قافلة عربية في مطار فرانكفورت!!
بعد ساعات هادئة نسبيا في الطائرة وبعد أن كفت نورا عن الصراخ المباح وبعد أن استغرقت أنا في غفوة قصيرة لم أحس بطعمها ولا لذتها بسبب الأفكار المتصارعة في ذهني أعلن قائد الطائرة اقترابنا من مطار فرانكفورت الدولي وأهمية ربط الحزام استعدادا للهبوط...
ورغم أننا في الوطن العربي ربطنا الحزام طويلا إلا أننا مازلنا نعاني من المشاكل والأزمات حتى ألفتنا وألفناها وأصبحنا نستغرب مرور عدة أيام دون أن نسمع خبرا سيئا أو نتلقى مصيبة كبيرة نشبع فيها لطما وتشغل حيزا في نشرات الأخبار على الفضائيات العربية!! .. ولم يجد ربطنا للحزام شيئا أمام المصائب السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي تتحذف علينا مثل الطوب من كل حدب وصوب!!!.. صرنا نخاف من كلمة حزام!! .. حزام أمني .. وحزام حدودي .. وحزام بطني يمنع الكرش من أن يندلق خارج البنطلون!! .. حسبي الله ونعم الوكيل وش جاب سيرةالأحزمة ؟! .. ما علينا!! ..
كنت قد عبأت الكروت التي تم توزيعها علينا في الطائرة لتسجيل الدخول إلى الأراضي الألمانية ( تعبت وأنا أعبي الكروت ستة أشخاص في عين العدو!!) .. قمت بقيادة أفراد قبيلتي !! .. أقصد عائلتي نحو موظف الجوازات الألماني الذي ختم جوازاتنا بسرعة ودون النظر في وجوهنا!!..
لا يعرف الألماني الابتسامة والمرح ويشعر أنها تؤثر على إتقانه للعمل .. هل شاهدتم في حياتكم ماكينة مرسيدس أو بي أم دبليو تضحك ؟!! .. الماكينة الألمانية لا تضحك أبدا !! .. ولايهمني إن كان موظف الجوازات نظر في خلقتنا أما لا .. بل الذي يهمني أن نخرج من المطار إلى الفندق لنرتاح وابدا في السؤال عن المعاملة في السفارة وأتأكد من أن الأمور تسير على ما يرام .. كانت إجراءات الدخول ميسرة ومنظمة وسريعة .. ( أيام جميلة قبل سبتمبر!!) .. اذهب الآن إلى أي دولة أوروبية ودعهم يرون جواز سفرك العربى وأنت ترسم تلك الابتسامة الساذجة على شفتيك وكأنك لاعب رياضي يشارك في دورة الخليج الأولى عام 1970 لأول مرة!! .. سوف يدققون النظر في سحنتك مرات ومرات قبل أن يختموا على جوازك بختم الدخول!! .. أو يتم تحويلك لمكان آخر للتحقق من هويتك!! .. والتأكد من أنك لا تنوي القيام بعمل إرهابي متسلحا بزجاجة العطر التي تحملها في حقيبتك!! .. ومن يدري أيها المسكين هل ستعود إلى ديارك أم لا ؟؟ ..
مطار فرانكفورت وما أدراك ما مطار فرانكفوت ؟! .. لن أتحدث عن هذا المطار الآن وأترك الحديث عنه إلى وقت آخر .. ختم موظف الجوازات على جوازاتنا وبدأت بعد ذلك رحلة المتاعب .. أقصد حمل الحقائب!! ..
الوالدة الله يحفظها ويخليها لم تقصر في إحضار كل ما ثقل وزنه وقل ثمنه!! .. ورد جزء من هذه الأشياء في حلقة سابقة لن أعيد سرد علب الجبن والتونة من جديد منعا للتطويل! ..
