رحلة (الثّقة) من الخطوبة إلى الزواج
د/ خالد سعد النجار 3/3/1427
01/04/2006
مشكلة الشك والظنون وعدم الثقة بين الزوجين مسألة في غاية الخطورة, فكم من الأسر تفككت أو هي في طريقها إلى ذلك!! وكم من المتاعب والمشاكل التي تواجهها بسبب ضعف أو فقدان الثقة بين الزوجين، الذي يتبعه عادة ازدياد الشك والقلق بينهما، وتفسير التصرفات المعتادة على هذا الأساس!! فالمرأة سواء هنا أو هناك عندما تضعف ثقتها في زوجها تفسر تصرفاته بوجود امرأة أخرى في حياته. بل تبدأ بتفسير تصرفاته وفقاً لهذا الاعتقاد, ومع الوقت تتحول الحياة بينهما إلى جحيم. والرجل في ذلك لا يبتعد كثيراً عن المرأة؛ لأنه هو الآخر إذا ضعفت ثقته في زوجته بدأ بالتضييق عليها ومراقبة كل سلوكياتها، والتدخل في كل خصوصياتها؛ مما يؤدي إلى نفورها منه.
وقد تنهار الثقة بين الزوجين لأسباب منها:
(1) الكذب والمداراة وعدم المصارحة.
(2) كتمان أمور كل واحد منهما عن الآخر، وعدم التشاور.
(3) دخول بعض الوشاة بين الاثنين.
(4) ضعف الالتزام الديني والإيماني.
(5) وجود بعض التقلب في حياة أحدهما أو حياة الاثنين.
(6) الميل لتصديق آخر أكثر من شريك الزوجية.
(7) عدم الحكمة في بعض التصرفات.
(8) عمل أشياء مشكوك في أمرها من أحدهما أو من الاثنين.
والثقة لا تعني الغفلة, ولكنها تعني الاطمئنان الواعي, وأساسه الحب الصادق والاحترام العميق, والصدق ركن أساسي في بناء هذه الثقة.
فعلى كل من الطرفين أن يكون موضوعياً عندما يتعامل مع الآخر, وأن يتحمل المسؤولية الكاملة عن تصرفاته, ولا يحاول إلقاء اللوم أو التبعية على الآخر.. وإذا ارتكب أحد الطرفين خطأ فليعترف به, وعلى كل منهما أن يخصص وقتاً يومياً للحوار مع شريك حياته.
وعلى النقيض يُعدّ الكذب والمداراة وعدم المصارحة من أهم أسباب ضعف الثقة, فالزوجة التي اعتادت الكذب، وعدم الاعتراف بالخطأ تعطي الدليل لزوجها على ضعف ثقته بها وبتصرفاتها، وعدم تصديقها وإن كانت صادقة، والزوج الذي يكذب يعطي الدليل لزوجته كذلك, ولو التزم الزوج وكذلك الزوجة الصدق والمصارحة لخفت المشكلات بينهما.
ومع أن الآراء كلها اجتمعت على أن الصراحة هي قوام الحياة الزوجية السليمة, وأنه لا غنى عنها بأي شكل من الأشكال, كما أنها ضرورية لإيجاد التفاهم وحصول المودة, لكن اختلفت الأقاويل حول مدى الصراحة،
وتعريفها, ومدى علاقتها بالرجولة أو الأنوثة, و أمطلقة هي أم مقيدة؟، واجبة أم مستحبة؟ وما نسبتها بين الزوجين؟ أهي على مستوى واحد أم متفاوتة؟ وكيف تتحول من نعمة إلى نقمة؟
فما من شك أن الصراحة هي أساس الثقة بين الزوجين, وهي العمود الفقري في إقامة دعائم حياة أسرية سليمة خالية من الشكوك والأمراض التي قد تهدد كيان الأسرة بالانهيار, وأنه إذا ارتكزت الحياة الزوجية عليها كانت حياة هادئة هانئة, أما إذا أُقيمت على عدم المصارحة فإنها تكون حياة تعسة, يفقد خلالها كلا الزوجين ثقته بالآخر.
ولكنْ للصراحة حدود, فهي بين الأزواج ليست كما يفسرها بعض الناس بأنها صراحة مطلقة وبلا حدود؛ لأنها بهذا التعريف تُعدّ نقمة وليست نعمة, فقد تؤدي إلى تدمير الأسرة خاصة إذا كان الزوجان ليسا على درجة كافية من التفهم والوعي والثقة المتبادلة, فلا يوجد شيء اسمه صراحة مطلقة خصوصاً في الحياة الخاصة قبل الزواج, وليس من الحكمة أن يصارح أحد الزوجين الآخر بماضيه أو تجاربه الشبابية؛ لأنه حتى وإن غفرت الزوجة لزوجها فإن الزوج لن يغفر لها أبداً, ومن ثم تصبح الصراحة الإيجابية غير إيجابية عند تطبيقها على أرض الواقع, فينبت الشك بين الزوجين، ويبرز عدم الثقة، وتبدأ الأسرة بالانهيار, ومن قال: إنه يجب على الفتاة أن تسرد قصة حياتها على زوجها؟ هل هناك دليل شرعي يحض على ذلك؟ بل على النقيض أمرنا الله بالستر وليس بالفضيحة.
