الباب الرابع: في السواك وسنن الفطرة، وفيه عدة مسائل:
السواك: هو استعمال عود أو نحوه في الأسنان أو اللثة؛ لإزالة ما يعلق بهما من الأطعمة والروائح.
المسألة الأولى: حكمه:
السواك مسنون في جميع الأوقات، حتى الصائم لو تَسَوَّك في حال صيامه فلا بأس بذلك سواء كان أول النهار أو آخره؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رغَّب فيه ترغيباً مطلقاً، ولم يقيده بوقت دون آخر، حيث قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) (وصححه الألباني في الإرواء (1/ 105)). وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) (متفق عليه).
المسألة الثانية: متى يتأكد؟
ويتأكد عند الوضوء، وعند الانتباه من النوم، وعند تغير رائحة الفم، وعند قراءة القرآن، وعند الصلاة. وكذا عند دخول المسجد والمنزل؛ لحديث القدام بن شريح، عن أبيه قال:
سألت عائشة، قلت: بأيِّ شيء كان يبدأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك (أخرجه مسلم برقم (253)). ويتأكد كذلك عند طول السكوت، وصفرة الأسنان، للأحاديث السابقة.
وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام من الليل يَشُوصُ (الشوص: الدلك) فاه بالسواك (رواه البخاري برقم (245))، والمسلم مأمور عند العبادة والتقرب إلى الله، أن يكون على أحسن حال من النظافة والطهارة.
المسألة الثالثة: بم يكون؟
يسن أن يكون التسوك بعود رطب لا يتفتت، ولا يجرح الفم؛ فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستاك بعود أراك (الأرَاك: شجر من الحمض يستاك بقضبانه، واسمه الكَبَاث). وله أن يتسوك بيده اليمنى أو اليسرى، فالأمر في هذا واسع.
فإن لم يكن عنده عود يستاك به حال الوضوء،
أجزأه التسوك بأصبعه، كما روى ذلك عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - في صفة وضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (صححه ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 70))
المسألة الرابعة: فوائد السواك:
ومن أهمها ما ورد في الحديث السابق: أنه مطهرة للفم في الدنيا مرضاة للرب في الآخرة. فينبغي للمسلم أن يتعاهد هذه السنة، ولا يتركها؛ لما فيها من فوائد عظيمة. وقد يمر على بعض المسلمين مدة من الوقت كالشهر والشهرين وهم لم يتسوكوا إما تكاسلاً وإما جهلاً، وهؤلاء قد فاتهم الأجر العظيم والفوائد الكثيرة؛ بسبب تركهم هذه السُّنةَ التي كان يحافظ عليها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكاد يأمر بها أمته أَمْرَ إيجاب، لولا خوف المشقة.
وقد ذكروا فوائد أخرى للسواك، منها: أنه يقوي الأسنان، ويشد اللثة، وينقي الصوت، وينشط العبد.
المسألة الخامسة: سنن الفطرة:
وتسمى أيضاً: خصال الفطرة؛ وذلك لأن فاعلها يتصف بالفطرة التي فطر الله الناس عليها واستحبها لهم؛ ليكونوا على أحسن هيئة وأكمل صورة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(خمس من الفطرة: الاستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر) (متفق عليه).
1 - الاستحداد: وهو حَلْقُ العانة، وهي الشعر النابت حول الفرج، سمي بذلك لاستعمال الحديدة فيه وهي المُوسَى. وفي إزالته جمال ونظافة، ويمكن إزالته بغير الحلق كالمزيلات المصنعة.
2 - الختان: وهو إزالة الجلدة التي تغطي الحَشَفَة (الحشفة: هي رأس الذكر) حتى تبرز الحشفة، وهذا في حق الذكر. أما الأنثى: فقطع لحمة زائدة فوق محل الإيلاج. قيل: إنها تشبه عُرف الديك. والصحيح: أنه واجب في حق الرجال، سنة في حق النساء.
والحكمة في ختان الرجل: تطهير الذكر من النجاسة المحتقنة في القُلْفَة (وهي الجلدة التي تغطي الحشفة، والتي تقطع في الختان).
وفوائده كثيرة.
أما المرأة: فإنه يُقَلِّل من غُلْمَتِها أي: شدة شهوتها.
ويستحب أن يكون في اليوم السابع للمولود؛ لأنه أسرع للبرء، ولينشأ الصغير على أكمل حال.
3 - قص الشارب وإحفاؤه: وهو المبالغة في قَصِّه؛ لما في ذلك من التجمل، والنظافة، ومخالفة الكفار.
وقد وردت الأحاديث الصحيحة في الحث على قَصِّه، وإعفاء اللحية، وإرسالها وإكرامها؛ لما في بقاء اللحية من الجمال ومظهر الرجولة، وقد عَكَسَ كثير من الناس الأمر، فصاروا يوفرون شواربهم، ويحلقون لحاهم، أو يقصرونها.
وفي كل هذا مخالفة للسنة والأوامر الواردة في وجوب إعفائها؛ منها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(جزُّوا الشوارب، وأرخوا اللحى، وخالفوا المجوس) (أخرجه مسلم برقم (260)، والجز: القص. وإرخاء اللحية: تركها وعدم التعرض لها). وحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
(خالفوا المشركين، وفِّروا اللحى، وأحفوا الشوارب) (رواه البخاري برقم (5892)).
فعلى المسلم أن يلتزم بهذا الهدي النبوي، ويخالف الأعداء، ويتميز عن التشبه بالنساء.
4- تقليم الأظافر: وهو قَصُّها بحيث لا تترك حتى تطول. والتقليم يجملها، ويزيل الأوساخ المتراكمة تحتها، وقد خالف هذه الفطرة النبوية بعض المسلمين فصاروا يطيلون أظافرهم، أو أظافر إصبع معين من أيديهم. كل ذلك من تزيين الشيطان والتقليد لأعداء الله.
5 - نتف الإبط: أي إزالة الشعر النابت فيه، فيسن إزالة هذا الشعر بالنتف أو الحلق أو غيرهما؛ لما في إزالته من النظافة وقطع الروائح الكريهة التي تتجمع مع وجود هذا الشعر، فهذا هو ديننا الحنيف، أمرنا بهذه الخصال؛ لما فيها من التجمل والتطهر والنظافة، وليكون المسلم على أحسن حال، مبتعداً عن تقليد الكفار والجهال، مفتخراً بدينه، مطيعاً لربه، متبعاً لسنة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ويضاف إلى هذه الخصال الخمس: السواك، واستنشاق الماء، والمضمضة، وغسل البراجم -وهي العقد التي في ظهور الأصابع، يجتمع فيها الوسخ-، والاستنجاء، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
- (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء) يعني الاستنجاء. قال مصعب بن شيبة -أحد رواة الحديث-: "ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة". (رواه مسلم برقم (261))