فرعون ذي الأوتاد
قال تعالى : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد . غرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد و ثمود الذين جابوا الصخر بالواد . و فرعون ذي الأوتاد ) [سورة الفجر : الآيات من 6ـ 10] . و قال تعالى ( كذبت قبلهم قوم نوح و عادٌ و فرعون ذو الأوتاد ) [سورة ص :12].
السؤال الذي يطرح نفسه : هل كان " ذو الأوتاد " اسماً للفرعون أم صفة أطلقت عليه ؟ يرد في كتب التفسير القول إن " فرعون ذو الأوتاد " هو " فرعون صاحب الأبنية المحكمة و الملك الثابت " [1] ، أو أنه " فرعون صاحب المباني العظيمة التي تشبه الجبال في الثبات " [2]أو أنه صاحب الجنود الأقوياء ، أو المباني المتينة ( الأهرامات ) ، ويقال إن فرعون كان يجعل لكل من يغضب عليه أربعة أوتاد يشد إليها يديه و رجليه و يعذبه " [3] .
لكن ملاحظتنا على هذه التفسيرات أنها لا تنصب على فرعون محدد بذاته ، بل يمكن أن يوصف بها فراعنة كثر إذا تعلق الأمر بأصحاب الأبنية المحكمة و الملك الثابت ، أما الأهرام فتعود لملوك من الألف كثر إذا تعلق الأمر بأصحاب الأبنية المحكمة و الملك الثابت ، أما الأهرام فتعود لملوك من الألف الثالث ق. م . و ليس للرعامسة الذين توحي رواية التوراة أن الخروج حدث في زمنهم . و أما ما أورده الحمصي عن طريقة التعذيب فيمكن نقضه بالعودة إلى قوله تعالى في القرآن الكريم على لسان فرعون حين آمن السحرة بموسى : ( قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم و أرجلكم من خلاف و لأصلبنـكم في جذوع النخل و لتعلمن أينا أشـد عذابـاً و أبقى ) [ سورة طه : 71].
و هذا يعني أن فرعون ذا الأوتاد كان يصلب معارضيه في جذوع النخل بعد أن يقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و لا يشدهم بالأوتاد .
و لقد ذهب المؤرخون العرب القدامى إلى إعطاء أسماء لفرعون موسى . فقال بعضهم إنه الوليد بن مصعب . و قال آخرون إن قابوس بن مصعب ، ولم يقل أحد إنه " ذو الأوتاد " مما يعني أنهم كانوا يجهلون هذا الاسم أو هذه الصفة . و قد أنفرد القرآن الكريم بإيرادها ، وأكدها مرتين .
و طبيعي أنه إذا ورد ضمن أسماء ملوك مصر من يعني أسمه " ذو الأوتاد " أن يكون هذا الملك دون سواه هو فرعون موسى . ويكون هذا دليلاً إضافياً على إعجاز القرآن الكريم و كونه منزلاً ، وكاشفاً إضافياً عن التزوير الذي مارسه كتبة التوراة المتداولة .
و السؤال الآن : هل ورد في أسماء ملوك مصر اسم بمعنى " ذو الأوتاد ".
و الجواب نعم : إنه اسم آخر ملوك الأُسرة الأولى ، والذي ورد في قائمة مانيتو بصيغة " بيينخيس " و هو قاعا.
فهذا الاسم مؤلف من ثلاثة مقاطع هي بي و إن و خيو حيث السين إضافة يونانية ، و الضمة فوق الياء أصلها واو الجمع .
