الفقه الميسر ثم فتاوى العثيمين - الصفحة 13 - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

الثقافة الاسلامية صوتيات ومرئيات إسلامية ،حملات دعوية ، أنشطة دينية.

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 12-12-2017, 11:38 AM
  #121
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

الباب الرابع: في حد شارب الخمر،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الخمر وحكمه وحكمة تحريمه:
1 - تعريف الخمر:
الخمر لغة: كل ما خَامَرَ العقل، أي غطاه من أي مادة كان.
وشرعاً: كل ما أسكر سواء كان عصيراً أو نقيعاً من العنب أو غيره، أو مطبوخاً أو غير مطبوخ. والسُّكْر: هو اختلاط العقل، والمُسْكِر: هو الشراب الذي جعل صاحبه سكران، والسكران: خلاف الصاحي.
2 - حكمه:
حكم الخمر التحريم، وكذا سائر المسكرات، فكل مسكر خمر، فلا يجوز شرب الخمر، سواء كان قليلاً أو كثيراً، وشربه كبيرة من الكبائر، والخمر محرمة بالكتاب والسنة والإجماع؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 90].
فالأمر بالاجتناب دليل على التحريم.
ولحديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (كل شراب أسكر فهو حرام) (متفق عليه). وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام) (رواه مسلم). والأحاديث في تحريمها، والتنفير منها، كثيرة جداً تبلغ التواتر.
وقد أجمعت الأمة على تحريمها.
3 - الحكمة في تحريم الخمر:
لقد أنعم الله عز وجل على الإنسان بنعم كثيرة، منها نعمة العقل التي ميزه بها عن سائر المخلوقات، ولما كانت المسكرات من شأنها أن تفقد الإنسان نعمة العقل، وتثير الشحناء والبغضاء بين المؤمنين، وتصد عن الصلاة، وعن ذكر الله، حرمها الشارع، فالخمر خطرها عظيم، وشرها جسيم، فهي مطية الشيطان التي يركبها للإضرار بالمسلمين. قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ) [المائدة: 91].

المسألة الثانية: حد شارب الخمر، وشروطه، وبم يثبت؟
1 - حد شارب الخمر:
حد شارب الخمر الجلد، ومقداره: أربعون جلدة، ويجوز أن يبلغ ثمانين جلدة، وذلك راجع لاجتهاد الإمام، يفعل الزيادة عند الحاجة إلى ذلك، إذا أدمن الناس الخمر، ولم يرتدعوا بالأربعين؛ لحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قصة الوليد بن عقبة: (جلد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سنَّةٌ، وهذا أحب إليَّ) (رواه مسلم)، ولحديث أنس - رضي الله عنه -: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين) (رواه مسلم).
2 - شروط إقامة حد الخمر: يشترط لإقامة الحد على السكران شروط، وهي:
- أن يكون مسلماً، فلا حدَّ على الكافر.
- أن يكون بالغاً، فلا حد على الصبي.
- أن يكون عاقلاً، فلا حد على المجنون، والمعتوه.
- أن يكون مختاراً، فلا حد على المكره والناسي وأمثاله. وهذه الشروط الثلاثة يدل عليها قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه). وقوله صلى الله عنه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة…) الحديث. وقد تقدما مراراً.
- أن يكون عالماً بالتحريم، فلا حد على الجاهل.
- أن يعلم أن هذا الشراب خمر، فإن شربه على أنه شراب آخر، فلا حد عليه.
3 - ما يثبت به حد الخمر:
يثبت حد الخمر بأحد أمرين:
1 - الإقرار بالشرب، كأن يقر، ويعترف بأنه شرب الخمر مختاراً.
2 - البينة، وهي شهادة رجلين عدلين، مسلمين عليه.

المسألة الثالثة: حكم المخدرات والاتجار بها:
1 - حكم المخدرات سوى الخمر:
يقصد بالمخدرات ما يغشي العقل والفكر، ويصيب متعاطيها بالكسل، والثقل، والفتور، من البنج والأفيون والحشيش ونحوها. والمخدرات حرام كيفما كان تعاطيها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (كل شراب أسكر فهو حرام) (البخاري مسلم)، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام…) (مسلم) الحديث، ولعظم خطر هذه المواد المخدرة، وشدة إفسادها، وفتكها بشباب الأمة، ورجالها، وشغلهم عن طاعة ربهم، وجهاد أعدائهم، ومعالي الأمور.
2 - حكم الاتجار بالمواد المخدرة:
ورد النهي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تحريم بيع الخمر، فقد روى جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) (رواه مسلم).
ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) (رزاه أبوداود وأحمد وهو صحيح).
ولذا قال العلماء: إن ما حرم الله الانتفاع به يحرم بيعه، وأكل ثمنه.
ولما كانت المخدرات يتناولها اسم الخمر، فإنَّ النهي عن بيع الخمر يتناول هذه المخدرات شرعاً، فلا يجوز بيعها إذن، ويكون المال المكتسب من الاتجار بها حراماً.

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 13-12-2017, 11:07 AM
  #122
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

الباب الخامس: في حد السرقة،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف السرقة، وحكمها، وحد فاعلها، والحكمة من إقامة الحد فيها:
1 - تعريف السرقة:
السرقة لغة: الأخذ خفية.
وشرعاً: أخذ مال الغير خفية ظلماً من حرز مثله بشروط معينة، على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.
2 - حكم السرقة:
السرقة حرام؛ لأنها اعتداء على حقوق الآخرين، وأخذ أموالهم بالباطل. قد دلَّ على تحريمها الكتاب والسنة والإجماع، وهي من كبائر الذنوب؛ فقد لعن الله صاحبها كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده) (متفق عليه). وغير ذلك من الأحاديث في تحريم السرقة، والتنفير منها.
3 - حدُّ فاعلها:
ويجب على فاعلها الحد، وهو: قطع يده، رجلاً كان أو امرأة؛ لقوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة: 38].
ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقطع السارق في ربع دينار فصاعداً) (البخاري ومسلم)، ولحديث عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: إن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، وفيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها (البخاري ومسلم).
وأجمع المسلمون على تحريم السرقة، وعلى وجوب قطع يد السارق في الجملة.
4 - الحكمة من إقامة حد السرقة:
احترم الإسلام المال، واحترم حق الأفراد في امتلاكه، وحَرَّم الاعتداء على هذا الحق: بسرقة أو اختلاس أو غش أو خيانة أو رشوة، أو غير ذلك من وجوه أكل أموال الناس بالباطل.
ولما كان السارق عضواً فاسداً في المجتمع -إذ لو ترك لسرى شرُّه، وعمَّ خطره وضرره- شرع الإسلام بتر هذا العضو الفاسد؛ عقاباً لهذه اليد على ظلمها وعدوانها، وردعاً لغيره عن اقتراف مثل هذه الجريمة، وصيانة لأموال الناس وحقوقهم.

