وقد كان ذلك .. فقد اخذ خالي معه نسخة من شهادتي الثانوية ليقدم لي في الجامعة وقد كانت جامعة خاصة لان الجامعات الحكومية هناك لا يقبلو اي احد بسهولة وياخد وقت.. وقبلوني ودفع لي قسطالفصل الاول وارسل لي الاوراق وذهبت للسفارة وحصلت على الفيزا ....
اذكر اخر ايام لي في بلدي ... التي لم اراها مرة ثانية حتى اليوم ..
اذكر دموعي وجدتي وخالتي.. اذكر انني قضيت اياما اجلس تحت شجرة الصنوبر الكبيرة في حديقة بيت جدي ... واودع كل شيء .. مرات بالم .. مرات بحنين .. مرات بارتياح وفرح انني ساترك كل شيء وابتعد...
وارسل لي خالي نقود التذاكر... وودعت جدي الله يرحمه وكانت اخر مرة اراه في حياتي فقد توفي رحمه الله بعدها بفترة.. اذكر انني قبلت يديه المعروقتين بدموعي.. وقبلت راسه الممتلىء بالشيب .. ونظرت لعينيه اللتين تحملان هم الحياة ووجع السنين ...
حضنت جدتي.. كمن يحضن روحه.. اوصتني بالحفاظ على حجابي.. والصلاة والقران.. اوصتني الا اتوه عن ديني بين الغرباء.. اوصتني كثيرا من الوصايا ... وبكت كثيرا وبكيت كثيرا .. كان من اكثر الايام حزنا ........
وفي طريقي للمطار.. طلبت من السائق ان يعرج على مكان .. هو مدرسة اخوتي...
كانت فصولهم لها ابواب بها نوافذ زجاجية... وقفت على الابواب الاثنين لفصليهما كلا على حدة.... كانا اطفالا لا زالو.. فتشت عليهم من طرف النافذة كي لا يرونني... ودعتهم بقلبي وروحي و كل مشاعر الحزن التي يمكن ان يحسها احدهم .. ودعتهم بصمت وانا اتمنى لو اخذهم في حضني.. لو اقبلهم واخبرهم كم انا اسفة.. كم احبهم .. كم كنت اتمنى لو كنت استطيع البقاء معهم .. انهم كاولادي وانهم اغلى ما املك في الحياة...
كانت من احزن لحظات عمري.. كنت كالام التي تودع اطفالها الى المجهول.....
يا الهي هذا الجزء كم يبكيني الان .. حبايبي يا اخوتي... حبايبي يا اغلى من في الكون .. انتم واطفالي الطهر الوحيد المتبقي في هذه الحياة كم احبكم .. كم انا ابكي الان .....

كملي والله ان قلوبنا معك وفضفضي وابكي
وياليت توافقين على هديتي لك اعطيك تكاليف حج

كان اخوتي الفرحة الوحيدة في طفولتي المعذبة ... كنت ارى في ارواحهم الطاهرة ملاذا لروحي المعذبة ... كانا اجمل طفلين اراهما .. كنت اعتني بهم .. واوصلهم للمدرسة في طريقي .. كنت اذهب لاجتماعات الاهالي بدل امي مرات .. كنت امشط شعرهما واطعمهما ..
كنا نلعب سوية في صغرنا .. كانت لدينا قطة .. جميلة جدا .. كانت صديقتنا وكنا نمرح معها .. كانو ينادوني روزا .. كان روزالين صعب بالنسبة لهم على ما يبدو .. اما اخي الاصغر فظل يقول لوزا حتى كبر ... كم كنت احبهم .. كم لا ازال احبهم .. كم افتقدهم واتمنى احتضانهم واخذهم بين ثنايا روحي .. واضمهم لقلبي حيث تجري دماؤهم و يعيشون .. حيث لا يسكن احد مكانهم ... في ركن خاص في قلبي.. خاص بهم فقط .. هم اصبحو رجالا الان .. لكنني لا ازال اراهم اطفالا .. نفس الاطفال الذين كنت العب معهم .. ساتطرق لهم لاخقا
يتبع

