(5) "دش" في منزلي
قبل أن أحكي لكم تجربة أختنا أحب أن ألف انتباهكم إلى أمر مهم :
دخول الدش إلى المنزل ليس سهلاً حتى تتساهل المرأة في السماح لزوجها بإدخاله متى ما رغب في ذلك ، فإذا كان الرجل غير مفتون به ، لا يخرج لأجل مشاهدته كل يوم إلى المقاهي والاستراحات ، ولديك في البيت أبناء مراهقون ، أو كنت من النوع الذي يفتتن به ولو دخل بيتك لانشغلت به عن بيتك وأطفالك وكان له خطورة على دينك وأخلاقك وقلبك ، فإنه في هذه الحالة عند توفر أحد هذه الأسباب فلابد أن تكوني صارمة وحازمة وتمنعي دخوله إلى بيتك منعاً باتاً .
وقد حدثتني إحدى الأخوات عن تجربتها في منع إدخال الدش للأسباب السابقة .فقالت : أخبرني زوجي بأنه سيحضر طبق الدش في المنزل فرفضت رفضاً شديداً ولما جاء الغد ، دخل به عليَّ في المنزل فلما رأيته بيده قمت من مكاني غاضبة ، وقلت : ( والله إن دخل بيتي خرجت أنا منه ) وظل طول ذلك اليوم موجوداً لم يخرجه ولم يركبه ، ثم جاء الغد حمله بين يديه وخرج به .
وستحدثنا الآن أم نايف عن تجربتها مع مصيبة "الدش" حين حلت في بيتها فقالت : "كان زوجي من الشباب الذين فتنوا بهذا الجهاز ، لدرجة أنه كان يخرج من عندي كل يوم أربعاء وخميس وجمعة من بعد صلاة العشاء وحتى الفجر ليسهر مع شلة من رفاقه في أحد المقاهي أو الاستراحات .. وكان بعضهم مدخنين ، عدا غيرهم من رواد هذا المقهى والذين لا تؤمن فتنتهم على دينه وخلقه وأفكاره .
لقد طلب مني السماح له بإدخاله في البيت أكثر من مرة ولكني كنت أرفض ... ثم في آخر مرة فكرت بإمعان ما إذا كانت مصلحة إدخاله تترجح على منعها أم لا :
فأولاً : وجدت أبنائي لا زالوا صغاراً جداً وأرجو خروجه قبل أن يكبروا ، وقد لاحظت أن زوجة أخيه ظلت ترفض دخوله منذ كان أبناؤها صغاراً فلما كبروا وأصبحوا في سن المراهقة الخطرة أدخله زوجها دون إذنها ورضاها وهي الآن تكتوي بناره ليل نهار .
ثانياً : أرجو في إدخاله درء مفسدة أعظم ، وهو السهر في المقاهي مع شلل لا يؤتمنون في دينهم وأخلاقهم وبين أفجر القنوات وأسوأها .
ثالثاً : أنا جربت نفسي مع الدش وأجدني لا أحبه ولا أضعف أمام إغراءاته أبداً في أي مكان أجده ، ولذلك حينما دخل بيتي ما كنت أفتحه في غياب زوجي أبداً ، ولا أتابعه حال حضوره ، بعكس بعض النساء اللاتي لو دخل في بيت إحداهن لفسدت هي قبل زوجها وأبنائها ، وبعد تفكير طويل أخبرت زوجي أني موافقة على إدخاله لبيتي ولكن بشروط :
1. أن يقتصر وجوده على غرفة نومنا فقط ، دون باقي غرف البيت .
2. أن يترك تماماً عادة الخروج إلى المقهى والسهر إلى الفجر في أيام الأربعاء والخميس والجمعة .
3. أن يخرجه من البيت إذا كبر أبنائي .
وافق زوجي على شروطي ونفذها وأصبح لا يسهر مع رفاقه كالسابق أبداً .
وحل الضيف البغيض في بيتي ، وعشت الأيام الأولى معه في حالة نفسية يرثى لها خشية من حلول العقوبة في بيتنا أو خوفاً من تأثيره على سلوك زوجي .
لم يكن إدخاله هو الحل لمشكلة زوجي وإنما الخطوة الأولى في طريق الحل .. إذا الحل الصحيح هو إخراجه تماماً .