فلنحاول قراءة هذه المقاطع على أساس اللغة المصرية القديمة . و بالعودة إلى الجهد الطيب و القيم للدكتور على فهمي خشيم في كتابة " آلهة مصر العربية " يتبين لنا أن بء في البداية تعني ذا أو ذو بالعربية . و أما النون في المصرية فتقابل اللام في العربية و هي جذر " أل " التعريف في العربية . فالمقطع بين ( بي . إن ) في اسم بيينخيس ) يعني " ذو أل " ويبقى المقطع خيو . ويقول الدكتور على فهمي خشيم إن تطورت دلالة الجذور أخ في المصرية الذي يبدوا أنه يفيد أساساً الماء ، فكان يدل على النبات المائي ، ثم على البنت عامة ، و على الزهر ، كما دل على النجوم ( زهور السماء ) ، و بالتالي دل على الليل . و في كلها معنى الكثرى و الوفرة . و بذا تطورت دلالة الجذر ءخ لتعني الرفاهية و العز ، ثم المجد و الحكم و القوة و السلطان . و هذا ما نجده في الأكادية : " أخو : نبت " . " أخو : حام " مدافع . " أكو: عظيم " كبير . " خو " : مجيد . " أقو " : تاج . " أقو : ماء " و في العربية : أقا ـ أقاة : شجر . " أخيه " , آخيه " : وتــد ( يتخذ من الشجر و يفيد الربط و القوة ) . " أخو " " أخ " : حـاكم ســيد ( نائب الملك عند عرب النبط ، و الأمير عند عرب الهكسوس ) .
و في مواضع أخرى ترد " خو " ( يد تمسك بسوط أو مدقة ) بمعنى يقوى ، يحكم , " خو " بمعنى الروح المتعالية . و " خأ " ( عمود ) بمعنى وخيه أو أخيـه ( وتد ) ش.
و يقول د. خشيم إن المصرية " خء " تساوي بالضبط مقلوبها " ءخ " في معجم هذه اللغة ، بل حتى في كل ما شتق من اللفظين و هو كثير . و ترد الكلمة المصرية " خي " عند أمبير بمعنى مشيمة . وهي بذلك تفيد مثلها يعني الوتد الربط.
و لقد استشرنا الزميل عبد الحكيم ذنون فيما يعنيه هذا المصدر نفسه ( خ )في السومرية و الآشورية و الآرمية ، فأكد أنه حيثما ورد في الكتابات المساوية و الآرمية فإنه يعني " الربط " .
و بهذا المفهوم فهو يعني " أخ " ـ حيث الآخ مرتبط بأخيه ـ مثلما يعني "وتد " حيث تربط به الخيمة أو الدابة ... إلخ .
وواضح من هذه المعطيات أن المقطع " خيو " في اسم " بيينخيس " يمكن أن يترجم إلى " أوتاد " و يكون الاسم معنى "بيينخيس " في هذه الحالة هو " ذو الأوتاد " . و يكون صاحب هذا الاسم تحديداً هو فرعون موسى . مما يعني أن واقعة الخروج من مصر إنما تمت حوالي العام 3000ق.م . أي قبل الزمن التوراتي المقدر لها بحوالي 1700سنة .
المصدر :
اليهود بين القرآن و التوراة و معطيات العلم الحديث تأليف عبد الرحمن غنيم .
[1] د . و هبة الزحيلي : التفسير على هامش القرآن العظيم " دار الفكر .
[2] نفس المرجع .
[3] د. محمد حسن الحمصي : قرآن كريم تفسير و بيان : دار الرشيد .
شكرا جزيلا لكل من يتابعني وبارك الله في المستفيدين من هذا الموضوع والمواضيع الإسلامية الأخرى في المنتدى ونفعكم بها دنيا وآخرة. ولم ننتهي ولكن لازال هناك المزيد من الإعجاز ينتظر القراءة منكم. فقط تابعوا.
__________________
اللهم إجمعنا وزوجاتنا في الدنيا على خير.. وفي الآخرة على خير إن شاء الله في الجنة... وأرزقنا بالذرية الصالحة التي تشهد بأنك الله الذي لا إلــه إلا أنت رب العالمين وتشهد بأن محمدا عبدك ورسولك....آميــــــــن.