وهناك حالات أخرى للطلاق بشرائط خاصة:
-أولاً: التفويض: وهو تمليك الزوج زوجته حق تطليق نفسها منه أو تمليك غيرها هذا الحق بلفظ يفيده كما لو علقه على مشيئته كأن قال:
طلق امرأتي إن شئت. وله حالتان:
أ-قبل العقد: كأن يقول الرجل للمرأة إن تزوجتك فأمر بيدك تطلقين نفسك متى شئت ثم تزوجها كان لها حق تطليق نفسها متى شاءت.(45)
ب-مقارن للعقد: كما لو صدر إيجاب عقد الزواج من المرأة مشروطاً بتفويض الطلاق إليها وقبل الزوج ذلك.
كأن تقول المرأة للرجل تزوجتك على أن أطلق نفسي متى شئت فيجيبها بقوله قبلت. صح العقد ويكون لها حق تطليق نفسها متى شاءت.
-ثانياً: الخلع: بضم المعجمة - وهو مصدر سماعي- ويعني إزالة الزوجية حقيقة.وقد قال الفقهاء: إن العرف خص استعمال الخلع- بالفتح- في إزالة
غير الزوجية وبالضم في إزالة الزوجية.وعرفه بعضهم (46) بأنه إزالة ملك النكاح بلفظ الخلع أو ما في معناه نظير عوض تلتزم به الزوجة.
وقال آخرون (47) هو فرقة بعوض بلفظ طلاق أو خلع كقوله: طلقتك أو خالعتك على كذا فتقبل.
ويحدث عندما ترى الزوجة تعذر الحياة الزوجية وتخاف إن أقامت مع زوجها على هذه الحال إلا تتمكن من إقامة حدود الله تعالى. فجعل لها الشرع أن
تفتدي نفسها بمال تدفعه لزوجها تعويضاً له عما دفعه إليها حتى لا يضار هو الآخر. وهذا الافتداء هو المسمى بالخلع عند جمهور الفقهاء.
وكان ذلك من رحمة الله عز وجل بها فقد تبغض زوجها ولا تجد في المقام معه ما كانت تنشده من المودة والرحمة ففتح له الشرع باباً للخروج من
هذا الحرج وشرع لها الافتداء للتخلص وفك رابطة الزوجية على وجه لا رجعة فيه للزوج إلا برضاها.
فإنه لما جعل الطلاق بيد الرجل إذا كره الزوجة جعل الخلع بيد المرأة إذا كرهت الزوج. وإلى هذا يشير قوله تعالى: )ولا يحل لكم أن تأخذوا مما
ءاتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به, تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد
حدود الله فأولئك هم الظالمون( (48)
كما أن الزوجة تستطيع أن ترفع أمرها إلى القاضي إن تضررت من معاشرة زوجها وعليه (القاضي) أن ينظر في طلبها ويتبين مدى جديته ويحكم لها
إذا كانت المعلومات صحيحة والمسوغات معتبرة شرعاً.
وهكذا نجد أن الشرع الإسلامي يضع الطلاق في يد الرجل ولكنه يفتح مع ذلك نوافذ للمرأة تستطيع منها حل عقد الزواج. فليس هناك-إذاً- تعنت ولا
تحيز للرجل على حساب المرأة كما يظن السذج من الناس. بل وضع للأمور في نصابها.
ثم لحساب من يكون هذا التعنت أو التحيز..! والله عز وجل هو المشرع والكل رجالاً ونساءً عباده وعياله (49) وهو رب الجميع.
ومن المعلوم لدي كل باحث أو دارس أن التشريعات توضع مراعاة للأصل وللطبيعة الغالبة في الإنسان.
ومن الجائز أحياناً أن يكون هناك شذوذ في بعض النساء وبعض الرجال وخروج من هذه القاعدة فنجد من النساء من هن أعقل وأكثر احتياطاً وأشد
حرصاً على المعيشة الزوجية من الرجل الذي قد يكون شاذا متهوراً غير مقدر للعواقب ولكن يكفي أن يكون مثل هذا شاذاً وخروجاً على القاعدة
والأصل حتى لا تبنى عليه التشريعات.
"الاحتمال الثالث: أن يكون الطلاق بيد المرأة وحدها.
ولنناقش هذه الحالة أيضاً بمنطق العقل السليم دون تحيز أو تعنت أو كما يقولون بشكل موضوعي. فنقول:
إن وضع الطلاق في يدها وحدها لا سبيل إليه ولا يصح لأن فيها خسارة مالية للرجل وزعزعة لكيان الأسرة ذاتها.
والمرأة لا تخسر شيئاً بالطلاق بل تربح مهراً جديداً وعريساً جديداً.
وإنما الذي يخسر هو الرجل الذي دفع المهر للمرأة ويقوم بالنفقة على البيت والأولاد وقد دفع من قبل نفقات العرس وثمن أثاث البيت.
فإذا أعطيت المرأة حق الطلاق بمجرد إرادتها سهل عليها أن توقعه متى خاصمت الزوج نكاية به ورغبة في تغريمه لا سيما وهي سريعة التأثر
شديدة الغضب لا تبالي كثيراً بالنتائج وهي في سورة غضبها.
ولنتصور رجلاً اختلف هو وزوجته فإذا هي تطلقه وتطرده من البيت وهو صاحبه والمنفق عليه. فأي منطق هذا..!
ولو جعل الطلاق بيدها لاضطربت الحياة الزوجية ولما قر لها قرار لسرعة تأثرها واندفاعها نحو عواطفها المجبولة عليها. وليس هناك ما يحملها على
التروي والتأني حيث لا تغرم شيئاً.
جاء في جريدة (القبس الكويتية) على لسان امرأة باحثة قانونية (50)
"لا: للعصمة في يد المرأة. ولا أحب أن تكون العصمة في يد أية امرأة حيث عرف النساء بالعاطفة وسرعة الغضب, ويمكن للمرأة أن تحطم حياتها
أمام كلمة لا ترضى عنها. أما الرجل فهو في أشد حالات غضبه يحكم العقل". وشهد شاهد من أهلها.
"الاحتمال الرابع: أن يجعل الطلاق بين الرجل والمرأة.
إن الإسلام لا يمنع أن يتفاهم الرجل والمرأة على الطلاق كما هو الحال في (الخلع) ولكن لا يعلق صحته على اتفاقهما معاً.
ماذا يكون فيما لو أصبح حياة الرجل مع امرأته شقاء فأراد أن توافقه على الطلاق فأبت..!؟
وكثير من النساء يفضلن في مثل هذا الوضع عذاب الرجل وتعاسته على راحته وخلاصه ثم إن المرأة لم تنفق شيئاً على البيت ولا دفعت مالاً
للرجل فلماذا تربط إرادته بإرادتها في إنهاء الحياة الزوجية؟
وكيف نجبره أن يعيش مع امرأة كرهها ثم أبت أن توافق على طلاقها..؟
إن ذلك غير مقبول عقلاً لأن الطلاق شرع علاجاً لاضطراب الحياة الزوجية, فلو جعلنا أمر الطلاق إليهما لما وصلا إلى اتفاق غالباًَ, لأن أحدهما يريد
الفراق والآخر لا يريده فيعمل على الكيد له فتصبح الحياة جحيماً لا يطاق, وهل شرع الطلاق إلا لذلك..؟
ثم إنهما غير متساويين في المسؤولية فأحدهما سيغرم نتيجة وقوع الطلاق والآخر لا يكلف بشي.
إذاً أمر اتفاقهما يكاد يكون مستحيلا.
"الاحتمال الخامس والأخير: جعل الطلاق عن طريق المحكمة.
إن جعل الطلاق عن طريق المحكمة له أضرار بالغة من جهة ولا جدوى له من جهة أخرى كما هو الحال عند الأجانب.
أما أضراره فلما يقتضيه من فضح الأسرار الزوجية أمام المحكمة وللمحامين عن الطرفين, وقد تكون هذه الأسرار مخزية, من الخير لأصحابها سترها.
لنتصور أن رجلاً اشتبه في سلوك زوجته وتقدم إلى المحكمة طالباً طلاقها لهذا السبب, كم تكون الفضائح في هذا الموضوع وكم يكون مدى
انتشارها بين الأفراد ولأصدقاء والجيران وبعض الصحف الرخيصة التي تتخذ من مثل هذه القضايا مادة للرواج..؟
وأما عدم جدواه فإن المتتبع لحوادث الطلاق في المحاكم الأجنبية وفي الغرب خاصة يتأكد أن تدخل المحكمة شكلي في الموضوع.
فقل أن تقدمت امرأة أو رجل يطلب الطلاق من المحكمة ثم رفض.
وإن كثيراً من ممثلات السينما يعلن عن رغبتهن في الطلاق من أزواجهن والزواج من آخرين قبل أن يتقدمن إلى المحاكم بهذا الطلب ثم ما تلبث
المحاكم أن تجيبهن إلى طلبهن.
وأبشع من ذلك أن المحاكم في بعض البلاد الغربية لا تحكم بالطلاق إلا إذا ثبت زنى الزوج أو الزوجة.
وكثيراً ما يتواطأ الزوجان فيما بينهما على القذف بهذه التهمة ليفترقا وقد يلفقان شهادات مزورة ووقائع مفتعلة لإثبات الزنى حتى تحكم المحكمة
بالطلاق.
فأي الحالتين أكرم وأحسن وأليق..!؟ أن يتم الطلاق دون فضائح أو يتم مثقلاً بها؟ وبعد. فما لهم لا يعقلون؟
إن الشريعة الإسلامية قد أحكمت سياج الأسرة فأقامتها على التقوى وصانتها بالتبعات الكثيرة على الزوج إذا حل رباطها وجعلت العيبة (51) بين
الزوجين مكفوفة والستر مسبلاً فلا تفضحوا ما حفظته الشريعة ولا تهتكوا ما ستر الله. مع ما في هذا الأمر - أي جعل الطلاق عن طريق المحكمة-
من الحكم على جميع الأزواج بعدم صلاحيتهم لاستعمال حق ملكه الشرع لهم, وأنهم محتاجون لوصاية القضاء عليهم.
بل إن القاضي الذي يفصل في هذا الأمر بين الناس لو احتاج إلى الطلاق لم يكن أهلاُ ليطلق فيحتاج إلى وصاية قاض آخر.
والأنكى من هذا أن الأسباب التافهة التي يقبلها القضاء قد تعددت حتى أصبح قنطرة لكل راغب في الطلاق كما هو الحال في الولايات المتحدة
الأمريكية حيث طلق القضاء المرأة لمجرد قولها إنها تحب الكلاب وزوجها لا يحبها ويكره وجود الكلب نائماً في فراش زوجته.(52)
فانظر إلى شرع الإسلام الحكيم إذ قرر التحكيم بين الزوجين فيما شجر بينهما من خلاف ولكنه قرره في صورة كريمة نبيلة لا تنطوي على شي من
هذه المساوئ والمخازي فقد قرر أن يتألف مجلس التحكيم من حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة أي من رجلين لا يرى كل من الزوجين
غضاضة في الإفضاء إليهما بما في نفسيهما وبأسباب شقاقهما.
وهما من جهة أخرى لا يقلان عن الزوجين في حرصهما على كتمان كل ما يسئ إلى سمعة هذه الأسر المتخاصمة وعدم إذاعته بين الناس لأن
كل ما يسئ إلى سمعتها يسئ إلى سمعة الحكمين لارتباط كليهما بهذه الأسرة برابطة القرابة والرحم.
وفضلاً عن هذا فإن الإسلام أجاز تدخل القضاء في هذه الشئون حينما تدعو إلى ذلك ضرورة ويتوقف على تدخله تحقيق الصالح العام وصالح الأسرة
فأجاز للقضاء أن يطلق في حال إعسار الزوج وعدم قدرته على الإنفاق أو في حال غيبته غيبة طويلة, وحيث يدعو إلى الطلاق اتقاء الضرر والضرار
كما رأينا في الحالات التي يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق. (53)
__________
(45)هذا عند الأحناف.
(46)انظر أحكام الأسرة. د. مصطفى شلبي:522-524.
(47)الخطيب الشربيني في مغني المحتاج:262:3.
(48)سورة البقرة: الآية 229.
(49)قال تعالى: )قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله..(وقال صلى الله عليه وسلم: "الخلق كلهم عيال الله, أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله".
(50)هي السيدة هيفاء الرفيدي. الباحثة القانونية الأولى في وزارة الخارجية الكويتية انظر العدد 2885 تاريخ 27/05/1980م,
(51)المقصود بالعيبة كيل التهم جزافاً ونشر الفضائح أو كل مايعيب.
(52)انظر مقارنات بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية. د. علي علي منصور.
(53)انظر: حقوق الإنسان. د. عبد الواحد وافي.