كسر المرأة .. ( الجزء الثالث ) الأسباب الفرعية
الأسباب الفرعية للطلاق [ حاشية : قد تكون هذه الأسباب مباشرة للطلاق كالخيانة الزوجية ، وقد لا تكون مباشرة كالغزو الفكري ، لكن كلا هذين المثالين يندرجان تحت سبب رئيس وهو : عدم معرفة حقوق أحدهما على الآخر ومراقبة الله في ذلك ، وهناك أسباب أخرى سنذكرها ـ بإذن الله ـ تندرج تحت السبب الرئيس الآخر وهو سوء اختيار الزوج أو الزوجة ]
هي كثيرة جداً منها :
1ـ فقدان قوامة الرجل : جعل الله القوامة للرجل على المرأة فقال : (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ )) [ النساء : 34 ] « أي قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى ، من المحافظة على فرائضه ، وكفهن عن المفاسد ، والرجال عليهن أن يلزموهن بذلك ، وقوامون عليهن أيضاً بالإنفاق عليهن ، والكسوة والمسكن » ولهذا كان « تفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة : من كون الولايات مختصة بالرجال ، والنبوة ، والرسالة ، واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد والأعياد والجمع . وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله . وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات ، بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ، ويتميزون عن النساء .
ولعل هذا سر قـوله : (( وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ )) وحذف المفعول ، ليدل على عموم النفقة فعلم من هذا كله أن الرجل كالوالي والسيد لامرأته ، وهي عنده عانية أسيرة خادمة ، فوظيفته أن يقوم بما استرعاه به .
ووظيفتها : القيام بطاعة ربها ، وطاعة زوجها .. » .
لكن من المؤسف ـ حقاً ـ أن كثيراً من الرجال هداهم الله لا يعرفون معنى القوامة الحقة ، فهو أحد رجلين : رجل ليس لديه شخصية قوية ، فرط في الأمانة التي استودعه الله إياها فأطلق للمرأة عنانها تفعل ما تشاء ـ من غير حدود ـ من الأمور المشينة كتربية أولادها على الأفكار الدخيلة الوافدة من الغرب ، وقد أمتلئ بيته بما يسخط الرب من آلات اللهو المحرمة .. فتتحكم فيه المرأة ليل نهار ، وهو لا يملك لنفسه فضلاً عن غيره نفعاً ، فقط يستجيب لما تقوله امرأته ، فإن أراد أن يخالفها في أمر ما ، قلبت عليه الدنيا نكداً ، لذا فهو يعيش في بيته مقهوراً كالعبد الذليل ليس له أي سلطة سوى أن اسمه رب البيت ! .
وقد لا تكون الزوجة فاسدة الدين والخلق ، لكن بقاء البيت من غير قوامة الرجل ـ في الغالب ـ لا يستقيم بل تكون عاقبته وخيمة بسبب تسلط الزوجة .
اتصل رجل بالشيخ ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ يسأله ماذا يفعل مع زوجته ( الجزائرية ) التي قلبت حياته جحيماً فهو لا يريد أن يدخل بناته في المرحلة الثانوية لأنه يوجد في مدارس تلك البلاد اختلاط ولا يُرجى في دخولهن تلك المدارس فائدة في دينهن فقال : إن زوجتي تقول إذا منعت البنات من دخول المدرسة ، سأجعلهن ( شرموطات ) [ فاسدات ] ! ثم بكى الرجل ، فقال الشيخ الألباني للرجل : هل زوجتك تصلي ؟ فقال : لا . فقال له : منذ كم تزوجتها ؟ فقال : منذ خمس وعشرين سنة وهي لا تصلي في تلك الأعوام ؛ فقال الشيخ : منذ خمس وعشرين سنة وهي لا تصلي ! أنت المقصر يا أخي لأنك لم تأمرها بما أمرك الله به فأنت الآن تجني ثمرة تقصيرك وتفريطك في حقها وهنالك يقال : « في الصيف ضيعت اللبن » .. ثم أوصاه الشيخ بتطليقها وأن أكثر الأولاد من حقه . ثم قال الشيخ : « أعتقد أن كثيراً من الأزواج لا يقومون بما أمرهم الله به تجاه أزواجهن إذا وجدوا تقصيراً منهن » .
