قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
رد: قراءة يومية في السيرة النبوية
اللقاء التاسع عشر من لقاءات السيرة العطرة
مكيدة قريش بمهاجري الحبشة :
شق على المشركون أن أفلت منهم المسلمون ، ووصلوا إلى مأمن يأمنون فيه على أنفسهم وإيمانهم ، فأرسلوا رجلين من دهاتهم ليسترداهم إلى مكة ، وهما : عمرو بن العاص ، وعبد الله بن ربيعة ، وكانا إذ ذاك على الشرك .
ونزل الرجلان بالحبشة تحت خطة مدبرة ، فاتصلا أولاً بالبطارقة ، وساقا إليهم الهدايا ، وذكرا لهم الهدف ، ولقناهم الحجة ، حتى وافقوهما ، ثم حضرا إلى النجاشي ، فقدما إليه الهدايا ، ثم كلماه ، فقالا :
أيها الملك :إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء فارقوا دينهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين ابتدعوه ، لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم ، فهم أعلى بهم عيناً ، وأعلم بما عابوا عليهم ، وعاتبوهم فيه
وأيدهما البطارقة فيما قالاه حسب الخطة .
ولكن النجاشي احتاط في الأمر . ورأى أن يسمع القضية من الطرفين حتى يتضح له الحق . فدعا المسلمين ، وسألهم : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا به في ديني ولا دين أحد من هذه الملل ؟
فتكلم جعفر بن أبي طالب عن المسلمين ، وقال : أيها الملك : كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسئ الجوار ، ويأكل منا القوي الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا ، نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه . فدعانا إلى الله لنوحده ، ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان : وأمرنا بصدق لحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله وحده ، لا نشرك به شيئاً ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام – فعدد عليه أمور الإسلام – فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به دين الله ، فعبدنا الله وحده ، فلم نشرك به شيئاً ، وحرمنا ما حرم الله علينا ، وأحللنا ما أحل لنا . فعدا علينا قومنا ، فعذبونا ، وفتنونا عن ديننا ، ليردونا إلى عبادة الأوثان عن عبادة الله تعالى ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا ، وظلمونا ، وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك ، أيها الملك !
فلما سمع النجاشي هذا ، طلب من جعفر قراءة شئ من القرآن ، فقرأ عليه صدراً من كهعيص – سورة مريم – فبكى النجاشي حتى اخضلت – أي ابتلت – لحيته ، وبكى الأساقفة حتى أخضلوا – أي بلوا – مصاحفهم ، ثم قال النجاشي : إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة .
ثم خاطب مندوبي قريش وقال : انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما ، ولا يُكادون ، فخرجا .
وفي اليوم الثاني احتال عمرو بن العاص حيلة أخرى ، فقال للنجاشي : إنهم – أي المسلمين – يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيماً .
فدعاهم النجاشي وسألهم عن ذلك ، فقال جعفر : نقول فيه الذي جاءنا به النبي – صلى الله عليه وسلم - : هو عبدالله ورسوله ، وروحه ، وكلمته ، ألقاها إلى مريم العذراء البتول .
فأخذ النجاشي عوداً من الأرض ، ثم قال : والله ماعدا – أي ما جاوز – عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود . اذهبوا فأنتم شيوم – أي آمنون – بأرضي ، من سبكم غرم ، من سبكم غرم ، من سبكم غرم . ما أحب أن لي دبراً – أي جبلاً – من ذهب ، وأني آذيت رجلاً منكم .
ثم أمر برد الهدايا على مندوبي قريش فخرجا مقبوحين ، وأقام المسلمون بخير دار مع خير جار .
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!