المسألة الثانية: شروط وجوب حد السرقة:
يشترط لإقامة حد السرقة وقطع السارق الشروط التالية:
1 - أن يكون أخذ المال على وجه الخفية، فإن لم يكن كذلك فلا قطع، فالمنتهب على وجه الغلبة، والمغتصب، والمختطف، والخائن لا قطع عليهم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع) (صححه الألباني).
2 - أن يكون السارق مكلفاً -بالغاً عاقلاً- فلا قطع على الصغير والمجنون؛ لأنه مرفوع عنهما التكليف كما مرَّ، ولكن يؤدب الصغير إذا سرق.
3 - أن يكون السارق مختاراً، فلا قطع على المكره؛ لأنه معذور؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
4 - أن يكون عالماً بالتحريم، فلا قطع على جاهل بتحريم السرقة.
5 - أن يكون المسروق مالاً محترماً، فما ليس بمال لا حرمه له؛ كآلات اللهو والخمر والخنزير والميتة، وكذا ما كان مالاً لكنه غير محترم؛ كمال الكافر الحربي -فإن الكافر الحربي حلال الدم والمال- لا قطع فيه.
6 - أن يبلغ الشيء المسروق نصاباً، وهو ربع دينار ذهباً فأكثر، أو ثلاثة دراهم فضة أو ما يقابل أحدهما من النقود الأخرى، فلا قطع في أقل من ذلك؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً) (رواه مسلم).
7 - أن يكون المال المسروق من حرز مثله، وهو المكان الذي يحفظ فيه المال في العادة، وهو يختلف باختلاف الأموال والبلدان وغير ذلك، ويرجع فيه إلى العرف، فإن سرق من غير حرز، كأن يجد باباً مفتوحاً، أو حرزاً مهتوكاً؛ فلا قطع عليه.
8 - أن تنتفي الشبهة عن السارق، فإن كان له شبهة فيما سرق فلا قطع عليه؛ فإن الحدود تدرأ بالشبهات، فلا قطع على من سرق من مال أبيه، وكذا من سرق من مال ابنه؛ لأن نفقة كل منهما تجب في مال الآخر. ولا يقطع الشريك بالسرقة من مال له فيه شرك. وكذا كل من له استحقاق في مال، فأخذ منه، فلا قطع عليه، لكن يؤدب ويرد ما أخذ.
9 - أن تثبت السرقة عند الحاكم، إما بشهادة عدلين أو بإقرار السارق؛ لعموم قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) [البقرة: 282]. وأما الإقرار فلأن الإنسان غير متهم في الإقرار على نفسه بالإضرار بها.
10 - أن يطالب المسروق منه بماله؛ لأن المال يباح بالبذل والإباحة، فيحتمل إباحة صاحبه له، أو إذنه بدخول حرزه، أو غير ذلك مما يسقط الحد.

المسألة الثالثة: الشفاعة في حد السرقة، وهبة المسروق للسارق:
1 - الشفاعة في حد السرقة: لا تجوز الشفاعة في حد السرقة، ولا في غيره من الحدود، إذا علمه الإمام ووصل الأمر إليه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأسامة بن زيد لما أراد الشفاعة للمرأة المخزومية التي سرقت: (أتشفع في حد من حدود الله؟!) (البخاري ومسلم)
وقد تقدم الكلام على ذلك في أول الحدود.
2 - هبة المسروق للسارق: يجوز هبة الشيء المسروق للسارق، وعفو المسروق منه عنه، قبل رفع الأمر للحاكم. أما إذا وصل إليه فلا؛ لحديث صفوان بن أمية في السارق الذي أخذ رداءه من تحت رأسه، فلما رفع الأمر إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمر بقطعه، قال صفوان: (إني أعفو وأتجاوز). وفي رواية: (قال: يا رسول الله هو له). فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هلاَّ قبل أن تأتيني به) (صححه الألباني).

المسألة الرابعة: كيفية القطع وموضعه:
إذا توافرت الشروط السابق ذكرها، ووجب القطع، قطعت يد السارق اليمنى من مفصل الكف. وبعد القطع تحسم يد السارق بكيِّها بالنار، أو غمسها في زيت مغليّ، أو غير ذلك من الوسائل التي توقف نزف الدم، وتجعل الجرح يندمل، حتى لا يتعرض المقطوع للتلف والهلاك.
فإذا عاد السارق إلى السرقة ثانية، قُطعت رجله اليسرى.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 14-12-2017, 09:47 AM
  #123
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

الباب السادس: في التعزير،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف التعزير، وحكمه، والحكمة منه:
1 - تعريف التعزير:
التعزير لغة: المنع والرد ويأتي بمعنى النصرة مع التعظيم، كما في قوله تعالى: (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) [الفتح: 9]، فإنه يمنع المعادي من الإيذاء. كما يأتي بمعنى الإهانة، يقال: عزره بمعنى أدَّبه على ذنب وقع منه، فهو بذلك من الأضداد. والأصل فيه المنع.
واصطلاحاً: التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.
2 - حكم التعزير:
التعزير واجب في كل معصية لا حدَّ فيها ولا كفارة من الشارع، من فعل المحرمات وترك الواجبات إذا رآه الإمام؛ لحديث أبي بردة بن نيار - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله) (متفق عليه)، ولأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (حبس في تهمة) (حسنه الألباني). وكان عمر - رضي الله عنه - يعزر ويؤدب بالنفي، وحَلْق الرأس وغير ذلك. والتعزير راجع إلى الإمام أو نائبه، يفعله إذا رأى المصلحة في فعله، ويتركه إذا اقتضت المصلحة تركه.
3 - الحكمة من مشروعية التعزير:
شرع التعزير؛ صيانة للمجتمع من الفوضى والفساد، ودفعاً للظلم، وردعاً وزجراً للعصاة وتأديباً لهم.

المسألة الثانية: أنواع المعاصي التي توجب التعزير:
المعاصي التي توجب التعزير نوعان:
1 - ترك الواجبات مع القدرة على أدائها؛ كقضاء الديون، وأداء الأمانات وأموال اليتامى، فإن هذه الأمور ومثلها يعاقب عليها من ترك أداءها حتى يؤديها، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (مطل الغني ظلم) (رواه البخاري).
وفي رواية: (لَيُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته) (حسنه الألباني). اللَّيُّ معناه: المطل
2 - فعل المحرمات؛ كأن يختلي رجل بامرأة أجنبية أو يباشرها في غير الفرج، أو يُقَبِّلها أو يمازحها، وكإتيان المرأة المرأة، ففي هذا وأمثاله التعزير؛ إذ لم يرد فيه عقوبة محددة.

المسألة الثالثة: مقدار التعزير:
لم يقدر الشارع حدّاً معيناً في عقوبة التعزير، وإنما المرجع في ذلك لاجتهاد الحاكم وتقديره لما يراه مناسباً للفعل، حتى إن بعض العلماء يرى أن التعزير قد يصل إلى القتل إذا اقتضت المصلحة، كقتل الجاسوس المسلم، والمفرق لجماعة المسلمين، وغيرهما ممن لا يندفع شرهم إلا بالقتل.

