أخطاء تهدد السعادة الزوجية
تحتاج السعادة الزوجية إلى جهد دؤوب من الزوجين. وقد يفعل الزوجان ذلك، ويبذلان قصارى جهدهما لتحقيق سعادتهما, لكن أخطاء ـ قد تكون صغيرة ـ تذهب بهذا الجهد أدراج الرياح.. وحتى تتجنبي هذه الأخطاء تعرفي عليها:
كثرة التسخط وقلة الحمد
من النساء إذا سئلت عن حالها مع زوجها أبدت السخط وأظهرت الأسى واللوعة, وهذا الخلق يكون حتى مع الزوج إذا أتاها بطعام أو أثاث أو لباس لا يروق لها، بل وتبدأ عملية المقارنة بينها و بين أختها أو جارتها أو صديقتها وهي لا تدري مدى تأثير ذلك على مشاعر الزوج وعلى مكانتها عنده، فعدم القناعة و كثرة التسخط يضيع على الإنسان التلذذ بأي شيٌ في الدنيا و كذلك الحرمان من النعيم في الآخرة.وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه".فكل إنسان يحب أن يرى تقدير إحسانه، وكلمة الشكر أو "جزاك الله خيراً" تغري بمزيد من التفضل والإحسان، وهذا بدوره يزيد المودة بين الزوجين. وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير النساء التي إذا أعطيت شكرت، وإذا حرمت صبرت، تسرك إذا نظرت، وتطيعك إذا أمرت".وليس من الأدب أن يقال في الحياة الزوجية: "لا شكر على واجب"، فعلى فاعل الواجب ألاّ ينتظر الشكر مع الناس، ولكن على الناس أن يشجعوه على ذلك الخلق الطيب بالثناء عليه.وشكر المرأة زوجها والثناء عليه في حضوره وفي غيابه يزيده إعزازاً لها، وفي كتمان الشكر جحود ودخول في كفر النعم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن: "أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء، قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان. لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً قالت: لم أر منك خيراً قط".فليعلم كلا الزوجين أن كلمات الشكر والتقدير بينهما تؤثر على أبنائهما فيعتادونها في البيت وخارجه عند تقديم أي كلمة طيبة أو مساعدة لهم من أحد، فاعتياد التقدير وشكر الصنيع عادة تتكون داخل البيت وتمتد إلى كل مسائل الحياة.
المــن!
من النساء من
تقوم على خدمة زوجها وأهله، وتقدم كل ما تستطيع تقديمه مادياً ومعنويا،ً ثم بعد ذلك تمن على زوجها وتذكره بأياديها السالفة وأفضالها؛ فتؤذيه بذلك.ولقد نهى الله عز وجل عن المن في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى...} (البقرة/264).وجاء في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" (رواه مسلم).وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لا يتم المعروف إلا بثلاث: بتعجيله وتصغيره وستره، فإذا عجّله هنَّأه، وإذا صغّره عظّمه، وإذا ستره تممه".وقد يسوغ المن في حالتين فقط، هما المعاتبة والاعتذار، قال ابن حزم رحمه الله: "حالان يحسن فيهما ما يقبح في غيرهما، وهما المعاتبة والاعتذار، فإنه يحسن فيهما تعديد الأيادي وذكر الإحسان، وذلك غاية القبح في ما عدا هاتين الحالتين".وعلى هذا يسوغ للزوجة إذا احتاجت إلى عتاب زوجها أو الاعتذار إليه أن تذكره بشيء من أياديها، لا على سبيل المنة والإذلال، وإنما لتذكره بما له عندها من المنزلة والتقدير.
