إن الإسلام قد أعطى المرأة حقوقاً كثيرة، ومن ذلك أن الشريعة الإسلامية قد أثبتت للمرأة ذمة مالية مستقلة فالمرأة أهل للتصرفات المالية تماماً كالرجل فهي تبيع وتشتري وتستأجر وتؤجر وتوكل وتهب، ولا حجر عليها في ذلك ما دامت عاقلة رشيدة ، وقد دلت على ذلك عموم الأدلة من كتاب الله سبحانه وتعالى ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك:-
1- قوله تعالى ( فَإِنْ ءَانَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) سورة النساء الآية 6 .
والمرأة داخلة في هذا العموم على الصحيح من أقوال أهل العلم ومن قال سوى ذلك فقوله تحكم لا دليل عليه كما قال القرطبي عند تفسيره للآية الكريمة .
وكذلك فإن المرأة داخلة في عموم النصوص التي وردت فيها التكاليف الشرعية بلا فرق بينها وبين الرجل إلا ما أخرجه الدليل .هذا بشكل عام، وأما الأدلة بخصوص السؤال فكثيرة منها :-
2- ما قاله الإمام البخاري في صحيحه : [ باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج فهو جائز إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز . وقال الله تعالى ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ) سورة النساء الآية 5 . ثم ذكر عدة أحاديث منها حديث كريب مولى ابن عباس ( أن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت : أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي ؟ قال : أو فعلت ؟ قالت : نعم قال : أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك ) .
قال الحافظ ابن حجر : [ قوله باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج ] أي ولو كان لها زوج [ فهو جائز إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز . وقال تعالى : ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ) ]
وبهذا الحكم قال الجمهور، وخالف طاووس فمنع مطلقاً ،وعن مالك رضي الله عنه لا يجوز لها أن تعطي بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة إلا من الثلث، وعن الليث لا يجوز مطلقاً إلا في الشيء التافه . وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة.
واحتج لطاووس بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه ( لا تجوز عطية امرأة في مالها إلا بإذن زوجها ) أخرجه أبو داود والنسائي، وقال ابن بطال- أحد شراح البخاري- : وأحاديث الباب أصح ،وحملها مالك على الشيء اليسير، وجعل حده الثلث فما دونه ].
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ وظاهر كلام الخرقي – الحنبلي المعروف صاحب المتن-: أن للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله بالتبرع والمعاوضة . وهذا إحدى الروايتين عن أحمد . وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر، وعن أحمد رواية أخرى : ليس لها أن تتصرف في مالها بزيادة على الثلث بغير عوض إلا بإذن زوجها وبه قال مالك ].
ثم قال ابن قدامة مستدلاً لقول الجمهور : [ ولنا قوله تعالى : ( فَإِنْ ءَانَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) وهو ظاهر في فك الحجر عنهم وإطلاقهم في التصرف . وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن ) وأنهن تصدقن فقبل صدقتهن، ولم يسأل ولم يستفصل .
وأتته زينب امرأة عبدالله ،وامرأة أخرى اسمها زينب فسألته عن الصدقة : هل يجزيهن أن يتصدقن على أزواجهن وأيتام لهن ؟ فقال : نعم، ولم يذكر لهن هذا الشرط ؛ولأن من وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف فيه من غير إذن كالغلام؛ ولأن المرأة من أهل التصرف ،ولا حق لزوجها في مالها فلم يملك الحجر عليها في التصرف بجميعه كأختها ،وحديثهم ضعيف ،وشعيب لم يدرك عبد الله بن عمرو فهو مرسل، وعلى أنه صحيح محمول على أنه لا يجوز عطيتها لماله بغير إذنه بدليل أنه يجوز عطيتها ما دون الثلث من مالها، وليس معهم حديث يدل على تحديد المنع بالثلث، فالتحديد بذلك تحكم ليس فيه توقيف، ولا عليه دليل. انتهى.
