عضو المنتدى الفخري [ وسام العطاء الذهبي لعام 2015 ]
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 4,649
رد: تلاوة كتاب الله ( دورة اقرأ وارتق 2 )
قال محمد الطاهر بن عاشور : (سميت هذه السورة في المصاحف وكتب التّفسير وكتب السّنّة «سورة عبس».
وفي «أحكام ابن العربيّ» عنْوَنها «سورة ابن أمّ مكتوم». ولم أر هذا لغيره.
وقال الخفاجي: تسمى «سورة الصّاخّة».
وقال العيني في «شرح صحيح البخاري» تسمى «سورة السّفرة»، وتسمى سورة «الأعمى»، وكل ذلك تسمية بألفاظ وقعت فيها لم تقع في غيرها من السور أو بصاحب القصة التي كانت سبب نزولها...)
و السورة مكية يدور محورها كباقي السور المكية حول شؤون تتعلق بالعقيدة وأمر الرسالة ، كما إنها تتحدث عن دلائل القدرة الإلهية، والوحدانية في خلق الإنسان ، والنبات ،والطعام وفيها الحديث عن القيامة وأهوالها ، وشدة ذلك اليوم العصيب.
ومن الملاحظ في السورة أنه لم يذكر فيها لفظ الجلالة
أنه جاء رجل من المؤمنين أعمى يسأل النبي صلى الله عليه ليتعلم منه.
و كان عنده رجل من الأغنياء، (وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية الخلق)، فمال صلى الله عليه وسلم إلى الغني، وصد عن الأعمى الفقير، رجاء لهداية ذلك الغني، وطمعا في تزكيته، فعاتبه الله بهذا العتاب اللطيف
وهذه فائدة كبيرة، هي المقصودة من بعثة الرسل، ووعظ الوعاظ، وتذكير المذكرين، فإقبالك على من جاء بنفسه مفتقرا لذلك منك ، أحق من غيره بوقتك وعلمك ، وأما تصديك وتعرضك للغني المستغني الذي لا يسأل ولا يستفتي لعدم رغبته في الخير، مع تركك من هو أحق بك وقتك وعلمك منه، فإنك لست ملزوما به و لا ينبغي لك أن تقدمه على من جاءك طالبا للهدى، فلو لم يتزك، فلست بمحاسب على ما عمله من الشر.
فدل هذا على القاعدة المشهورة، أنه: " لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم، ولا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة " وأنه ينبغي الإقبال على طالب العلم، المفتقر إليه، الحريص عليه أزيد من غيره.
أخرج الترمذي و الحاكم عن عائشة قالت : أنزل { عبس وتولى } في ابن أم مكتوم الأعمى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل يقول : يا رسول الله أرشدني وعند رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل من عظماء المشركين فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرض عنه ويقبل على الآخر فيقول له : أترى بما أقول بأسا ؟ فيقول : لا فنزلت { عبس وتولى * أن جاءه الأعمى } وأخرج أبو يعلى مثله عن أنس
وعاتبه الله تعالى بأسلوب لين حيث خاطبه بأسلوب شخص غائب حتى لا يواجهه بالخطاب فيؤلمه فتلطف معه ، ثم أقبل عليه بعد أن أزال الوحشة يخاطبه وما يدريك .وفي ذلك بيان لمقام النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أشرف مقام وأسماه
وما يمكن استخلاصه مما جاء في السورة
- بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتأديب ربه له مستوى لم يبلغه سواه ، فقد كان إذا جاءه ابن أم مكتوم يوسع له في المجلس ويجلسه إلى جنبه ويقول له مرحبا بالذي عاتبني ربي من أجله وولاه على المدينة مرات ، وكان مؤذناً له في رمضان .
- استحالة كتمان الرسول صلى الله عليه وسلم لشيء من الوحي فقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لو كان للرسول أن يكتم شيئا من وحي الله لكتم عتاب الله تعالى له في عبس وتولى .
- بيان مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته وهي مقتضية للإِيمان به وبآياته ورسوله ولقائه .
- الاستدلال بالصنعة على الصانع . وأن أثر الشيء يدل عليه ، ولذا يتعجب من كفر الكافر بربه وهو خلقه ورزقه وكلأ حياته وحفظ وجوده إلى أجله .
- بيان أن الإِنسان لا يزال مقصراً في شكر ربّه ولو صام الدهر كله وصلى في كل لحظة من لحظاته .
- بيان شدة الهول يوم القيامة يدل عليه فرار المرء من أقربائه .
- خطر التبعات على العبد يوم القيامة وهي الحقوق التي يطالب بها العبد يوم القيامة .
- ثمرة الإِيمان والتقوى تظهر في الموقف نورا على الوجه وإشراقا له وإضاءة وثمرة الكفر والفجور تظهر ظلمة وسوادا على الوجه وغبارا .
عن سعيد بن أبي عمرو قال: سمعت أنس بن مالك قال: قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: أنحشر عراة قال: نعم قالت: واسوأتاه فأنزل الله تعالى (لِكُلِّ اِمرِيءٍ مِنهُم يَومَئِذٍ شَأنٌ يُغنيهِ).
وختمت السورة بهذه الآية
{أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} أي: الذين كفروا بنعمة الله وكذبوا بآيات الله، وتجرأوا على محارمه.
🌴نسأل الله العفو والعافية إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين.
(إن من يواظب على قراءة القرآن كما تم بيانه ووصفه من حال السلف فإن هذا سيؤدي إلى حياة قلبه ، وقوة ذاكرته ، وصحة نفسه ، وعلو همته ، وقوة إرادته ، وهذه هي مرتكزات النجاح الحقيقية ، ذلكم النجاح الشامل المتكامل الثابت في حال الشدة كما هو حاصل في حال الرخاء)
__________________
الحمد لله الذي جعل بعد العسر يسرا... و بعد الضيق فرجا... و بعد الغم راحة ...وبعد الفراق عودة
« الْحَمْدُ للّهِ حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ »