يخفى أمره .(30)
فنصيحتنا للمعدين لتلك المقالات أن يتوبوا ويمنعوا نشره وإذاعته على جمهور المسلمين كما ننصح كل مسلم غيور أن يمنع أهله وولده من هذا البرنامج ( طاش ما طاش ) وما أشبهه لما يحتويه من سخرية بجملة الشرع وعيب خفي لبعض شرائع الإسلام لتسلم العقائد من الانحراف ولا يعلق بأذهانهم شيء من الأفكار الرديئة التي تولدها تلك الكلمات والجمل الساخرة ونعوذ بالله من كيد الكائدين ومكر الماكرين .(31)
هذا ما أردت بيانه - وما على أهل العلم والإيمان إلا البلاغ والبيان - للتخفف من عهدته , ورجاء انتفاع من شاء الله به من عباده , وللنصح به , لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( الدين النصيحة , قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )(32) .
علماً أن هذه بعض الصور وإن كان بعض الصور أخطر وأقبح مما ذكرت .. ولكن يكفي من الجسد نقطة من دمه حتى نعرف فساده !! والبُعد عنها , والحذر منها .
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها عند التقلُّب في أنيابها العَطَبُ
وآخر ما أقول قول الله تعالى : ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾
[ آل عمران : 179 ]
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإعلام في ديارالإسلام . د/ يوسف محي الدين ابو هلالة . دار العاصمة . الرياض
(2) أساليب الغزو الفكري . علي جريشه
(3) واقعنا المعاصر . محمد قطب . ص 291
(4) جذور البلاء . (( الإعلام ))
(5) الإعلام في ديار الإسلام . د/ يوسف محي الدين ابو هلالة . دار العاصمة . الرياض
(6) تفسير السَّعدي
(7) جهود المفكرين المسلمين المحدثين في مقاومة التيار الإلحادي . الدكتور محمود عبدالكريم عثمان . ص 67
(8) دحض شبهات ومفتريات حول الإسلام . ص 132
(9) حركة تحرير المرأة في ميزان الإسلام . عماد محمد عماره . ص 287
* قال شيخ شيخنا محمد بن عثيمين – رحمه الله - : إن نسبة النصارى إلى المسيح عيسى ابن مريم نسبة يكذبها الواقع , لأنهم كفروا ببشارة المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وهو محمد – صلى الله عليه وسلم – وكفرهم به كفر بعيسى ابن مريم عليه السلام .
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين (3/135) جمع وترتيب فضيلة شيخنا فهد بن ناصر السليمان -حفظه الله-
(10) الصحافة والأقلام المسمومة . أنور الجندي . ص 134
(11) نحو ثقافة إسلامية أصيلة . ا.د / عمر الأشقر ص 352
(12) تفسير السَّعدي
(13) حاضر العالم الإسلامي . د / تاج السر أحمد . ص 60
(14) حصوننا مهددة من الداخل . ص 69
(15) تفسير السَّعدي
(16) حركة تحرير المرأة
(17) اغتصاب الإناث في المجتمعات القديمة والحديثة . ص 74
(18) حراسة الفضيلة . للشيخ بكر أبو زيد . ص 149
(19) اغتصاب الإناث في المجتمعات القديمة والحديثة . د/ أحمد علي المجدوب . ص 201
(20) حراسة الفضيلة . ص 150
(21) هذا المبحث من كتاب " الاستهزاء بالدين أحكامه وآثاره " . أحمد محمد القرشي
(22) سنن أبي داود
(23) صحيح مسلم
(24) مجموع الفتاوى ( 28/237-238 )
(25) فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم ( 1/175-176 )
(26) من كتاب الاستهزاء بالدين
(27) تفسير السعدي
(28) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين (2/157-158) جمع وترتيب فضيلة شيخنا فهد بن ناصر السليمان -حفظه الله-
(29) قيادة المرأة للسيارة بين الحق والباطل . ذياب سعد الغامدي
(30) الغزو الفكري في التصور الإسلامي وكيفية مواجهته . د / أحمد عبدالرحيم السايح
(31) مقدمة للشيخ / عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - لكتاب طاش ما طاش إعداد الشيخ بدر المشاري
(32) صحيح مسلم . - حراسة الفضيلة -