والحديث الذي ذكره ابن قدامة في تصدق النساء بحليهن رواه البخاري ومسلم، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه قد استدل بالحديث على جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها ،أو على مقدار معين من مالها كالثلث خلافاً لبعض المالكية ،ووجه الدلالة من القصة ترك الاستفصال عن ذلك كله.
واحتج الجمهور على قولهم أيضاً بما ورد في الحديث عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها ( أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم : هو صائم وقال بعضهم : ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه ) رواه البخاري ومسلم .
قال الإمام النووي في شرح الحديث إن من فوائده : [ أن تصرف المرأة في مالها جائز ،ولا يشترط إذن الزوج سواء تصرفت في الثلث ،أو أكثر وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور . وموضع الدلالة من الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل هل هو من مالها ويخرج من الثلث أو بإذن الزوج أم لا ؟ ولو اختلف الحكم لسأل ]انتهى.
وأما الحديث الذي ذكره السائل وهو (ليس للمرأة أن تنتهك شيئاً من مالها إلا بإذن زوجها ) : وما في معناه مثل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها ) رواه أبو داود وابن ماجة وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها ) رواه أبو داود .
وعن عبد الله بن يحيى عن أبيه عن جده : ( أن جدته خيرة امرأة كعب بن مالك أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلي لها فقالت : إني تصدقت بهذا . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يجوز للمرأة في مالها إلا بإذن زوجها فهل استأذنت كعباً ؟ قالت : نعم . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كعب بن مالك زوجها فقال : هل أذنت لخيرة أن تتصدق بحليها ؟ فقال : نعم فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ) قال الهيثمي في الزوائد : في إسناده يحيى، وهو غير معروف في أولاد كعب فالإسناد ضعيف ].
وقال الطحاوي : حديث شاذ لا يثبت . وقال الحافظ ابن عبد البر: إسناد ضعيف لا تقوم به الحجة.
وهذه الأحاديث التي استدل بها المخالف أجاب عنها جمهور أهل العلم بعدة أجوبة منها :-
أولاً : إن هذه الأحاديث ضعيفة لا تصلح للاستدلال وبيان ذلك أن الحديث الأول وهو [ ليس للمرأة أن تنتهك شيئاً من مالها إلا بإذن زوجها ] حديث ضعيف قال الهيثمي [ رواه الطبراني وفيه جناح مولى الوليد وهو ضعيف ]. ونقل المناوي عن الهيثمي قوله [ وفيه جماعة لم أعرفهم ] ، كما أن الشيخ الألباني ضعف الحديث بقوله :[ قلت هذا إسناد ضعيف ] إلا أنه قواه بشواهده في السلسلة الصحيحة.
وأما حديث عمرو بن شعيب فضعفه الإمام الشافعي فقد ذكر البيهقي عن الشافعي أنه قال : [ يعني في هذا الحديث سمعناه وليس بثابت ،والقرآن يدل على خلافه، ثم السنة ،ثم ،الأثر ثم المعقول.
وأما حديث خيرة امرأة كعب فهو حديث ضعيف أيضاً كما سبق في كلام الطحاوي وابن عبد البر .
ثانياً :- قال الجمهور لو سلمنا بصحة الأحاديث التي احتج بها المخالف لقدمت عليها أحاديثنا لأنها أصح منها .
ثالثا:-ً إن عموم الأدلة التي احتج بها الجمهور أقوى من هذه الأحاديث التي لم تسلم من الطعن .
رابعا:-ً لو سلمنا بصحة هذه الأحاديث فإنها تحمل على أن ذلك من حسن معاشرة الزوجة لزوجها، لا على أنه لازم لها،قال الإمام الخطابي معلقاً على حديث عبد الله بن عمرو:- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها . قال الشيخ هذا عند أكثر العلماء على معنى حسن العشرة واستطابة نفس الزوج بذلك .
وخلاصة الأمر أنه يجوز للمرأة أن تتصرف في مالها بدون إذن زوجها ولكن الأولى والأفضل أن تشاور زوجها في ذلك تطييباً لخاطر زوجها ومحافظة منها على العشرة الزوجية .