واذكر جيدا يومها حين اقلعت الطائرة .. كانت اول مرة اركب فيها الطائرة ... واخذت انظر من النافذة الصغيرة... انظر الى الارض وهي تبتعد وتصغر شيئا فشيئا .... اذكر ان شريط حياتي مر امامي لحظتها .. وانني بكيت بحرقة حتى اتت المضيفة واعطتني حبة مهدئ ظنا منها انني خائفة من الطيران.. نمت بعدها على المقاعد التي جانبي لانها كانت فارغة ....
وصلت بعد ساعات طويلة ... .. واتى خالي لياخذني من المطار .. كانت له زوجة من جنسية تلك البلد.. ولم يكن لديهم ابناء... وصلت لبيتهم وقضيت اول ليلة لي بالنوم من كثرة التعب ..
بعدها بدات الجامعة .. ونزلت الى الدوام .. وكان بيت خالي يتكون من طابقين منفصلين, واحد لهم وواحد للضيوف على ما يبدو ولكنهم كانو يؤجرونه معظم الاوقات ... جلست معهم فترة حتى فرغ الظابق الاسفل وقالت لي زوجة خالي انها تريدني ان اسكن فيه .. وخالي قال انه هكذا افضل لان وجودي يزعجها ولا يريد مشاكل معها بعد كل هذا العمر.. وانا وافقت لانني كنت اشعر بالامتنان الشديد لخالي وكنت ارى انه اقل ما يمكن ان اقدمه له هو ان اوفر عليه المشاكل و الا اتسبب له بوجع الراس.. وفعلا اخذت حاجياتي على قلتها و ذهبت للاسفل .. وعشت في ذلك الطابق .. كان فارغا سوى من سرير وطاولة .. و مراه في الحمام .. وكرسي بلاستيك .. يتبع

أنا أبكي لما قرأت
أعوذ بالله من قسوة البشر ولؤم البشر
وصدق الله عز وجل عندما قال مدحا للحجارة التي تكون في أوقات كثيرة أفضلُ وألينُ وأرقُّ من قلوب البشر

"" ثم قست قلوبكم من بعد ذلك
فهي كالحجرة
أو
أشد قسوة
وإن من الحجارة

لما يتفجر منه الأنهار

وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء

وإن منها لما يهبط من خشية الله ""

يعني الحجارة اللي ماعندها مشاعر في كثير من أحوالها أفضل من قلوب البشر
وألين وألطف

الله يجبر خاطرك روزالين ويعوضك عن أيام البؤس أيام جميلة يقر الله فيها عينك بأبنائك وزوجك

إن الله قريب مجيب

كنت اذهب للجامعة ويعطيني خالي مصروف .. ويقول لي انني يجب ان ابحث عن عمل بعد ان استقر في دراستي لانه لا يستطيع ان يوفر جميع اقساط الجامعة .. وانا وافقت طبعا.. كنت على استعداد لفعل اي شيء للبقاء هناك وانجاح حياتي الجديدة ... كنت وحيدة في الجامعة لم اتعرف على احد رغم وجود اناس من بلدي او عرب بشكل عام .. لكنني كنت اخاف من جميع الناس ولا اثق في احد.. كنت فقط اذهب للمحاضرات في زمنها واخرج حين الانتهاء ولا اجلس في مرافق الجامعة ابدا .. كنت احب الجو البارد الشديد البرودة في ذاك البلد... كان المطر يوقظ حنيني والمي.. كنت في ايام الاحد اذهب الى البحر .. و اجلس على الصخور.. اخذ معي اوراق كثيرة واقلاما ... واجلس واشاهد الامواج من الصباح حتى غروب الشمس.. كنت احيانا ابكي.. واحيانا اكتب رسائل كثيرة كثيرة لاخوتي وارميها في البحر.. كانت هناك قلعة اثرية في شاطئ بعيد بجانب الميناء.. كنت اذهب هناك لانه قلما ياتي اناس هناك .. واستري كوبا من القهوة الحارة ادفئ بها جنباتي المتجمدة .. واجلس حتى المساء.. كنت كمن ليس في وعيه.. كنت فقط انظر بعيدا بعيدا حيث نهاية البحر.. واحيانا ارمق المياه العميقة.. واحيانا الملم حجارة الشاطئ الصغيرة اللامعة واملا بها جيوبي.. ثم اخذها معي للبيت .. كنت احب ان افعل ذلك كل احد حتى لا تتضايق مني زوجة خالي ويتسنى لها الاستمتاع بالاجازة الويكند مع زوجها خالي.. وخالي كان لا يسالني كثيرا سوى عن احوال دراستي و ازا كنت محتاجة للمصروف..
كانت احيانا تمطر الدنيا فلا انتبه .. وابقى تحت المطر حتى تتجمد عظامي.. وتغيب الشمس.. فاعود للبيت.. اتغطى ببطانية واحدة ليس لدي غيرها.. كنت اجوع كثيرا و ابكي كثيرا.. وابرد كثيرا . كنت احس بعظامي تتجمد لكنني لم اجرؤ يوما لطلب مدفاة او بطانية من خالي او المزيد من النقود لاشتري الطعام الكثير الذي يكفيني..لانني كنت لا اريد ان يندم على قرار اخذي عنده او ان تتاثر حياته واقتصادياته بي.. وكنت اعد نفسي انني ساتحسن واشبع واتدفا حين اعمل .. واخذت في البحث عن عمل ..

