عضو المنتدى الفخري [ وسام العطاء الذهبي لعام 2015 ]
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 4,649
رد: تلاوة كتاب الله ( دورة اقرأ وارتق 2 )
سميت هذه السورة الكريمة بالذاريات لأن الله تبارك وتعالى بدأ السورة الكريمة بالقسم بالذاريات,ووجه التسمية أن هذه الكلمة لم تقع بهذه الصيغة في غيرها من سور القرآن.
والذاريات هي للريح التي تذرو التراب فتفتته وتفرقه, وقد أطلق الله عزوجل على الرياح اسم الذاريات, وأقسم بها نظرا لقوتها على تفتيت التراب وتفرقته ونقله من مكان الى آخر والذي نشعر به بشكل هواء.
هذه السورة الكريمة المكية شانها شان السور المكية الأخرى وقد تناولت أصول العقيدة الاسلامية من تشييد دعائم الايمان, وتوجيه الأبصار الى قدرة الله الواحد القهار, وبناء العقيدة وترسيخها في العقول على أسس التقوى, وتناولت أيضا قضايا البعث والنشور والحساب والجزاء.
كما نلاحظ أن السورة ابتدأت بقسم الله سبحانه وتعالى بالرياح (الذاريات) و بالسحب (الحاملات) مياه الأمطار, و بالسفن (الجاريات) التي تسيّر المراكب و بالملائكة الأطهار (المقسمات) المكلفين بتدبير شؤون الخلق, لتوضح للخلق بأنّ الحشر كائن لا محالة, وأنه لا بدّ من البعث والجزاء لتجزى كل نفس ما كسبت
ثم انتقلت السورة الكريمة الى الحديث عن كفار مكة المكذبين بالقرين واليوم الآخر, فبينت حالهم في الدنيا ومآلهم في الآخرة, حيث يعرضون على نار جهنم فيَصلون عذابها ونكالها, وقد عبّر القرآن الكريم عن ذلك بلفظ القتل, فقال تعالى:
أي لعن الكذابون الذين قالوا أنّ للنبي صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين شاعر وساحر ومجنون, الى غير ذلك من الأقوال التي لا تليق بمقامه الشريف,
وتكذيبهم بما جاءهم به من عند الله تعالى وهو القرآن الكريم,
وبتكذيبهم باليوم الآخر والبعث بعد الموت, وما الى هناك من حقائق ذكرها القرآن الكريم أنها واقعة لا محالة,
وكلمة القتل اذا أخبر الله تعالى به على أحد يعني به اللعنة عليه أو عليهم, على اعتبار أنّ من لعنه الله تعالى يكون بمنزلة المقتول الهالك.
ثم انتقلت السورة الكريمة الى الحديث عن المؤمنين وما اعده الله عزوجل لهم من تكريم في جنات النعيم , من الكرمة الخالدة في الآخرة. قال تعالى :
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ15آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ16}
ثم تحدثت السورة الكريمة لدلالة على قدرة الله وتفرده في خلق هذا الكون الفسيح بما فيه من سموات والأرض, و الجبال وغير ذلك مما نراه وما لا نراه, وخلق الانسان في أبدع صورة وأجمل تكوين,
تناولت جانبا من قصص الرسل الكرام عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم,من ذلك كرم إِبراهيم في باب الضِّيافة، وفي ذلك لمحة عن المال،كما أن فيها لمحة عن الغيب المكنون في تبشيره بغلام عليم،
ولقوم لوط بالهلاكة، ولفرعون وأَهله من الملامة، ولعاد وثمود وقوم نوح من الدمار والخسارة،
وفي القصص إشارة إلى تصديق وعد الله الذي أقسم عليه في أول السورة: {إنما توعدون لصادق}
و ذكر هذه القصص. يدعو إلى تجريد القلب لعبادة الله، وتخليصه من جميع العوائق، ووصله بالسماء. بالإيمان أولا واليقين. ثم برفع الحواجز والشواغل دون الرفرفة والانطلاق إلى ذلك الأفق الكريم.
وما ذكر القصص هذه في القرآن الا تسلية لفؤاد النبي صلى الله عليه يدعوه ربه الى تحمل الشدائد والصبر عليها وأنه ما حصل معه كان قد سبقه اليه أخوانه الأنبياء من قبله, وسرد كل تلك القصص للعبرة والعظة
وختم الله عزوجل السورة الكريمة ببيان الغاية والهدف من خلق الانس والجان, لمعرفته جل وعلا وعبادته وتوحيده وافراده بالاخلاص والتوجه لوجهه الكريم بأنواع العبادات والقربات:
قال تعالى :
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) }(الذاريات )
وهمّ الرزق هو من أكثر القضايا التي شغلت الإنسان، حتى أنها شغلته عن الرزاق، وذلك أن الإنسان التفت إلى رزقه، وكيفية الحصول عليه، ثم نسي العبادة والتوجه إلى الله الرزاق، والرزق المقصود في هذه السورة هو كل شيء بالحياة، وليس فقط المال، بل الزواج، والوظيفة، والحمل، والنجاح، والشفاء، وجميع أمور الإنسان بيد الله عز وجل، فالسورة توجه رسالة عامة لمن ضيّعوا من أجل الرزق أكبر سبب في الرزق.