وأم سلطان لم تقصر في إحضار كل ما في دولاب البيت من ملابس نورا خوفا عليها من البرد رغم أننا زرنا ألمانيا في عز الصيف وكانت تعرف أننا ذاهبين لألمانيا وليس للإسكيمو !! .. وان الجليد لا يتساقط على بون في فصل الصيف !! .. لكن من الذي يقنع المرأة بأن الرجل دائما على حق ؟! .. ( الجملة هذه لزوم التأكيد على سطوتي كقائد لحزب المتزوجون الأحرار ! ) .. لكم رحمت نظرات ابنتي الصغيرة نورا وهي تنظر إلي من تحت أكوام الملابس الثقيلة التي ألبستها إياها والدتها خوفا عليها من نسمة الهواء ولسان حالها يقول : أنقذني يا أبي من هذه الملابس التي تكاد تكتم أنفاسي !!! .. ولكم أن تتخيلوا أكداس الحقائب التي تحملها ثلاث عربات من عربات حمل الأمتعة ونحن نجرها متوجهين إلى خارج المطار !! .. نورا هذه الصغيرة ذات الثلاث أسابيع الشبيهة بالقطة المغمضة تملك حقيبة أكبر من حقيبتي أنا أبوها وولي أمرها ؟! .. إنها من عجائب الزمان !! ..
يا حبنا نحن العرب لكثرة الحقائب والشنط كأننا نحتاج إلى أثقال تثبتنا في الأرض حتى لا نطير ولم نجد أثقالا مناسبة سوى الحقائب !! .. وأظن أن السبب معروف .. فنحن لا نستطيع أن نستغني عن دلال القهوة والسكر والشاي والرز وكاسات الجبن لشرب الشاي .. إذا سافرنا أخذنا معنا بيتنا وأثاثنا .. وصحوننا وفناجيلنا وبهاراتنا .. وكأننا ذاهبون في رحلة للبر وليس لدولة أوربية!!.. ما ناقص غير ناخذ موتور الكهرباء وكم دراجة نارية علشان عيالنا ينبسطون !! .. وضعت الحقائب على العربات وساعدني أخي في حملها وصفها على العربة وكأننا نعمل في مستودع لتخزين المواد الغذائية !! ..
وفي الخارج فوجئت بأن جميع التكاسي من نوع المرسيدس آخر موديل !! .. ما شاء الله مرسيدس في استقبال أبو سلطان قائد حزب المتزوجين الأحرار ؟! .. لا شك أن سفارتنا في ألمانيا قد استعدت لإستقبالي !!!!!!! .. وأن أعضاء الحزب قد أرسلوا برقية بذلك .. وقد يكون في إستقبالي الحرس الشخصي لحمايتي من أي إغتيال قد أتعرض له من أحد الأعداء.. وقد أتمكن من استعراض الحرس وهم فوق خيولهم !! .. وقد يسعفني الوقت وأتمكن من سماع الكلمة الترحيبية التي سوف يلقيها المتحدث الرسمي بلسان الحزب أخونا المنضم حديثا محمد الشرقاوي !! .. وسوف تصطف سيارات الشرطة لمنع جماهير المناضلين من إختراق الصفوف ومحاولة الحصول على قطعة من ملابسي للذكرى !! .. ثم صحوت من هذا الحلم على سؤال واقعي وهو : أي مرسيدس هذا الذي يستطيع حمل حقائبنا وأمتعتنا أنا وأهلي ؟! .. نحتاج إلى تريلا أو شاحنة لحمل كل هذه الحقائب والأنفس البشرية وليس إلى سيارة مرسيدس واحدة!! ..
أوقفت إحدى المرسيدسات ( جمع مرسيدس !! ) فخرج السائق منها لوضع الحقائب في السيارة .. وعندما رأى الجيش الذي يقف خلفي : أمي وزوجتي وأخي وأختي وأنا أحمل نورا على كتفي وورائي ثلاث عربات مثقلة بالحقائب عاد أدراجه إلى السيارة مرة أخرى !!!! .. اعتقدت أن الرجل أخذ على خاطره وزعل لما شاف عدد أفراد أسرتي الذين في معيتي !! .. لكنه أمسك بجهاز يشبه اللاسلكي بداخل السيارة وتحدث فيه وما هي إلا ثواني وأتت سيارة مرسيدس أخرى لتقف وراء السيارة الأولى !! .. وزعنا أنفسنا إلى قسمين كل قسم في سيارة .. أنا وزوجتي وطفلتي الصغيرة في سيارة ووالدتي وأخي وأختي في سيارة وأنطلق الركب نحو الفندق في بون !!! ..
فما الذي حدث عندما وصلنا إلى الفندق ؟! ..
نكمل لاحقا ان شاء الله تعالى
أبو سلطان