ما السبب في ما وصل إليه هذا الرجل ؟ هو أنه لم يكن لديه ( قوامة ) حقة ففرط في حق نفسه حين سمح لنفسه بالبقاء معها وفرط فيها حيث لم يأمرها بما أمر الله فلذلك نال ما نال ..
وأما الرجل الثاني ممن لا يعرف معنى القوامة الحقة : ذلك الرجل الفظ الغليظ الذي استعمل سلطته وجعل بيته مقراً لتنفيذ الأوامر دون المشاركة وأخذ الرأي ليكسب محبــة زوجته شريكـة حيــاته ، وحينما يكون الديـدن هكذا .. تعيش الزوجــة في نكـد متلاحق ؛ تسألُ الله أن يلين ويحنن قلب زوجها ليكون رحيماً بها يبادلها الحب ولين الجانب ، ويسترشد برأيها .. أو تنتظر الفرصة في أن يفرج الله كربتها ويخلصها ممن هذا حاله .
2ـ انهيار الاحترام المتبادل بين الزوجين :
كيان الأسرة الزوجية قائم على الاحترام والإجلال والتقدير بين الزوجين ، فمتى ما انهار دب الخلاف الشديد بين الزوجين وجاءت المشاكل التي لا حصر لها بسبب فقدانه فيعامل أحدهما الآخر بأسلوب يستثير الأعصاب وربما قام سوق السِباب والاتهامات ، وفي خضم ذلك ربما قام الزوج بضرب الزوجة وصفعها على وجهها لأنها جرحته في رجولته فكان هذا سبباً في ( كسرها ) . ما أسباب هذا الانهيار ؟ أسباب كثيرة أهمها : أ ـ قلـة الخـوف من الله ، لأنه لو علــم كل واحد منهما ما ألزمــه الله من جميــل الصحبة وحسن العشرة الطيبة ، لهانت كثير من الأمور . ب ـ عدم محاولة إرضاء أحدهما للأخر في غير معصية ، وسيأتي الحديث عنه . ج ـ عدم احتمال أحدهما خطأ الآخر وكتم الغيظ ، ومقابلة ذلك بالإحسان ، ولو فعلا ذلك لجنيا خيراً كثيراً بإذن الله . وسيأتي الحديث عنه .
3ـ عدم تقديم أحدهما تنازلات للآخر في غير معصية الله :
الحياة الزوجية قائمة على الرحمة والمحبة والتفاهم بين الزوجين وهذا أساس السكن ، ومع احتكاك الزوجين اليومي لابد أن تكون هناك سلوكيات وآراء ـ غير منضبطة ـ حول نمط حياتهما ، تحتاج إلى تغيير ، فيتناقش الزوجان حولها وطريقة علاجها وكل واحد له طريقته في العلاج .
حينئذ ينبغي أن يتنازل أحدهما للآخر ولا يتعصب أحدهما لرأيه ؛ خاصة إذا كان في غير معصية الرب . قال صلى الله عليه وسلم : « إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا يُنزع من شيء إلا شانه » فإن تنَازَلَ أحدهما عن رأيه فهذا ليس دليلاً على الضعف بل هو دليل على قوة المحبة والاحترام المتبادل بين الزوجين . لكن لو أصر كل واحد منهما على موقفه لدب الخلاف والنزاع وربما اتهام أحدهما للآخر بالأنانية ..
وقد لا يظهر أحدهما للآخر غضبه منه ، لكن ذلك الأمر يورث في النفس جرحاً عميقاً ربما توسع في المستقبل وكان سبباً من أسباب فقدان المحبة بينهما ، والميل إلى الانفصال .
[ والبقية تأتي في وقت آخر بإذن الله ]