ونستخلص المقصود من سورة الذاريات : دع عنك هم الرزق ، تخلص من هموم الدنيا ، فالله رازقك ،والتفت لما خلقت له من عبادة الله
قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
ففروا الى الله ولا تتباطأوا في الانطلاق إليه، وفي هذا النداء دعوة الى أن يتوجه المسلم بقلبه إلى الله عز وجل، فإنه يفر إليه من الضنك إلى السعادة، ومن الفقر إلى الثراء، ومن عقوبته لمعافاته ومن النار إلى الجنة،
والمعنى المقصود من الفرار في هذه الآية هو الفرار ، من المعاصى إلى الطاعات،
عضو المنتدى الفخري [ وسام العطاء الذهبي لعام 2015 ]
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 4,649
رد: تلاوة كتاب الله ( دورة اقرأ وارتق 2 )
سورة الطور من السورة المكية التي تعالج موضوع العقيدة الإسلامية وتبحث في أصول العقيدة وهي " الوحدانية ، الرسالة ، البعث والجزاء " .
و هناك تشابه كبير بين موضوعات سورة الذاريات وسورة الطور وكلتا السورتين من السور المكية المتقدمة، والسور المكية المتقدمة التي نزلت في المرحلة المكية الأولى لها خاصية معينة يكثر فيها القسم بالأشياء المحسوسة والمحيطة بالإنسان وفي الغالب ما يعايشه الإنسان مثلاً القسم (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ﴿١﴾ فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ﴿٢﴾ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ﴿٣﴾) كلها عبارة عن الرياح الحاملة للسحب والمطر ما يتعلق بمعايش الإنسان وأرزاقه.
سورة الطور جاء القسم فيها بخمسة أمور ضخمة من العوالم العلوية والسفلية (وَالطُّورِ ﴿١﴾ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ﴿2﴾ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ ﴿3﴾ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ﴿4﴾ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ﴿5﴾ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴿٦﴾) حكمة القسم بهذه الأمور الضخمة العظيمة تنبيه هؤلاء الناس لأنهم كانوا في غفلة
نستطيع أن نستشف هدف السورة من وراء آياتها والتي تجعل الإنسان في إختيار للطريق الذي يسلكه إما للجنّة أو للنار
وعندما بدأ الحق سبحانه سورة الطور بالقسم بخمسة أمور دليل على أهمية الموضوع وهو أهوال الآخرة وما يلقاه الكافرون في ذلك الموقف الرهيب وأقسمت أن العذاب واقع بالكفار لا محالة ولا يمنعه مانع.
وبما أن الله أعطى الإنسان مسؤولية الاختيار فقد وضح له الطريق وما يلقاه كل صنف في آخر الطريق الذي اختاره
وقد بدأ بوصف جهنم وأهلها لتخويف والترهيب وقال سبحانه :
تمعنوا هذه الآية حيث يقول فيها للكفار ذوقوا حر هذه النار, فاصبروا على ألمها وشدتها, أولا تصبروا على ذلك , فلن يخفف عنكم العذاب , ولن تخرجوا منها, سواء عليكم صبرتم أم لم تصبروا, إنما تجزون ما كنتم تعملون في الدنيا.
ثم انتقل إلى وصف الجنة وأهلها من المتقين قال تعالى :
" إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ " آية 17 .
" فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ " 18
"كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ"19
"مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ"20
وصف المتقين والنعيم الذي يلقوه جراء أعمالهم وإيمانهم
نسأل الله أن لا يحرمنا من جنته
ونجد في السورة آية يمكنها أن تكون محورية وهي الآتية قال تعالى :
هذه الآية خاصة بالآباء المؤمنين فكل جهد يبذله الأب في تربية أولاده، التربية الإيمانية، والتربية الأخلاقية، والتربية الجسمية والتربية العلمية، والتربية النفسية، والتربية الاجتماعية، كل جهد يبذله الأب، في سبيل تربية أولاده، هذا الجهد محفوظ عند الله بشكل لا يصدق، بحيث أن كل أعمال الأولاد في صحيفة أبيهم.
قال بعض المفسرين
" والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين "
أي والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم في الإيمان, ألحقنا بهم ذريتهم في منزلتهم في الجنة, وإن لم يبلغوا عمل آبائهم; لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم , فيجمع بينهم على أحسن الوجوه, وما نقصناهم شيئا من ثواب أعمالهم.
ومن صفات أهل الجنة ما جاء في الآيات التالية قال تعالى
"وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ"25
"قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ"26
"فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ"27
"إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ"28
قالوا في شرح هذه الآيات :
إنا كنا قبل في الدنيا خائفين ربنا , مشفقين من عذابه وعقابه يوم القيامة،فمن الله علينا بالهداية والتوفيق ،و كنا من قبل نتضرع إليه وحده لا نشرك معه غيره أن يقينا عذاب السموم ويوصلنا إلى النعيم , فاستجاب لنا وأعطانا سٌؤلنا, إنه هو البر الرحيم.فمن بره ورحمته بنا أنَلْنا رضاه والجنة,ووقانا عذاب جهنم, ومن نارها وحرارتها.
في آخر السورة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على كل هذا قال تعالى :
(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ)
هذا لاطمئنان الرسول الله صلى الله عليه وسلم انه في رعاية الله والله سبحانه وتعالى هو الذي يؤيدك بنصره وبتوفيقه وإذا كان الله معك فلا يهمك كل البشر ولو كانوا ضدك.