وما دمنا بصدد التحدّث عن مبدأ الصراحة بين الأزواج والزوجات فعلينا أن نتناول الشق الأول من الزواج، ألا وهو (فترة الخطوبة), فيجب على الفتاة ألاّ تنسى أنها ستتزوج من رجل شرقي، وأنه سيظل شرقياً مهما حصل على شهادات أو سافر إلى بعثات، فالشرقي شرقي، ولن تتغير أفكاره مطلقاً تجاه فتاته، وما ينتظر منها من نقاء وصفاء, هنا علينا تحذير الفتاة من التمادي معه في الحديث عن شخص كانت تتوقعه خطيباً، وأُعجبت به ولم تتم الخطوبة، أو قريبا تودّد إليها ولم تصدّه . فحكايات كهذه قد تؤثر في نفسيه الخطيب مما يدفعه إلى فسخ الخطبة قبل إتمام الزواج.
فالرجل الشرقي مهما أُعجب بفتاة ما، وبأفكارها ومبادئها وأسرتها, فلن يرضيه إلاّ أن يكون الأول في حياتها، حتى وإن تم الزواج فستسير الأيام صعبة بين خلافات وشجار وبكاء وتنتهي الأيام ـ المفروض أنها أيام العسل ـ إلى أيام نكد وحزن, وقد لا يضبط انفعالاته، فيصل الحال إلى الضرب والطلاق أحياناً.
وأما الشق الثاني من الزواج (بعد عقد القران) فقد أصبحت زوجته وقرة عينه، فعليكِ بالحذر, وأن تكوني الزوجة المخلصة المحبة, وأن تمدي جسور الصداقة والصراحة مع زوجك, وعليك التزام أوامر دينك, فلا يدخل قريب أو غريب في غيابه, ولا تقابلي أحد الأقارب في السوق مثلاً فتتمشي معه بحجة أنه قريبك، ثم تعودي لتصارحي زوجك, فهذه ليست بالصراحة، هذه لطمة لكبريائه وعزة نفسه، ولكي يحترم زوجك مبادئك وأفكارك, فلابد أن تحترسي لمساحة الحرية والثقة التي منحها لك الزوج, وأن ترجعي عن كل تصرف أحمق فعلته في الماضي.
وحدود الصراحة الزوجية تتمثل في مصارحة كلا الزوجين للطرف الآخر بما لا يضره أو يجرح مشاعره, أما فيما يتعلق بحياة كل منهما الخاصة البعيدة عن المنزل والأسرة والأبناء، كماضيهما أو علاقتهما بأصدقائهما أو أهليهما, فإنه لا يجب فيها المصارحة على الإطلاق, فليس من حقه بعد الزواج أن يطالبها بسرد قصة حياتها, ويطرح عليها الأسئلة التي لن تزيد إلاّ في الفرقة: كمن أحببتِ؟ ومن خطبكِ قبلي؟ ومع من خرجتِ؟ وغيرها من الأسئلة التي هي إنذار ببداية انتهاء هذه العلاقة, كذلك فيما يخص علاقتهما الخاصة مع الأهل والأصدقاء، وذلك لأن للأهل والأصدقاء أسراراً خاصة يجب ألاّ يفشيها أي طرف, لاسيما وأن معرفتها لن تنفع بل ربما تضر بهما وبأهليهما, فلذا على الزوجة التي تريد أن تحافظ على أسرتها, أن تصون سرها، ولا تبوح به لأحد, وبذلك فهي تكسب ثقة زوجها واحترام أهلها في آن واحد.
ومجمل القول: إن الصراحة ضرورية بين الأزواج، وهي الأساس السليم الذي تُبنى عليه الحياة الزوجية, وعدم توفر الصراحة بدرجة كافية بين الأزواج يُعدّ مؤشراً خطيراً لحياتهما معاً؛ إذ يفتح الكتمان باب الكذب والمواربة والمجاملة, وهذا لا يُعدّ نقطة إيجابية في الحياة الزوجية. كذلك من المهم جداً أن تكون للمصارحة الزوجية حدود؛ لأنه وإن كان الزوجان عنصرين يكمل كل منهما الآخر, إلاّ أنهما في النهاية يُعدّان شخصين مختلفين, لكل منهما حياته الخاصة وأسراره التي يجب ألاّ يطلع عليها أحد، خاصة إذا كانت تلك الأسرار لا تتعلق بحياتهما معاً، وإنما بعلاقة كل منهما بأهله وأصدقائه.
منقول