قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
رد: أصول الإيمان
شبهات وردها في باب التوسل
قد يورد المخالفون لأهل السنة والجماعة بعض الشبهات والاعتراضات في باب التوسل؛ ليتوصلوا بها إلى دعم تقريراتهم الخاطئة، وليوهموا عوام المسلمين بصحة ما ذهبوا إليه، ولا تخرج شبهات هؤلاء عن أحد أمرين:
الأول: إما أحاديث ضعيفة أو موضوعة يستدل بها هؤلاء على ما ذهبوا إليه، وهذه يفرغ من أمرها بمعرفة عدم صحتها وثبوتها، ومن ذلك:
1 - حديث: «توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم» ، أو «إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم» ، وهو حديث باطل لم يروه أحد من أهل العلم، ولا هو في شيء من كتب الحديث.
2 - حديث: «إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور» ، أو «فاستغيثوا بأهل القبور» ، وهو حديث مكذوب مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق العلماء.
3 - حديث: «لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه» ، وهو حديث باطل مناقض لدين الإسلام، وضعه بعض المشركين.
4 - حديث: «لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال: يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال: غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك» وهو حديث باطل لا أصل له، ومثله حديث: «لولاك ما خلقت الأفلاك» .
فمثل هذه الأحاديث المكذوبة والروايات المختلقة الملفقة لا يجوز لمسلم أن يلتفت إليها فضلا عن أن يحتج بها ويعتمدها في دينه.
الثاني: أحاديث صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم يسيء هؤلاء فهمها ويحرفونا عن مرادها ومدلولها، ومن ذلك:
1 - ما ثبت في الصحيح: «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون» (صحيح البخاري برقم (1010)) .
ففهموا من هذا الحديث أن توسل عمر رضي الله عنه إنما كان بجاه العباس رضي الله عنه ومكانته عند الله عز وجل، وأن المراد بقوله: «كنا نتوسل إليك بنبينا [أي بجاهه] فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا» [أي بجاهه] .
وهذا ولا ريبِ فهم خاطئ وتأويل بعيد لا يدل عليه سياق النص لا من قريب ولا من بعيد؛ إذ لم يكن معروفا لدى الصحابة التوسل إلى الله بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه، وإنما كانوا يتوسلون إلى الله بدعائه حال حياته كما تقدم بعض هذا المعنى، وعمر رضي الله عنه لم يرد بقوله: «إنا نتوسل إليك بعم نبينا» أي ذاته أو جاهه، وإنما أراد دعاءه، ولو كان التوسل بالذات أو الجاه معروفا عندهم لما عدل عمر عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بالعباس رضي الله عنه، بل ولقال له الصحابة إذ ذاك كيف نتوسل بمثل العباس ونعدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلائق، فلما لم يقل ذلك أحد منهم، وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه، وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل لا بذاته.
وبهذا يتبين أن الحديث ليس فيه متمسك لمن يقول بجواز التوسل بالذات أو الجاه.
2 - حديث عثمان بن حنيف: «أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه في» ، رواه الترمذي وأحمد وقال البيهقي إسناده صحيح.
ففهموا من الحديث أنه يدل على جواز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الصالحين، وليس في الحديث ما يشهد لذلك، فإن الأعمى قد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بأن يرد الله عليه بصره، فقال له: «إن شئت صبرت وإن شئت دعوت» ، فقال: فادعه، إلى غير ذلك من الألفاظ الواردة في الحديث المصرحة بأن هذا توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا بذاته أو جاهه؛ ولذا ذكر أهل العلم هذا الحديث من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب، فإنه صلى الله عليه وسلم ببركة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره ولهذا أورده البيهقي في دلائل النبوة.
وأما الآن وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن مثل هذا لا يمكن أن يكون لتعذر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بعد الموت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ، رواه مسلم .
والدعاء من الأعمال الصالحة التي تنقطع بالموت.
وعلى كل فإن جميع ما يتعلق به هؤلاء لا حجة فيه؛ إما لعدم صحته، أو لعدم دلالته على ما ذهبوا إليه.
الغلو
أ- تعريفه: الغلو في اللغة هو مجاوزة الحد، بأن يزيد في حمد الشيء أو ذمه على ما يستحق.
وفي الشرع: هو مجاوزة حدود ما شرع الله لعباده سواء في العقيدة أو العبادة.
ب- حكمه: التحريم؛ لما جاء من النصوص في النهي عنه والتحذير منه وبيان سوء عواقبه على أهله في العاجل والآجل. قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (النساء: 171) .
وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (المائدة: 77) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والغلو، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين» ، رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطعون» ، قالها ثلاثا، رواه مسلم.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله» ، رواه البخاري.
والمراد هذا الحديث، أي: لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى فادعوا فيه الربوبية والألوهية، وإنما أنا عبد الله فصفوني بما وصفني به ربي، وقولوا: عبد الله ورسوله، فأبى الضلال إلا مخالفة لأمره وارتكابا لنهيه وناقضوه أعظم المناقضة فغلوا فيه وبالغوا في إطرائه وادعوا فيه ما ادعت النصارى في عيسى أو قريبا منه، فسألوه مغفرة الذنوب وتفريج الكروب وشفاء الأمراض ونحو ذلك مما هو مختص بالله وحده لا شريك له، وكل ذلك من الغلو في الدين.
وبذلك يتبين من خلال ماسبق حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده كل طريق يفضي إلى الشرك والباطل.
وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!
التعديل الأخير تم بواسطة صاحب فكرة ; 09-06-2018 الساعة 10:34 AM