كان لديَّ يقين بأن إخراجه من منزلي لن يكون سهلاً – إلا أن يشاء الله غير ذلك – ولذا عاهدت نفسي على الصبر الجميل ، وعدم اليأس ، وإتباع الخطوات الصحيحة لمواجهة هذه المشكلة .
بإدخال الدش عزلته عن رفاقه ورفقة السوء تفسد ولا تصلح ، وهذه خطوة جيدة حتى لا يكون تأثيرهم أقوى من تأثيري عليه ولا يهدموا ما أحاول أن أبنية دائماً .
بإدخال الدش عزلته عن كثير من قنوات الفجور التي تسمح بها المقاهي لأني لم أسمح بدخولها بيتي ، وقلصت عدد الأوقات التي يجلس فيها عند المشاهد المخلة للحياء لأنني لم أتركه وحده مع هذا الشيطان ليفترسه ، وإنما كنت أجلس معه إذا فتحه وكلما جاء مشهد تخجل منه جدران غرفتي غيرّ القناة احتراماً لرغبتي ، وإن كنت أراه يستمتع بها حين أكون خارج الغرفة .. لكن لا يهم نصلح القليل إن عجزنا عن الكثير .
إدخال الدش أعطاه إحساساً بأنه تملك ما كان ممنوعاً ، ولم يحرم مما يتمتع به الآخرون ، والمثل يقول : " كل ممنوع مرغوب" ، والإنسان إذا حاز على ما كان ممنوعاً منه خف شغفه به وتفكيره فيه ، وبالتالي يترك مساحة للعقل لكي يعمل فيبدأ يمحص ويقلب ويفكر بعقلانية ويميز بين الصواب والخطأ ، ويقارن بين الأولويات في الحياء .. وأيضاً تملكه يعطيه إحساساً بالتشبع منه ، فلا يبالي به إذا أراد أن يخرجه فيما بعد .
كانت هذه هي رؤيتي لهذه المشكلة ، ولا أدري أن كانت صحيحة أم لا ، لكنها أجدت مع زوجي نفعاً ، فلعل الله ينفع بها من كان على شاكلته .. والرجال بلا شك يختلفون .
أما خطواتي التي اتبعتها حتى انجلت هذه الغمة فهي :
- الدعاء : وهو أهم وأقوى الأسباب التي أعانتني في محنتي هذه فالإنسان بلا دعاء كاللوح بلا مسامير سرعان ما يهتز ويسقط ، فهو المثبت لك مهما طال الطريق وهو سبب الفرج – بإذن الله – ولأن هذا الخبيث كان هماً جثم على قلبي ما استطاع لساني أن يفتر عن الدعاء والإلحاح أبداً وكيف ينسى مهموم همه ؟!! .
- أصحبت أُكثر من الصدقة : وتقديم النفع للمسلمين لأن الصدقة تدفع البلاء – بإذن الله – وهل من بلاء أعظم من أن يكون صندوق شياطين الإنس والجن في بيتي !! .
- حرصت حرصاً مضاعفاً على أن أكون دائماً في لباسي وشكلي وتسريحة شعري بل وحتى لونه ، وفي تنظيم غرفتي وسريري ، وأهيء أجواء الغرفة كل ليلة – استطعت – بما أجدده من أفكار لتكون محضناً لليلة رومانسية تجذبه عن هذا الجهاز .
وكنت دائماً بجانبه في الغرفة ، أعطي التلفاز ظهري ، وأقبل عليه بوجهي وأحدثه بأحاديث أعلم أنه يحبها – وبالطبع ليس فيها أحضر طماطماً ، ولا حُلَّ مشكلة – حتى أجده ينجذب إليَّ كما ينجذب الفراش إلى العورد .
قد تعتقدين أن هذا السبب ليس له أهمية كبرى لكن من تجربتي أقول إنه من أقوى الأسباب لمواجهة هذا البلاء ، فهذا الجهاز ينافسك في حياتك ويسلب منك زوجك وقرة عينك فلابد أن تكوني في قوة المنافسة من حيث أسلوب في الحديث معه وذكائك في جذبه إليك واهتمامك الشديد به وبأوقات تواجده ، فتفرغي نفسك من كل شاغل لتجلسي معه وتنافسي هذا الجهاز عليه ، واهتمامك الكبير بزينتك ولباسك والحرص على التجديد حتى لا يتفوق هذا الجهاز عليك فيأخذ زوجك منك ثم لا تجدينه في أي ساعة من ليل أو نهار ويفسد دينه وخلقه ويميت قلبه ، وهذا يحصل كثيراً في البيوت . وسمعنا وقرأنا عن شكاوي النساء من أزواجهن حين أدمنوا الجلوس عند هذا الجهاز بل وكان سبباً في كثير من المشكلات بين الزوجين وربما وصل إلى حد الطلاق .