المسألة الرابعة: أنواع العقوبات التعزيرية:
يمكن أن تصنف العقوبات التعزيرية حسب متعلقاتها على النحو التالي:
1 - ما يتعلق بالأبدان، كالجلد والقتل.
2 - ما يتعلق بالأموال؛ كالإتلاف والغرم، كإتلاف الأصنام وتكسيرها، وإتلاف آلات اللهو والطرب وأوعية الخمر.
3 - ما هو مركب منهما؛ كجلد السارق من غير حرز مع إضعاف الغرم عليه، فقد قضى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على من سرق من الثمر المعلق قبل أن يؤويه الجَرِينُ: بالحدِّ وغَرَّمَه مرتين. والجرين: موضع تجفيف التمر.
4 - ما يتعلق بتقييد الإرادة، كالحبس، والنفي.
5 - ما يتعلق بالمعنويات؛ كإيلام النفوس بالتوبيخ، والزجر.
الباب السابع: في حد الحرابة، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الحرابة، وحد المحاربين:
1 - تعريف الحَرَابَة:
لغة: مأخوذ من حَرِبَ حَرَباً أي. أخذ جميع ماله.
وشرعاً: البروز لأخذ مال أو لقتل أو لإرهاب، مكابرة، اعتماداً على الشوكة، مع البعد عن مسافة الغوث، من كل مكلف ملتزم للأحكام، ولو كان ذمياً أو مرتدا.
وتسمى أيضاً: قطع الطريق.
2 - حد الحرابة وعقوبة المحاربين:
الأصل في إقامة الحد على المحاربين وقطاع الطرق وعقوبتهم قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) [المائدة: 33].
وتختلف عقوبة المحاربين وحدُّهم باختلاف الجرائم التي ارتكبوها، وذلك على النحو التالي:
- من قتل منهم وأخذ المال: قتل وصلب، حتى يشتهر أمره، ولا يجوز العفو عنه بإجماع العلماء.
- ومن قتل منهم ولم يأخذ المال: قتل ولم يصلب.
- ومن أخذ المال ولم يقتل: قطعت يده ورجله من خلاف في آن واحد.
- ومن أخاف الناس والطريق فقط، ولم يقتل، ولم يأخذ مالاً، نفي من الأرض وشرد وطورد، فلا يُترك يأوي إلى بلد.
وهذا التفصيل في عقوبتهم مأخوذ من أن (أو) في الآية للتنويع في العقوبة وترتيبها لا للتخيير، وهو مرويٌّ عن ابن عباس رضي الله عنهما (أخرجه الشافعي في مسنده).
المسألة الثانية: شروط وجوب الحد على المحاربين:
يشترط لتطبيق الحد على المحاربين شروط، أهمها:
1 - التكليف: فلا بد من البلوغ والعقل حتى يعدَّ الشخص محارباً، ويقام عليه الحد. فالمجنون والصبي لا يُعَدَّان محاربين، ولا يقام عليهما الحد؛ لعدم تكليف واحد منهما شرعاً.
2 - أن يأتوا مجاهرة، ويأخذوا المال قهراً. فإن أخذوه مختفين فهم سُرَّاق، وإن اختطفوه، وهربوا فهم منتهبون، فلا قطع عليهم.
3 - ثبوت كونهم محاربين، إما بإقرارهم أو بشهادة عدلين، كما في السرقة.
4 - أن يكون المال الذي يؤخذ في حرز، بأن يأخذه من يد صاحبه قهراً، فإن كان المال متروكاً ليس بيد أحد، لم يكن آخذه محارباً.

المسألة الثالثة: سقوط الحد عن المحاربين:
يسقط حد الحرابة إذا تاب الجاني المحارب قبل القدرة عليه وتَمَكُّنِ الحاكم منه، كأن يهرب أو يختفي ثم يتوب؛ لقوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة: 34]، فيسقط ما كان واجباً لله، من النفي عن البلد، وقطع اليد والرجل، وتحتَّم القتل. إلا أن حقوق الآدميين من نفس أو طرف أو مال لا تسقط؛ لأنه حق لآدمي تعلق به فلا يسقط كالدَّين، إلا أن يعفو عنها مستحقها.
أما من تاب بعد القدرة عليه، ورفعه إلى ولي الأمر، فلا يسقط الحد عنه، وإن كان صادقاً في توبته.

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 16-12-2017, 10:05 AM
  #124
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

الباب الثامن: في الردة،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريفها، وشروطها، وحكم المرتد:
1 - تعريف الردة: الردة في اللغة: الرجوع عن الشيء، ومنه الرجوع عن الإسلام.
وفي الاصطلاح: الكفر بعد الإسلام طوعاً بنطق، أو اعتقاد، أو شك، أو فعل.
2 - شروطها: أما شروطها: فالعقل والتمييز والاختيار.
فلا يحكم على مجنون، أو صبي غير مميز، أو مكره بالردة، إذا وقعت منهم.
3 - حكم المرتد: أما حكمه في الدنيا: فهو القتل؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من بَدل دينه فاقتلوه) (البخاري). وينبغي قبل القتل أن يستتاب، ويدعى إلى الإسلام، وأن يضيق عليه ويحبس ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل؛ لحديث اليهودي الذي كان أسلم ثم ارتد. فقال معاذ - رضي الله عنه - لأبي موسى: لا أنزل عن دابتي حتى يقتل، فقتل. وفي رواية: (وكان قد استُتيب قبل ذلك) (أخرجه أبو داود برقم (4355). وقواه الحافظ ابن حجر). ولقول عمر - رضي الله عنه - لما بلغه أن رجلاً كفر بعد إسلامه فضربت عنقه قبل أن يستتاب: (فهلاَّ حبستموه ثلاثاً، فأطعمتموه كل يوم رغيفاً، واستتبتموه، لعله يتوب، أو يراجع أمر ربه. اللهم إني لم أحضر، ولم أرض إذ بلغني) (أخرجه مالك في الموط).
والذي يتولى قتله الإمام أو نائبه؛ لأنه حق لله تعالى فيكون إلى وليِّ الأمر.
ولا يقتل الصبي المميز -ولو قيل بصحة ردته- حتى يبلغ.
وأما حكمه في الآخرة: فقد بَيَّنه الله تعالى في قوله: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 217].

المسألة الثانية: الأمور التي تحصل بها الردة:
والردة تحصل بارتكاب ما يوجبها جداً أو هزلاً أو استهزاءً، كالشرك بالله بجميع أنواعه، وجحود الصلاة وغيرها من أركان الإسلام، وسب الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجحود القرآن الكريم كله أو بعضه، ومن اعتقد أن بعض الناس يجوز له الخروج عن شريعة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كغلاة الصوفية، وكذلك مَنْ ظاهر المشركين وأعانهم على المسلمين، وغير ذلك من أنواع الردة التي تحصل بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام الكثيرة. ومن ذلك: تحكيم القوانين الوضعية ممن يرى أنها أصلح مما جاءت به الشريعة الإسلامية أو أنها مساوية لها.
وعلى هذا فإنه يمكن حصر الأمور التي تحصل بها الردة فيما يلي:
1 - القول: كمن سبَّ الله تعالى أو رسوله أو الملائكة، أو ادعى النبوة، أو ادعى علم الغيب، وكذا الشرك بالله تعالى.
2 - الفعل: كالسجود للصنم والقبر ونحو ذلك، أو إلقاء المصحف، أو تعمد امتهانه، أو مظاهرة المشركين، ومعاونتهم على المسلمين، وغير ذلك.
3 - الاعتقاد: مثل اعتقاد الشريك لله تعالى أو الصاحبة أو الولد، أو اعتقاد حل الزنا أو الخمر، أو اعتقاد أن هدي غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكمل من هديه.
4 - الشك: كأن يشك في حرمة ما أُجمع على حله، أو حل ما أجمع على حرمته، ومثله لا يجهله لكونه نشأ بين المسلمين.