إفشاء الأسرار
كلا الزوجين مطالب بكتمان أسرار زوجه وبيته، وهذا أدب عام حث عليه الإسلام ورغب فيه، سواء كانت تلك الأسرار خاصة بالعلاقة الزوجية أو بمشكلات البيت، فخروج المشكلة خارج البيت يعني استمرارها واشتعال نارها، خصوصاً إذا نقلت إلى أهل أحد الزوجين حيث لا يكون الحكم عادلاً – في الغالب – لأنهم يسمعون من طرف واحد، وقد تأخذهم الحمية تجاه ابنهم أو ابنتهم.أما بالنسبة للعلاقة الخاصة بين الزوجين فيجب أن تكون لها حرمتها، وقد حذر الرسول – صلى الله عليه وسلم – تحذيراً شديداً من إفشاء تلك العلاقة، فقال عليه الصلاة والسلام: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها".وعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: "لعل رجلاً يقول ما يفعله بأهله ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها". فأرم القوم – أي سكتوا ولم يجيبوا – فقالت: إي والله يا رسول الله، إنهن ليقلن وإنهم يفعلون. قال: "فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس ينظرون".غير أنه يجوز الحديث عن علاقة الفراش في حالات الضرورة والاستفتاء والعلاج، وكل يقدر بقدره، وحفظ سر الزوج عموماً، وسر الفراش خصوصاً، دليل على صلاح الزوجة وكمال عقلها، قال تعالى : {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفـظ الله} (النساء/43).وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: "يدخل في قوله وجوب كتمان كل ما يكون بينهن وبين أزواجهن في الخلوة، ولا سيما حديث الرفث، فما بالك بحفظ العرض؟".فعسى أن يصل معنى هذه الآية إلى نساء عصرنا اللواتي يتفكهن بإفشاء أسرار الزوجية ولا يحفظن الغيب فيها.
العصيان والإهمال
كثيرة هي تلك الأخطاء التي تهدد السعادة الزوجية وحتى تكوني على بينة من أعداء تلك السعادة، إليك التتمة:
عدم الطاعة
من عظم حق الزوج أوجب الله طاعته، وقد أعلى الرسول – صلى الله عليه وسلم من شأن تلك الطاعة فربط بينها وبين دخول الجنة، حيث قال – صلى الله عليه وسلم – "من صلَّت خمسها وصامت شهرها وصانت فرجها وأطاعت زوجها دخلت الجنة من أي باب شاءت".ولا شك أن الطاعة مجلبة للرضا، كما ورد في الحديث "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة". فيجب على الزوجة أن تطيع زوجها وتحفظه في نفسها وفي ماله، حال حضرته وغيبته، إلا فيما نهى الله عنه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.وطاعة الرجل وموافقته أدوم للمحبة والوئام حتى لو خالف هذا قناعات المرأة أو آرائهـا، غير أنه يمكن تبادل الآراء بين الزوجين حتى يصلا إلى اتفاق فيما يختلفان حوله، وهذا يتطلب مرونة من كلا الطرفين. أما المخالفة للزوج فإنها تولد الشحناء والبغضاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من حور العين: لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا". وعصيان المرأة لزوجها قد يكون عن غير قصد وقد يكون متعمداً، كأن تفعل شيئاً يزعجه أو تخرج بغير إذنه، أو تدخل من لا يرضى الزوج بدخوله في حضوره أو غيبته، أو تصر على العادات والتصرفات التي تضايقه وتزعجه، ولا سيما ما يختص منها بعلاقة الفراش، فعصيان الزوج في هذا الأمر يؤدى إلى لعنة الملائكة، وقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الشأن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل زوجته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح".وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذين في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى".
