عضو المنتدى الفخري [ وسام العطاء الذهبي لعام 2015 ]
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 4,649
رد: تلاوة كتاب الله ( دورة اقرأ وارتق 2 )
اسم السورة: الاسم الذي وقع عليه الاجماع هو اسم (ق) لأنه لم يرد هذا الحرف مفرداً في غير هذه السورة فصار عَلَماً عليه. وقد ذكر السيوطي لها اسم "الباسقات" لكنه غير مشتهر.
السورة مكية ،نزلت قبل هجرة النبي عليه الصلاة والسلام، باستثناء الآية ثمانٍ وثلاثين، وموضوعاتها موضوعات السور المكية في أصول العقيدة الإسلامية الوحدانية الرسالة ،والسور المكية لا تكاد تخلو من إشارة إلى البعث،لكن المحور الأساسي الذي يدور حوله موضوع السورة التي بين أيدينا البعث والنشور
واضح جداً من خلال السورة أن العمود الأساسي فيها هو قضية البعث وما يدور حوله سواء ثبوت البعث، ما يقع في البعث، ما يكون مآل الكفار، ما يكون مآل المؤمنين كله مرتبط بقضية البعث. هذا أحد أسباب حرص النبي في قراءتها في صلاة الفجر يوم الجمعة أو كذلك في الخطبة وفي الأعيد
وقد بدأت السورة باسلوب قسم بالقرآن الكريم الذي يكذب به المجرمون. " ق والقرآن المجيد ".
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها كثيراً في الجمعة والأعياد لأنها تركز على التذكير بالبعث ، ولأن قليل من الناس من يتذكر البعث في حياته غالبا ما يكون لاهيا في الدنيا
فهي إذا تركز على قضية البعث والجزاء فهي تركز على تحقيق هذا البعث وإثباته بالأدلة في مقابل تكذيب الكافرين والمشركين المكذبين بالبعث الذي هو أصل كفرهم وتذكير المؤمنين الغافلين لأن الله تعالى قال فيها:
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
إذا يمكننا أن نستنتج بأن هدف السورة هو اختيار الطريق الى الجنّة أو الطريق النار
يخيّرنا الله تعالى بين أمور عدة علينا أن نحسن الإختيار حتى نفوز في النهاية. وقد عرضت السور والآيات عدة طرق للإختيار منها: طريق إرضاء الله وطريق إغضابه، وطريق الجنة وطريق النار، وطرق النعم وطريق النقم، وطريق الرزق وغيرها والمطلوب منك أيها المسلم المؤمن أن تحسم أمرك وتختار بعد أن عرفت عن كل هذه الإختيارات ما يعينك على حسن الإختيار.
جمع الله تعالى لأصحاب النار العذاب النفسي والعذاب البدني أما أهل الجنة فأكرمهم أيّما تكريم فالجنّة تقرّب إليهم ونعيم الرضى يتلقاهم مع الجنة وأكرمهم بوصفهم بصفات في غاية الروعة (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴿٣٢﴾ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴿٣٣﴾) تحيتهم سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
وفيها تعرض الآيات طريق النار وطريق الجنة عن طريق حوار في الآيات بين الملائكة وأهل النار والعياذ بالله (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ) آية 23 إلى (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) 30. وبينهم وبين أهل الجنة جعلنا الله تعالى منهم (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) آية 31 إلى (لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) 35. ونلاحظ بلاغة التعبير القرآني في قوله تعالى (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) وبين قوله تعالى (وأزلفت الجنة للمتقين) فالنار تقول هل من مزيد دليل على سعة جهنم وأنها تتسع لكل المجرمين والكفار لو ألقوا فيها، أما الجنة فقد أدنيت من المؤمنين المتقين حتى تكون بمرأى منهم زيادة في إكرامهم. فبعد هذا التصوير الدقيق يا ترى ماذا نختار؟؟
وفي السورة أيضاً عرضت الآيات للنوازع الثلاثة التي قد تؤثّر على الإنسان وتؤدي إلى هلاكه:
وتختم الآيات في هذه السورة بتذكرة الناس بالقرآن الكريم لأن فيه التذكرة لمن خاف عذاب الله وأراد أن يتّقيه فينجو بفضل الله تعالى (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) آية 45 .
لاحظوا أن كلمة القلب تكررت فيها مرتين أو ثلاث وكلمة القرآن تكررت فيها مرتين وكلمة الحق تكررت فيها مرتين ليؤكد أن هذه السورة فيها إيقاظ للقلوب وإيصال لها بالقرآن إلى الحق المبين في أمر البعث والجزاء
لأن الأصل في الخطاب أن يكون موجهًا للقلوب فالقرآن الكريم نزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك يجب أن يتلقاه كل مؤمن بقلبه حتى يحصل له التأثر المطلوب وكم نحتاج لتأثر قلوبنا بالقرآن بعد أن طغت عليها المادية وقست فما عادت تعي كلام ربها ولا عادت تتحرك خشية وخشوعًا وخضوعًا لخالقها فتنعكس هذه المشاعر تصديقًا باللسان وعملًا بالجوارح، كم نحتاد لننفض عن قلوبنا أسوار الغفلة ونفتح لها أبواب البصيرة فترى الحقائق واضحة جليّة وتتذكر فتنفعها الذكرى وتسمو بها إلى العلا فتفوز في الدنيا والآخرة.
توجيهات السورة الكريمة للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل داعية يدعو إلى الله سبحانه وتعالى تدعو للصبر والاجتهاد في المداومة على التسبيح واللجوء لله تعالى
قال تعالى :
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ(39)
ثم ختمت هذه السورة العظيمة بما بُدئت به وهو الحديث عن القرآن
قوله تعالى (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) وبداية الآية (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ) فيها تأكيد على معنى ورد في السورة سابقاً في قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)) (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
فانظر أيها الإنسان إلى قدرة ربك وتعرّف عليها من خلال خلقه لك وما في الكون من حولك من آيات من خلال أعظم وسيلة وهي القرآن العظيم. (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) ذكّر بالقرآن لا بغيره من يخاف وعيد. فالأصل الذي تُذكّر به القلوب والذي يعيش الإنسان من أجله ويعيش معه وفيه هو هذا القرآن العظيم كلام الله العظيم القوي القدير سبحانه.