المسألة الثالثة: الأحكام المتعلقة بالردة:
1 - المكره إذا نطق بما يوجب ردته بسبب الإكراه فإنه لا يحكم بارتداده؛ لقوله تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) [النحل: 106].
2 - المرتد يستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل، وقتله للإمام أو نائبه، كما مضى بيان ذلك.
3 - المرتد يمنع من التصرف في ماله، فإنْ أسلم مُكِّنَ من التصرف فيه، وإن مات على ردته أو قتل مرتداً فماله فيءٌ لبيت مال المسلمين؛ لأنه لا وارث له، لأن المسلم لا يرث الكافر، ولا يرثه أحد من الكفار؛ لأنه لا يُقَرُّ على رِدَّته.
4 - المرتد لا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين إذا قتل على ردته.
5 - تحصل توبة المرتد بإتيانه بالشهادتين، لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) (رواه البخاري ومسلم). ومن كانت ردته بسبب جحود شيء من أمور الدين فتوبته إلى جانب الإتيان بالشهادتين: إقراره بما جحد وأنكر، ورجوعه عما كفر به.

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 17-12-2017, 10:29 AM
  #125
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

ثاني عشر: كتاب الأيمان والنذور
ويشتمل على بابين:
الباب الأول: الأيمان،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعريف الأيمان:
الأيمان لغة: جمع يمين، وهو الحَلِف أو القَسَم، وسمي الحلف يميناً؛ لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل واحد منهم بيمينه على يمين صاحبه.
وشرعاً: توكيد الشيء المحلوف عليه بذكر اسم الله، أو صفة من صفاته.

المسألة الثانية: أقسام اليمين:
تنقسم اليمين من حيث انعقادها وعدم انعقادها إلى ثلاثة أقسام:
1 - اليمين اللغو: وهو الحلف من غير قصد اليمين، كأن يقول: لا واللهِ، وبلى واللهِ، وهو لا يريد بذلك يميناً ولا يقصد به قسماً، فهذا يعدُّ لغواً، أو يحلف على شيء يظن صدقه فيظهر خلافه؛ لقوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) [المائدة: 89]. قالت عائشة رضي الله عنها: (أنزلت هذه الآية (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) في قول الرجل: لا والله، وبلى والله، وكلا والله) (أخرجه البخاري). وهذه اليمين لا كفارة فيها، ولا مؤاخذة، ولا إثم على صاحبها.
2 - اليمين المنعقدة: وهي اليمين التي يقصدها الحالف ويصمم عليها، وتكون على المستقبل من الأفعال، وتكون على أمر ممكن، فهذه يمين منعقدة مقصودة، فتجب فيها عند الحِنْث كفارة، لقوله تعالى:
(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) [المائدة: 89].
الحِنْث في اليمين: عدم الوفاء بموجبها.
3 - اليمين الغموس: وهي اليمين الكاذبة التي تهضم بها الحقوق، أو التي يقصد بها الغش والخيانة، فصاحبها يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب، وهي كبيرة من الكبائر، ولا تنعقد هذه اليمين، ولا كفارة فيها؛ لأنها أعظم من أن تكفر، ولأنها يمين غير منعقدة، فلا توجب الكفارة كاللغو. وتجب التوبة منها، ورد الحقوق إلى أصحابها إذا ترتب عليها ضياع حقوق. وسميت هذه اليمين غموساً لأنها تغمس صاحبها في الإثم، ثم في نار جهنم عياذاً بالله. ودليل حرمتها قوله تعالى: (وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النحل: 94]، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس) (رواه البخاري)، ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبَهْت المؤمن،والفرار من الزحف ، ويمين صابرة يقطع بها مالاً بغير حق) (حسَّنه الألباني).
يمين صابرة : وهي اليمين الغموس، وسميت صابرة من الصبر، وهو الحبس والإلزام؛ لأن صاحبها يلزم بها ويحبس عليها، وتكون لازمة له من جهة الحكم.

المسألة الثالثة: كفارة اليمين وشروط وجوبها:
1 - كفارة اليمين: شرع الله عز وجل لعباده كفارة اليمين التي يكون بها تحلة اليمين والخروج منها، وذلك رحمة بهم، قال الله تعالى: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) [التحريم: 2] وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها، فليأتها، وليكفر عن يمينه) (البخاري ومسلم واللفظ لمسلم). وهذه الكفارة تجب على الشخص إذا حنث في يمينه، ولم يَفِ بموجبها.
وكفارة اليمين فيها تخيير وترتيب. فيخيَّر من لزمته بين إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام، أو كسوة عشرة مساكين لكل واحد ثوب يجزئه في الصلاة، أو عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب، فمن لم يجد شيئاً من هذه الثلاثة المذكورة صام ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) [المائدة: 89].
فجمعت كفارة اليمين بين التخيير والترتيب، تخيير بين الإطعام والكسوة والعتق، وترتيب بين هذه الثلاثة وبين الصيام.
2 - شروط وجوب كفارة اليمين:
لا تجب الكفارة في اليمين إذا نقضها الحالف، ولم يف بموجبها، إلا بشروط ثلاثة، وهي:
الشرط الأول: أن تكون اليمين منعقدة، بأن يقصد الحالف عقدها على أمر مستقبل كما مضى بيان ذلك، ولا تنعقد اليمين إلا بالله أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته؛ لقوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) [المائدة: 89].
فدل ذلك على أن الكفارة لا تجب إلا في اليمين المنعقدة، أما من سبق اليمين على لسانه بلا قصد فلا تنعقد يمينه، ولا كفارة عليه.
الشرط الثاني: أن يحلف مختاراً، فمن حلف مكرهاً لم تنعقد يمينه ولا كفارة عليه فيها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
الشرط الثالث: أن يحنث في يمينه، بأن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله، ذاكراً ليمينه مختاراً، أما إذا حنث في يمينه ناسياً أو مكرهاً فلا كفارة عليه للحديث المتقدم.
• الاستثناء في اليمين:
من حلف فقال في يمينه: إن شاء الله، فلا حنث عليه ولا كفارة، إذا نقض
يمينه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حلف فقال: إن شاء الله لم يحنث) (صححه الألباني).
• نقض اليمين والحنث فيها:
الأصل أن يفي الحالف باليمين، لكن قد ينقضه لمصلحة، أو ضرورة. وقد شرع له كفارة ذلك كما سبق. ويمكن تقسيم نقض اليمين، والحنث فيها بحسب المحلوف عليه، على النحو التالي:
1 - أن يكون نقض اليمين واجباً: وذلك إذا حلف على ترك واجب، كمن حلف أن لا يصل رحمه، أو حلف على فعل محرم، كأن يحلف ليشربن خمراً؛ فهنا يجب عليه نقض يمينه، وتلزمه الكفارة؛ لأنه حلف على معصية.
2 - أن يكون نقض اليمين حراماً: كما لو حلف على فعل واجب، أو ترك محرم، وجب عليه الوفاء، ويحرم عليه نقض اليمين؛ لأن حلفه في هذه الحالة تأكيد لما كلف الله به عباده.
3 - أن يكون نقض اليمين مباحاً: وذلك إذا حلف على فعل مباح أو تركه.

المسألة الرابعة: صور لبعض الأيمان الجائزة والممنوعة:
إن اليمين الجائزة هي التي يحلف فيها باسم الله، أو بصفة من صفاته.
كأن يقول: والله أو: ووجهِ الله أو: وعظمته وكبريائه .. ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أدركَ عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب، يحلف بأبيه فقال: (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) (البخاري ومسلم)، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كانت يمين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا، ومقلِّبِ القلوب) (رواه البخاري). وكذلك لو قال: أقسم بالله لأفعلن كذا فهو يمين إن نواها؛ لقوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ) [النحل: 38].
ومن الأيمان الممنوعة:
1 - الحلف بغير الله تعالى، كقوله: وحياتك، والأمانة .. ؛ لحديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (فمن كان حالفاً فيلحلف بالله أو ليصمت) (متفق عليه).
2 - الحلف بأنه يهودي أو نصراني، أو أنه بريء من الله أو من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن فعل كذا ففعله؛ لحديث بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من حلف فقال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً فلن يرجع إلى الإسلام سالماً) (صححه الألباني).
3 - الحلف بالآباء والطاغوت؛ لحديث عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تحلفوا بالطواغي، ولا بآبائكم) (رواه مسلم).
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!



التعديل الأخير تم بواسطة صاحب فكرة ; 17-12-2017 الساعة 10:31 AM
رد مع اقتباس
قديم 18-12-2017, 12:18 PM
  #126
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

الباب الثاني: النذور،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف النذر، ومشروعيته، وحكمه:
1 - تعريف النذر:
النذر لغة: الإيجاب، تقول: نذرت كذا إذا أوجبته على نفسك.
وشرعاً: إلزام مكلف مختار نفسه شيئاً لله تعالى.
2 - مشروعية النذر وحكمه:
النذر مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، كما سيأتي ذكره من الأدلة على ذلك.
وأما حكم النذر ابتداءً فإنه مكروه غير مستحب؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن النذر وقال: (إنه لا يردُّ شيئاً وإنما يستخرج به من الشحيح) (البخاري ومسلم واللفظ لمسلم)، ولأن الناذر يلزم نفسه بشيء لا يلزمه في أصل الشرع، فيحرج نفسه، ويثقلها بذلك، ولأنه مطلوب من المسلم فعل الخير بلا نذر.
إلا أنه إذا نذر فعل طاعة وجب عليه الوفاء به؛ لقوله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) [البقرة: 270]، وقوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) [الإنسان: 7]، ولحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) (رواه البخاري).
فقد مدح الله عز وجل الموفين بالنذر وأثنى عليهم، وأمر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالوفاء به، فدل ذلك على أن النهي المتقدم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما هو للكراهة لا للتحريم، وأن المنهي عنه والمكروه هو ابتداء النذر والدخول فيه، وأما الوفاء به، وإنجازه لمن لزمه فواجب، وطاعة لله سبحانه. والنذر نوع من أنواع العبادة لا يجوز صرفه لغير الله تعالى، فمن نذر لقبر أو وليٍّ ونحوه، فقد أشرك بالله تعالى شركاً أكبر، والعياذ بالله.
المسألة الثانية: شروط النذر، وألفاظه:
1 - شروط النذر: لا يصح النذر إلا من شخص بالغ عاقل مختار، فلا يصح النذر من الصبي، ولا من المجنون والمعتوه، ولا من المكره؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع القلم عن ثلاثة ... ) الحديث، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ ... ) الحديث، وقد تقدما مراراً.
2 - ألفاظ النذر: صيغ النذر وألفاظه أن يقول: "لله عليَّ أن أفعل كذا"، أو: "عليَّ نذر كذا". ونحو ذلك من الألفاظ التي يصرح فيها بذكر النذر.

المسألة الثالثة: أقسام النذر:
1 - النذر الصحيح وغير الصحيح:
ينقسم النذر باعتبار صحته وعدم صحته إلى: صحيح وغير صحيح، أو: جائز وممنوع، أو منعقد وغير منعقد.
فيكون النذر صحيحاً منعقداً واجب الوفاء: إذا كان طاعة وقربة، يتقرب بها الناذر إلى الله تعالى.
ويكون غير صحيح ولا منعقد ولا واجب الوفاء: إذا كان معصية لله تعالى؛ كالنذر للقبور والأولياء أو الأنبياء، أو نذر أن يقتل، أو أن يشرب الخمر، ونحو ذلك من المعاصي، فإن هذا النذر لا ينعقد، ويحرم الوفاء به.
2 - النذر المطلق والمقيد:
أ- النذر المطلق: هو الذي يلتزمه الشخص ابتداءً دون تعليقه على شرط، وقد يقع شكراً لله على نعمة أو لغير سبب، كأن يقول الشخص: لله عليَّ أن أصلي كذا أو أصوم كذا. فيجب الوفاء به.
ب- النذر المقيَّد: وهو ما كان معلقاً على شرط وحصول شىء، كأن يقول: إن شفى الله مريضي، أو قدم غائبي، فعليَّ كذا. وهذا يلزم الوفاء به، عند تحقق شرطه، وحصول مطلوبه.
المسألة الرابعة: أنواع النذر وأحكامه:
ينقسم النذر بحسب الأحكام المترتبة عليه، ولزوم الوفاء به من عدمه، إلى خمسة أنواع:
1 - النذر المطلق: نحو قوله: لله عليَّ نذر. ولم يسم شيئاً، فليزمه كفارة يمين، سواء كان مطلقاً أو مقيداً؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين) (رواه الترمذي برقم (1528)، وقال: حسن صحيح غريب، وضعفه غيره، لكن يؤيده ما رواه أبو داود برقم (3322) بنحوه من حديث ابن عباس، ورجح الأئمة وقفه عليه (انظر: سبل السلام 8/ 42).
2 - نذر اللَّجَاج والغضب: وهو تعليق نذره بشرط يقصد به المنع من فعل شيء أو الحمل عليه أو التصديق أو التكذيب، كقوله: إن كلمتك، أو إن لم أخبر بك، أو إن لم يكن هذا الخبر صحيحاً، أو إن كان كذباً فعليَّ الحج، أو العتق .. ، فهذا النذر خارج مخرج اليمين للحث على فعل شيء أو المنع منه، ولم يقصد به النذر ولا القربة، فهذا يخير فيه بين فعل ما نذره أو كفارة يمين؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كفارة النذر كفارة يمين) (رواه مسلم).
3 - النذر المباح: وهو أن ينذر فعل الشيء المباح، نحو: أن ينذر لبس ثوب أو ركوب دابة .. ونحو ذلك، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا شيء عليه فيه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب، إذا هو برجل قائم فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم، فقال: (مروه، فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه) (رواه البخاري).
4 - نذر المعصية: وهو أن ينذر فعل معصية، كنذر شرب خمر، والنذر
للقبور، أو لأهل القبور من الأموات، وصوم أيام الحيض، ويوم النحر، فهذا النذر لا ينعقد ولا يجب الوفاء به، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) (رواه البخاري)؛ لأن معصية الله لا تباح في حال من الأحوال، ولا يلزمه به كفارة.
5 - نذر التبرر: وهو نذر الطاعة، كنذر فعل الصلاة والصيام والحج، سواء أكان مطلقاً، أم معلقاً على حصول شيء، فيجب الوفاء به إن كان مطلقا، وعند حصول الشرط إن كان معلقاً؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) (رواه البخاري).

المسألة الخامسة: صور من النذر الذي لا يجوز الوفاء به:
إن النذر الذي لا يجوز الوفاء به هو نذر المعصية وهذا يتحقق في صور، منها:
1 - نذر شرب الخمر أو صوم أيام الحيض؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه).
2 - النذر الذي يقع للأموات كأن يقول: يا سيدي فلان، إن رد غائبي، أو عوفي مريضي، أو قضيت حاجتي، فلك من النقد أو الطعام أو الشمع أو الزيت كذا وكذا. فهذا باطل، وهو شرك أكبر والعياذ بالله؛ لأنه نذر للمخلوق، وهو لا يجوز؛ لأن النذر عبادة، وهي لا تكون إلا لله.
3 - إذا نذر أن يسرج قبراً، أو شجرة، لم يجز الوفاء به، ويصرف قيمة ذلك للمصالح؛ لأنه معصية، ولا نذر في معصية؛ للحديث المتقدم.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 21-12-2017, 11:00 AM
  #127
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

ثالث عشر: كتاب الأطعمة، والذبائح، والصيد
ويشتمل على ثلاثة أبواب:

الباب الأول: في الأطعمة،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريفها والأصل فيها:
1 - تعريفها: الأَطْعِمَة جمع طَعَام، وهو ما يأكله الإنسان ويتغذى به من الأقوات وغيرها أو يشربه.
2 - الأصل فيها: تنطلق القاعدة الشرعية في معرفة ما يحل من الأطعمة وما يحرم من قوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام: 145]، ومن قوله سبحانه وتعالى:
(وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف: 157]، ومن قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف: 32]. والمراد بالطيبات: ما تستطيبه النفس وتشتهيه؛ لأن الطعام لما كان يتغذى به الإنسان، فإن أثره ينعكس على أخلاقه، فالطعام الطيب يكون أثره طيباً، والخبيث يكون على الضد من ذلك؛ لذا أباح الله سبحانه الطيب من المطاعم، وحَرَّم الخبيث منها.
فالأصل في الأطعمة الحل، إلا ما حرمه الشارع الحكيم؛ ولذا قال تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) [الأنعام: 119].
وقد جاء هذا التفصيل مشتملاً على أمور ثلاثة:
1 - النص على المباح.
2 - النص على الحرام.
3 - ما سكت عنه الشارع.
وقد بيَّن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك بقوله: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرَّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها) (حسنه النووي).

المسألة الثانية: ما نص الشارع على حله، وإباحته:
والأصل في ذلك والقاعدة: أن كل طعام طاهر لا مضرة فيه فإنه مباح، والأطعمة المباحة على نوعين: حيوانات ونباتات؛ كالحبوب والثمار، والحيوانات على نوعين: برية وبحرية.
أولاً: الحيوان البحري: وهو كل حيوان لا يعيش إلا في البحر؛ كالسمك بأنواعه المختلفة وكذا غيره من حيوانات البحر، إلا ما فيه سُمٌّ فإنه يحرم للضرر، وكذا يحرم من طعام البحر ما كان مستخبثاً مستقذرا كالضفدع، مع ما جاء من النهي عن قتله، وكالتمساح؛ لكونه مستخبثاً، ولأن له ناباً يفترس به. لعموم قوله تعالى: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف: 157] ويجوز أكل الحيوان البحري سواء صاده مسلم أو غيره، وسواء كان له شبه، يجوز أكله في البر أم لم يكن. والحيوان البحري لا يحتاج إلى تذكية؛ لقوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) [المائدة: 96]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ألا إن صيده: ما صيد، وطعامه: ما لفظ البحر) (أخرجه الدارقطني (4/ 270). وانظر تفسير ابن كثير للآية 96 المائدة). ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سأل رجل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا. أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هو الطَّهور ماؤهُ، الحلُّ ميتته) (صححه الألباني).
ثانياً: الحيوان البري: والحلال من الحيوان البري المنصوص عليه يمكن تلخيصه في الآتي:
أ) الأنعام: لقوله تعالى: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) [النحل: 5]، وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) [المائدة: 1]. والمقصود ببهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم.
ب) الخيل: لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم خيبر عن لحوم الحمر، ورخص في لحوم الخيل) (البخاري ومسلم).
ج) الضب: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أُكِلَ الضب على مائدة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) (البخاري ومسلم). وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كلوا فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي) (متفق عليه).
د) الحمار الوحشي: وهو غير المستأنس؛ لحديث أبي قتادة - رضي الله عنه -: أنه رأى حماراً وحشياً فعقره، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هل معكم من لحمه شيء؟) قال: معنا رجله، فأخذها، فأكلها. (متفق عليه)
هـ) الأرنب: لما رواه أنس - رضي الله عنه - أنه أخذ أرنباً، فذبحها أبو طلحة، وبعث بوركها إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقبله. (متفق عليه)
و) الضبع: لما روى جابر - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضبع، فقال: (هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده) (صححه الألباني)، أي: وهو مُحرِم، قال الحافظ ابن حجر: "وقد ورد في حل الضبع أحاديث لا بأس بها" (فتح الباري: (9/ 574)).
ز) الدجاج: لما روى أبو موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: (رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأكل لحم دجاج) (متفق عليه). ويلحق بالدجاج الأوز والبط؛ لأنهما من الطيبات، فتدخل في قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) [المائدة: 4].
ح) الجراد: لحديث عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: (غزونا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبع غزوات أو ستاً، كنا نأكل معه الجراد) (متفق عليه).
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 23-12-2017, 05:33 PM
  #128
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

المسألة الثالثة: ما نص الشارع على تحريمه:
والأصل فيما يحرم من الأطعمة: أن كل طعام نجس مستقذر فيه مضرة، لا يجوز أكله، وذلك على النحو التالي:
1 - المحرمات من الطعام في كتاب الله محصورة في عشرة أشياء وردت في قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) [المائدة: 3].
- أما الميتة: فهي ما مات حتف أنفه، وفارقته الحياة بدون ذكاة شرعية، وحرمت لما فيها من المضرة بسبب الدم المحتقن وخبث التغذية، وتجوز للمضطر بقدر الحاجة، ويستثنى من الميتة: السمك والجراد، فإنهما حلال.
- والدم: المراد به الدم المسفوح، فإنه حرام؛ لقوله تعالى في آية أخرى: (أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا) [الأنعام: 145]، أما ما يبقى من الدم في خلل اللحم، وفي العروق بعد الذبح، فمباح، وكذا ما جاء الشرع بحله من الدم؛ كالكبد والطحال.
- ولحم الخنزير: لأنه قذر، ويتغذى على القاذورات، ولمضرته البالغة، وقد جمع الله عز وجل هذه الثلاثة في قوله: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) [الأنعام: 145].
- وما أهل لغير الله به: أي ذبح على غير اسمه تعالى، وهذا حرام لما فيه من الشرك المنافي للتوحيد؛ فإن الذبح عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى، كما قال عز وجل: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2].
- والمنخنقة: وهي التي تخنق فتموت، إما قصداً أو بغير قصد.
- والموقوذة: هي التي تُضْرَب بعصا أو شيء ثقيل، فتموت.
- والمتردية: هي التي تتردَّى من مكان عال، فتموت.
- والنطيحة: هي التي تنطحها أخرى، فتقتلها.
- وما أكل السبع: هي التي يعدو عليها أسد أو نمر أو ذئب أو فهد أو كلب، فيأكل بعضها، فتموت بسبب ذلك. فما أُدرك من هذه الخمسة الأخيرة، وبه حياة، فذكي، فإنه حلال الأكل؛ لقوله تعالى في الآية المذكورة: (إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) [المائدة: 3].
- وما ذُبح على النصب: وهي حجارة كانت منصوبة حول الكعبة، وكانوا في الجاهلية يذبحون عندها، فهذه لا يحل أكلها؛ لأن ذلك من الشرك الذي حرَّمه الله، كما مضى فيما أُهِل لغير الله به.
ويحرم من الأطعمة أيضاً:
2 - ما فيه مضرة: كالسم، والخمر، وسائر المسكرات والمفتِّرات؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195]، وقوله عز وجل: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء: 29].
3 - ما قطع من الحي: لحديث أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة) (صححه الشيخ الألباني).
4 - سباع البهائم: وهي التي تفترس بنابها -أي تنهش- من حيوانات البر؛ كالأسد والذئب والنمر والفهد والكلب؛ لحديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كل ذي ناب من السباع) (البخاري ومسلم)، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(كل ذي ناب من السباع، فأكله حرام) (مسلم).
5 - سباع الطير: وهي التي تصيد بمخلبها؛ كالعُقاب والباز والصقر والحدأة والبومة، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطيور) (مسلم) والمِخْلَب للطير والسبع كالظفر للإنسان؛ لأن الطائر يخلب الجلد بمخلبه، أي: يقطعه ويمزقه.
6 - ويحرم من الطيور ما يأكل الجيف: كالنسر والرَّخَم والغراب؛ لخبث ما يتغذى به.
7 - يحرم كل حيوان نُدِبَ قتله: كالحية والعقرب والفأرة والحدأة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (خمس من الدواب كلهن فاسق، يقتلن في الحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور) (البخاري ومسلم)، ولكونها مستخبثة مستقذرة.
8 - الحمر الأهلية؛ لما روى جابر: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية) (البخاري ومسلم).
9 - ما يستخبث من الأطعمة: كالفأرة والحية والذباب والزنبور والنحل؛ لقول الله تعالى: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف: 157].
10 - الجلاَّلة: وهي التي أكثر أكلها النجاسة؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكل الجلالة) (صحيح. انظر إرواء الغليل) وسواء في ذلك الإبل والبقر والغنم والدجاج ونحوها، فإذا حبست بعيداً عن النجاسات، وأطعمت الطاهرات، حل أكلها. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يحبسها ثلاثاً إذا أراد أكلها، وقيل: تحبس أكثر من ذلك.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 26-12-2017, 09:42 AM
  #129
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

المسألة الرابعة: ما سكت عنه الشارع:
ما سكت عنه الشارع، ولم يرد نص بتحريمه، فهو حلال، لأن الأصل في الأشياء الإباحة، دل على هذا قوله تعلى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) [البقرة: 29]، وحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيثاً، وتلا: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) [مريم: 64] (أخرجه الحاكم (2/ 375) وصححه، ووافقه الذهبي).

المسألة الخامسة: ما يكره أكله:
يكره أكل البصل والثوم وما كان في معناهما مما له رائحة كريهة؛ كالكراث والفجل، ولا سيما عند حضور المساجد وغيرها من مجامع الذكر والعبادة، لحديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس) (البخاري ومسلم) يعني: شجرة الثوم، وفي رواية: (حتى يذهب ريحها). فإن طَبَخَ هاتين البقلتين حتى يذهب ريحهما، فلا بأس بأكلهما؛ لقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (فمن أكلهما فليمتهما طبخاً) (مسلم). وفي رواية لجابر رضي الله عنهما: (ما أراه يعني إلا نَيئه) (جامع الأصول (8/ 280).

المسألة السادسة: آداب الأكل:
للأكل آداب ينبغي الحرص عليها، وهي:
1 - التسمية عند ابتداء الأكل: لحديث عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنه - قال: كنت غلاماً فى حجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانت يدي تطيشُ في الصَّحْفَة، فقال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يا غلام سَم الله، وكُلْ بيمينك، وكل مما يليك) فما زالت تلك طِعمتي بعد (رواه البخاري ، ومعنى تطيش: تتحرك في نواحي القصعة ولا تقتصر على موضع واحد).
2 - الأكل باليمين: للحديث السابق.
3 - الأكل مما يلي الشخص: للحديث السابق أيضاً، إلا إذا علم أن مُجالسه لا يتأذى، ولا يكره ذلك، فلا بأس أن يأكل حينئذ من نواحي القصعة؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - في قصة الخياط الذي دعا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى طعام، قال أنس: (فرأيته -يعني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتتبع الدباء من حوالي القصعة) (البخاري). أو كان الشخص وحده ليس معه أحد، أو كان الطعام مشتملاً على ألوان متعددة، فيجوز له الأخذ مما ليس أمامه، ما لم يؤذ بذلك أحداً.
4 - الحمد في آخره: لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رُفعت المائدة من بين يديه، يقول: (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مُوَدَّعٍ، ولا مستغنىً عنه ربنا) (رواه البخاري ، ومعنى (غير مودع): غير متروك الطاعة)، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها) (مسلم).
5 - الأكل على السُّفَر: لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (ما أكل نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على خِوَان ولا في سُكُرُّجَة، ولا خُبزَ له مُرَقَّق، قال: فقلت لقتادة: فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على هذه السُّفَرِ) (البخاري).
الخوان: ما يؤكل عليه، وهو المائدة، معرب. والسُّفرة: التي يؤكل عليها أيضاً، سميت كذلك لأنها تبسط إذا أكل عليها. والسكرجة: إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم، وهي فارسية. وربما كان تركه الأكل على الخوان لأنه من عادة العجم يكون على هيئة معينة، وربما يقال ذلك في السكرجة أيضاً
6 - كراهية الأكل متكئاً: لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا
رسول الله كُلْ -جعلني الله فداك- متكئاً، فإنه أهون عليك، فأصغى برأسه حتى كاد أن تصيب جبهته الأرض، قال: (لا، بل آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد) (صححه الأرناؤوط)، ولحديث أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إني لا آكل متكئاً) (البخاري).
7 - عدم عيب الطعام الذي لا يريد أكله: لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (ما عاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه) (البخاري ومسلم).
8 - الأكل من جوانب القصعة وكراهية الأكل من وسط القصعة: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أتي بقصعة من ثريد فقال: (كلوا من جوانبها ولا تأكلوا من وسطها، فإن البركة تنزل في وسطها) (صححه الألباني).
9 - الأكل بثلاثة أصابع، ولعقها بعد الأكل: لحديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: (كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأكل بثلاثة أصابع، ولا يمسح يده حتى يَلْعَقَها) (مسلم).
10 - أكل ما سقط منه أثناء الطعام أو تناثر: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان) (مسلم).
11 - مسح القصعة التي يأكل فيها ولعقها: لقول أنس - رضي الله عنه - في الحديث الماضي: (وأمرنا -يعني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نَسْلُتَ القصعة) يعني: نمسحها، ونتتبع ما بقي فيها من طعام. وفي رواية: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: (إنكم لا تدرون في أيِّه البركة) (مسلم).

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 27-12-2017, 10:11 AM
  #130
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

الباب الثاني: أحكام الذبائح،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معناها، وأنواع التذكية، وحكمها:
1 - تعريف الذبائح:
لغة: الذبائح جمع ذبيحة، بمعنى مذبوحة.
وشرعاً: الحيوان الذي تمت تذكيته على وجه شرعي. والتذكية: هي ذبح -أو نحر- الحيوان البري المأكول المقدور عليه، بقطع حلقومه ومريئه، أو عَقْرِ الممتنع غير المقدور عليه منها. والعَقْرُ معناه: الجرح.
2 - أنواع التذكية: وحيث إن الذبح يراد به الحيوان الذي تمت تذكيته على الوجه الشرعي؛ فإنه من المناسب بيان أنواع التذكية التي تبيح أكل الحيوان،
وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام، كما يتضح من التعريف السالف للتذكية:
أولاً: الذبح: وهو قطع الحلق من الحيوان بشروط.
ثانياً: النحر: وهو قطع لَبَّة الحيوان، وهي أسفل العنق، وهو التذكية المسنونة للإبل؛ لقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2].
ثالثاً: العقر: وهو قتل الحيوان غير المقدور عليه من الصيد والأنعام، بجرحه في غير الحلق واللبة في أي مكان من جسمه؛ لحديث رافع - رضي الله عنه - قال: نَدَّ بعير، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما نَدَّ عليكم فاصنعوا به هكذا) (البخاري ومسلم). نَد: نَفَرَ وذهب على وجهه شارداً
3 - حكم التذكية: حكم تذكية الحيوان المقدور عليه أنها لازمة، لا يحل شيء من الحيوان المذكور بدونها، وذلك بلا خلاف بين أهل العلم؛ لقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة: 3] وغير المذكى ميتة، إلا السمك، والجراد، وكل مالا يعيش إلا في الماء، فيحلُّ بدون ذكاة، كما مضى بيانه في الأطعمة.
المسألة الثانية: شروط صحة الذبح:
تنقسم هذه الشروط إلى أقسام ثلاثة:
1 - شروط تتعلق بالذابح.
2 - شروط تتعلق بالمذبوح.
3 - شروط تتعلق بآلة الذبح.
أولاً: الشروط المتعلقة بالذابح:
1 - أهلية الذابح: بأن يكون الذابح عاقلاً مميزاً، سواء أكان ذكراً أم أنثى، مسلماً أم كتابيا. قال تعالى: (إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) [المائدة: 3]، وهذه الآية في ذبيحة المسلم. وقال تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) [المائدة: 5] وهذه الآية في ذبيحة الكتابي، قال ابن عباس: (طعامهم: ذبائحهم) (رواه البخاري معلقاً، ووصله البيهقي (انظر: فتح الباري 9/ 552 - 553). أما سائر الكفار من غير أهل الكتاب، وكذا المجنون، والسكران، والصبي غير المميز، فلا تحل ذبائحهم.
2 - ألا يذبح لغير الله عز وجل أو على غير اسمه، فلو ذبح لصنم أو مسلم أو نبي لم تحل؛ لقوله تعالى عند ذكر المحرم من الأطعمة: (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) [المائدة: 3].
فإذا توافر هذان الشرطان في الذابح حلت ذبيحته، لا فرق في الذابح بين أن يكون رجلاً أو امرأة، كبيراً أو صغيراً، حراً أو عبداً.
ثانياً: الشروط المتعلقة بالمذبوح:
1 - أن يقطع من الحيوان الحلقوم، والمريء، والودجين. والحلقوم هو مجرى النفس. والمريء هو مجرى الطعام. والودجان هما العِرقان المتقابلان المحيطان بالحلقوم؛ لحديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه، ليس السن والظفر) (البخاري ومسلم). فقد اشترط في الذبح أن يسيل الدم. والذبح بقطع الأشياء المشار إليها من الحيوان. وفي هذا المحل خاصة أسرع في إسالة دمه وزهوق روحه، فيكون أطيب لِلَّحم، وأخف وأيسر على الحيوان. وما أصابه سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، وكذا المريضة، وما وقع في شبكة، أو أنقذه من مهلكة: إذا أدركه وفيه حياة مستقرة -كتحريك يده، أو رجله، أو طرف عينه- فذكاه فهو حلال؛ لقوله تعالى: (إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) [المائدة: 3] أي: فليس بحرام.
وأما ما عجز عن ذبحه في المحل المذكور، لعدم التمكن منه، كالصيد، والنعم المتوحشة، والواقع في بئر ونحو ذلك، فذكاته بجرحه في أي موضع من بدنه فيكون ذلك ذكاة له؛ لحديث رافع بن خديج المتقدم في البعير الذي نَدَّ وشرد فأصابه رجل بسهم، فأوقفه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما ندَّ عليكم فاصنعوا به هكذا) (تقدم تخريجه).
2 - أن يذكر اسم الله عز وجل عند الذبح؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) [الأنعام: 121]، ويسن أن يكبر مع التسمية، لما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأضحية أنه لما ذبحها (سمى وكبَّر) (مسلم).
وفي رواية: أنه كان يقول: (باسم الله، والله أكبر) (مسلم).
ثالثاً: الشرط المتعلق بآلة الذبح:
أن تكون الآلة مما يجرح بحدّه من حديد ونحاس وحجر، وغير ذلك مما يقطع الحلقوم، وينهر الدم، عدا السن والظفر؛ لحديث رافع - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه، ليس السِّنَّ والظُّفْرَ) (تقدم تخريجه). ويدخل في حكم السن والظفر في المنع سائر أنواع العظام، سواء أكانت من آدمي أم غيره.
وسبب المنع من ذلك ما ذكر في الحديث، وتمامه: (وسأحدثكم عن ذلك: أما السنُّ فعظم، وأما الظفر فَمُدَى الحبشة).
أما النهي عن الذبح بالعظام: فلأنها تنجس بالدم، وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تنجيسها؛ لأنها زاد إخواننا من الجن.
وأما الظفر: فللنهي عن التشبه بالكفار (انظر: فتح الباري (9/ 544)

المسألة الثالثة: آداب الذبح:
للذبح آداب ينبغي للذابح التقيد بها، وهي:
1 - أن يحد الذابح شفرته؛ لحديث شداد بن أوس - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، واذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحَة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) (أخرجه مسلم).
2 - أن يُضجع الدابة لجنبها الأيسر، ويترك رجلها اليمنى تتحرك بعد الذبح؛ لتستريح بتحريكها؛ لحديث شداد بن أوس المتقدم قبل قليل. ولحديث أبي الخير أن رجلاً من الأنصار حدثه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أضجع أضحيته ليذبحها، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للرجل: (أَعِنِّي على ضحيتي) فأعانه (قال الحافظ ابن حجر: "رجاله ثقات").
3 - نحر الإبل قائمة معقولة ركبتها اليسرى. والنحر: الطعن بمحدد في اللَّبة، وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر؛ لقوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ) [الحج: 36] أي: (قياماً من ثلاث) (زاد المسير (5/ 432) ومر ابن عمر رضي الله عنهما على رجل قد أناخ بدنته؛ لينحرها، فقال: (ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) (البخاري ومسلم).
4 - ذبح سائر الحيوان غير الإبل: لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) [البقرة: 67]، ولحديث أنس - رضي الله عنه - (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذبح الكبشين اللذين ضحى بهما) (البخاري ومسلم).

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!



التعديل الأخير تم بواسطة صاحب فكرة ; 27-12-2017 الساعة 10:12 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:42 PM.


images