إهمال الزينة والنظافة
من المؤسف أن نرى كثيرات من النساء يهملن الزينة والتجمل للزوج، وهي لا تعلم أن هذا تقصير فاحش - لاعتقادها ارتفاع الكلفة بينهما ـ والحق أن له أثره السيئ في نفس الزوج، خصوصاً إذا آنس منها التجمل والزينة قبيل خروجها لزيارة قريباتها وصديقاتها! والحقيقة أن التجمل لا يكون إلا للزوج؛ تطييباً لخاطره، وهو واجب عليها وحق له لا يسقط بمرور الوقت.ولا يعني تجمل المرأة لزوجها أن تضيِّع وقتها أمام المرآة، أو تكلِّف الزوج ما لا يطيق بحجة التزين والتجمل، وإنما القصد حثها على النظافة والترتيب، وهو يتناول تسوية الشعر وتنسيق الملابس، وغيرها من الأمور البعيدة عن التصنع والتكلف. وقد جاء في وصية أمامة بنت الحارث لابنتها: "... التفقد لموضع أنفه، والتعهد لموضع عينه، فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، وإن الكحل أحسن الموجود، والماء أطيب الطيب المفقود". ولعل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم ما يحث المرأة على التزين والتجمل لزوجها حيث قال: "ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته" ، وسئل عليه الصلاة والسلام: أي النساء خير؟ قال: "التي تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله".فجمال المرأة وتجملها مدرجة ميل الزوج وافتتانه بها. وقوام الزينة النظافة، فاحذري أن يقع بصر زوجك على شيء يشمئز منه وينفر من وسخ أو رائحة مستكرهة أو شيء من هذا القبيل ، ولكن تجملي لزوجك بتنظيف بدنك وثيابك وشعرك، ولعل في الوضوء والاغتسال ما يطهرك باستمرار، مع ضرورة العناية بنظافة الأسنان، وتقليم الأظفار وحلق العانة، وما إلى ذلك من كل ما يتطلب النظافة من سائر أعضاء البدن.ولعل النظافة للمرأة ألزم لها من الجمال؛ لأن الجمال لا يلبث أن يزول متى زالت نضارة الشباب، أما النظافة فعادة باقية ما بقيت المرأة، ولذا حث عليها الإسلام.والمرأة النظيفة ليست تلك التي تعتني بنظافتها الشخصية وتهمل نظافة بيتها وترتيبه، إذ يجب عليها الاعتناء بنظافة المنزل وجميع ما فيه من الأمتعة والأثاث.وقد أوصت امرأة ابنتها فقال: "يا بنيتي لا تنسي نظافة بدنك وبيتك، فإن نظافة البدن تحبب زوجك إليك ونظافة بيتك تشرح صدرك، وتصلح مزاجك، وتنير وجهك، وتجعلك جميلة ومحبوبة ومكرمة عند زوجك، ومشكورة من أهلك وذويك وأترابك وزائراتك، وكل من يراك نظيفة الجسم والبيت تطيب نفسه ويسر خاطره". بالإضافة إلى ما للنظافة من تأثير في توطيد أركان الصحة والصفاء، وما للقذارة من أثر في جلب الأمراض والشقاء.
التقصير في تربية الأبناء
من واجبات الزوجة: تربية أولادها، والحدب على صغار زوجها إن كان له صغار من غيرها، فالزوجة راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والطفل يتعلم من أمه لغة قومـه ويتعلَّم منها كيف يتحدث في صوت معتدل. فالأم التي تملأ البيت صراخاً إنما تصب في هذا القالب أسلوب أبنائها في الحديث، والأم الصادقة التي تنكر ذاتها من أجل الغير تشوقاً لمرضاة الله تورث أبناءها هذه الصفة، والأم التي تحترم زوجها وتقدر أهل الفضيلة والدين وتتحاشى الرذيلة، تورث هذه العادة أبناءها وبناتها فيشبون على الفضيلة نافرين من الرذيلة.وهكذا فالأم هي معهد التربية الذي يتربى فيه الطفل، وإذا قيل: إن كل عظيم وراءه امرأة، فتلك المرأة أكثر ما تكون هي الأم، فإذا قصرت الأم في القيام بدورها نحو أولادها، أو ألقت بهذا الدور إلى غيرها فسوف تنعكس آثار ذلك على الأولاد، بل وعلى الأسرة بأكملها.فليتفق الزوجان على منهج واحد في التربية، ولكل منهما مجال في سن معينة وفي موقف معين، وعلى كليهما احترام مجال صاحبه وتقديره. ولتقم الأم بدورها في هذا الشأن فتكون قدوة في نفسها؛ حتى تستطيع أن تؤثر في أطفالها.
كتبه : د.وفاء العساف