طبعا كان صعب جدا ان يقبلوني في اي مكان لاعمل لديهم بسبب حجابي.. ولانها كانت احداث 11 سبتمبر حديثة في ذلك الوقت .. فكانو يخافون مني .. بحثت في كل مكان .. في مطاعم الوجبات السريعة في السوبرماركت حتى في اماكن العرب والمسلمين الذين يمتلكون مطاعم للاكل الشرقي ودكاكين الاكل الحلال كما يسمونه .. لكن لم يقبل احد بي لكثرة الباحثين عن عمل .. وظللت ابحث حتى وجدت مطعم وجبات سريعة وافقو ان اعمل في غسل الثحون .. وبدات العمل وكنت اذهب يوميا بعد انتهاء المحاضرات واعمل حتى الساعة الحادية عشرة ليلا .. ثم اعود للبيت احيانا مشيا على الاقدام لاوفر نقود الباص.. واحيانا اشتهي سندويش مما كانو يصنعون في المطعم لكن لا امتلك نقودا كافية لشرائه.. كان خالي يعطيني مصروف ولكنه يا دوب يكفي لمواثلات الجامعو وسندويش واحد للفطور او الغداء .. كما انه اشترى لي كتب الجامعة فلم اقدران اطلب منه اكثر من ذلك ...
اذكر ليلة حزينة .. كنت جائعة جدا وبردانة .. وكان لدي من المصروف ما يكفي فقط للذهاب غدا للجامعة.. اذكر يومها انتي احسست بشعور جهنمي وفكرة جهنمية .. اخذت مصروف الذهاب والعودة من الجامعة وذهبت لكافتيريا قريبة.. كانو يقدمون وجبات العشاء الساخنة.. كان معي ما يعادل 5 دولارات ونصف.. هي فقط كل ما املك في الحياة حتى الغد حتى يعطيني خالي مصروف اليوم الذي بعده .. اذكر والله شعوري حين استريت العشاء.. فخذة دجاج مشوية مع ارز و صحن شوربة ساخن ... كم اكلت بنهم شديد وطلبت المزيد من الخبز لانه كان مجاني.. واخبات منه في جيوبي لاكل في اليوم الثاني اذا جعت.. وعدت الى البيت لسريري البارد وانا اشعر كمن امتلك الحياة والكون باجمعه.. كان شعور الشبع لا يضاهيه شعور في لحظتها ... يتبع

و ذهبت ثاني يوم مشيا على الاقدام للجامعة .. كان مشوار طويل اخذ مني ساعة للوصول وساعة للعودة.. وذهبت للعمل .. الذي كان اقرب من الجامعة بعض الشيء.. ذهبت ايضا مشيا .. وبقيت اعمل حتى اخر الشهر حين اعطوني اول مرتب وقالو لي لا تعودي للعمل نحن نعمل تخغيض في العمالة ... تضايقت جدا ولكنني وجدت عملا اخر بعد ايام بسيطة في سوبر ماركت كبير.. كان العمل كاشير وكانت صاحبة المكان امراة عجوز تركية مسلمة.. قابلتها ووافقت على ان اعمل لديها بشرط الا ادع دراسة الجامعة توثر على التزامي بالعمل.. تعلمت العمل ككاشير بعض الوقت لديهم على يد كاشيرة اخرى ثم سلموني منصة خاصة للكاشير .. كان العمل مرهقا جدا .. كنت اعمل يوميا من الخامسة مساءا حتى الثانية عشرة ليلا وايام الاحد والسبت من السابعة صباحا حتى العاشرة ليلا.. مع ساعة للغداء.. وكانو يقدمون لنا مصروف يومي للغداء في تلك الساعة على ان نستخدمه للشراء من قسم الاطعمة لديهم .. وكان الراتب جيدا جدا .. حسبته بالمليم وكنت احوشه ليكفي حتى ادفع منه قسط الفصل الثاني الذي كان يقترب.. كان يا دوب ليكفي.. بشرط ان يستمر خالي في اعطائي مصروفي اليومي .. واخبرت خالي ووافق ولكنه قال لي لا تخبري زوجتي لانتي اخبرتها انك ستصرفين على كل شيء خاص بك حتى مصروفك اليومي اتقاءا للمشاكل لان الاجانب ليسو مثلنا وعندهم كل انسان يجب ان يعتمد على نفسه ...
يتبع

أختي روزالين أود أن أسألك
هل بقيتي متمسكة بالحجاب على رغم الظروف التي ذكرتها ؟

اكملي
على رغم الالم ارى جمال الكفاح
اه روزا
يحق له الاحتفال والاستمتاع الان
لا تجعلي احد يسرق فرحه ايامك القادمه
لازوجك ولا اهله
عيشي الحب مع اطفالك ومع نفسك
اكملي نقرأ بدمع كما كتبتي ببكاء