ولا أجدني أقول حينما أسمع مثل هذه المآسي إلا أن الزوج ما وجد امرأة بارعة تأخذه من بين هذا الطبق المجرم بحسن خلقها معه ، وتحببها الدائم إليه وحرصها الشديد على إسعاده وإشاعة البهجة في حياته بخفة دمها وسعة صدرها وطول بالها عليه ، وصبرها وحلمها وتهيؤها الدائم له في نفسها وزينتها وبالذات في الليل .
- من الخطوات المهمة أيضاً في علاج هذه المشكلة تقوية الوازع الديني في قلب الزوج لأن ضعف الوازع الديني في قلبه هو أكبر سبب لإصراره على اقتناء هذا الجهاز ، وتقوية الوازع الديني لديه لا يكون بإعطائه دروساً ومحاضرات تنفر أكثر مما تنفع ، وإنما بإعطائه شيئاً من الجرعات ، بطريق غير مباشر ، كنت حريصة جداً على إحضار كل ما يخص هذا الموضوع من فتاوى ونشرات وكتيبات ، فأضعها قريبة من متناول يده إما قريبة من مكان جلوسه أو قرب سريره ولا أطلب منه إطلاقاً قراءتها ، وقد تجلس أياماً دون أن يقرأها ، وربما قرأها فور رؤيته لها وربما لا يقرؤها أبداً .
ومع ذلك أجعل مهمتي مقتصرة على جعلها قريبة منه فقط ، وأحياناً كثيرة قد آخذها وأقرؤها وكأنني لم أقرأها من قبل ، ثم أعلق على بعض ما اقرأه سواء قصة أو فتوى ، دون أن أوجه أي تهمة إليه أو أشعره بأني أقصده هو ، وكأنني أوجه الحديث إلى أبنائي وأيضاً الأشرطة أحاول أن أسمعه إياها في السيارة وكأنني أرغب في سماعها وأذكره بالأجر الذي نأخذه حين يكون وقتنا في سماع محاضرة أو كلمة تذكرنا بالله .
- وينبغي العناية باختيار الشريط المؤثر الذي يحبب الزوج في متابعة الاستماع وبرغبة في سماع أشرطة جديدة غيره . ومن تجربتي أطمئن أخواتي إلى أن الزوج بمجرد أن يسمع شريطاً أو شريطين حتى يحبها ولا يمانع من سماع أي شريط آخر تحضرينه ، المهم هو أن ترغميه على سماعها ... فإذا لم يوافق المرة الأولى فاتركيه دون ممانعة وتحيني الفرصة في وقت لاحق .
لكن أهم شيء على المرأة أن تنتبه إليه هو أسلوبها في النصح فلا تلجأ إلى أي أسلوب يشعره بأنها أفضل منه أو أنه سيء ومقصر ، بل تتحدث معه بكل رقة ولطف وأدب وتحاول أن تجعل حديثها معه من باب الاستشارة وأخذ رأيه ، وكذلك ضرب الأمثلة وتركه يتفاعل في الحديث ويستنتج بنفسه دون إملاءات المرأة وذلك حتى يشعر بالثقة في نفسه وبالتالي حين يترك أي شيء يتركه عن قناعة وعزة نفس ، لأنه لو شعر بأنه سيترك شيئاً خوفاً من المرأة أو بتأثيرها فلن يتركه لأن الرجل لا يحب بفطرته إملاءات المرأة عليه ولا تفوقها عليه ولو في الدين .
فمثلاً بدلاً من أن تقولي : متى تُخرج هذا الجهاز الذي أخذ قلبك ودينك ، قولي : "أنا متأكدة بأن مكثه عندنا لن يطول لأن الإيمان في قلبك عظيم وسينتصر إيمانك على الشيطان " . هذه خطوات لكنها ثقيلة ومضنية مع ثقلها كان الطريق طويلاً إلا أني وصلت إلى آخره بعد أربع سنوات مؤرقات حين دخل عليَّ في إحدى الليالي وبشرني بأنه قرر إخراجه من المنزل .
"هذه التجربة الحكيمة لا تحتاج إلى أي تعليق "
__________________
سبحان الله وبحمده