من المعلوم أنّ العلاقة التي تربط الزوجين في المجتمعات التقليدية هي علاقة الودّ والرحمة وقد يُضاف إليها الحبّ في بعض الأحيان. غير أنّ الحبّ يُعدّ عاطفة إضافيّة في العلاقة الزوجية؛ ذلك أنّ عاطفة الود والرحمة التي تربط الزوجين هي علاقة مكتسبة من الزواج بسبب العِشرة، أما الحبّ فهو عاطفة ليست مربوطة بظرف معين وقد تقود -تلك العاطفة - إلى الزواج في الغالب. ومما يجدر ذكره أنّ الحب حينما يكون هو أساس العلاقة الزوجيّة فإنّ ذلك يُنتج أسرة صحيّة ذات أفراد يحبون بعضهم ويحلون مشكلاتهم بالتفاهم لأنّ أساس علاقتهم متين. أما الودّ فهو علاقة ناشئة وفق ظروف ملزمة لطرفين أن يكونا مع بعضهما وبالتالي فهي علاقة معرّضة للتدهور في أي وقت؛ لكنها قد تستمر وتصبح قويّة بفعل عوامل أخرى كوجود أطفال أو بسبب تقدّم العمر في الزوجين.
وانطلاقا من تلك المعطيات فإن ثقافتنا العربية والشرقية تُفرّق بين الزوجة وبين المحبوبة أو الصديقة وتهب لكل واحدة منهما سمات مختلفة تبني عليها علاقة أو علاقات ليست متماثلة، وبالرغم من أن العلاقة مع الزوجة شرعية، ومع الثانية محرمة وغير شرعية، إلا أننا نجد في المجتمعات العربية بعض من يسعون إلى تلك العلاقات المحرمة، غير مكترثين بالمعصية التي يرتكبونها. وقد أشرت في مقالات سابقة إلى اهتمام ثقافتنا الشعبية بالجوانب الجسدية للتعبير عن جمال المرأة لكنها في الوقت نفسه تخلق تناقضات أخرى فيما يتعلق بوظيفة تلك المرأة الجميلة حينما تكون زوجة.
حينما ننظر إلى صورة المحبوبة في الثقافة الشعبية عندنا نجد أن الجمال الجسدي والمرح من أهم السمات المطلوبة في المحبوبة؛ ذلك أنّ الجمال الجسدي شرط أساسي لقيام الحب وبقائه في دائرة العشق، وهي دائرة تقتصر على اللقاءات السريّة أو المعلنة بين المحبوبين لتبادل عبارات الحب وربما المعاشرة الجنسية غير المشروعة في بعض الحالات. وهدف الرجل من هذه العلاقة هو الاستمتاع بجسد المرأة فقط. لكن حينما تتحول تلك المحبوبة إلى زوجة فإنّ الوضع يتغيّر والعلاقة تشوبها بعض المنغّصات وربما يتحول الحب المزعوم إلى نكد وحقد بين الطرفين.
ويرجع السبب في ذلك إلى أنّ الثقافة الشعبية التي أشرنا إليها لا تضع صورة الزوجة التي تكون محبوبة في موضع الجمال الأخلاقي المطلوب، ولكنها تجعله من باب الصدفة المحضة. ومن هنا فإن اجتماع هذين الوضعين يعتبر شيئا مقلقا وربما لا ينسجم مع التكوين الفكري لرجل الثقافة. فالشاب العربي بشكل عام يبحث عن صفات أخلاقية في الزوجة مثل الوفاء والإخلاص وحفظ المال والشرف والقيام بواجبات المنزل وتربية الأبناء على اعتبارات أخلاقية معينة. وهذه السمات يرى أنه يصعب وجودها في المرأة التي تهبه نفسها عبر الهاتف أو عن طريق اللقاءات الجسدية غير الشرعية. والحقيقة أن مفهوم الحب غير واضح المعالم في ذهنه؛ فالحبّ عنده ليس عاطفة خالصة بقدر ما هي عاطفة مرتبطة بالعلاقة الجسدية بالمحبوب.
وللتوضيح يمكن الإشارة هنا إلى قصّة شاب تعرّف على فتاة مصادفة وفرض نفسه عليها وراح يلاحقها وقد منحته الفرصة للتعرّف عليها ثم تطورّت العلاقة إلى مكالمات وادّعاء للحب بين الطرفين حتى صار يمارس معها العلاقة المحرّمة على أمل أن يتزوّجها. وكان يكذب عليها في وعود الزواج بها، ومرّت سنوات عليهما وفي كل مرة يختلق عذرا للتأجيل. وقد تزوج في هذه الفترة من أخرى دون علمها ثم طلق وتزوج أخرى وطلق. واكتشفت محبوبته أمره ولمّا واجهته بالحقيقة وأنه ضيّع عمرها بكذبه اضطر إلى الزواج منها بشروط مذلّة لها منها أن يكون المهر منها وجميع تكاليف الزواج عليها بحيث يعطيها المهر في شيك بلا رصيد وتعلن أمام أهلها أنها حصّلته. والعجيب أنها رضيت بهذه الشروط بسبب الحب كما تقول، وقد فسّرت زواجه وطلاقه من غيرها على أنه حبّ لها ولكن يبدو أنها شعرت بأن عمرها الذي أهدرته مع هذا الشاب يجب أن يثمر عن أي شيء حتى لو كان ذلك الشيء سرابا. وبالفعل تزوجها لكن معاملته لها تغيرت بعد الزواج رغم أنه في السابق كان يدلّلها ويسبغ عليها عبارات الحب والحنان. لقد صار متوحشا يشتمها ولا ينفق عليها ووصل به الأمر أن يضربها إذا اشتد الجدل بينهما.
إن السبب وراء هذا التناقض في السلوك معها قبل الزواج وبعده راجع إلى أن صفات الزوجة في ذهنه مختلفة عن صفات المحبوبة. يكفيه من المحبوبة أن تتزين له وتُضاحكه وتهبه جسدها كيفما شاء؛ أما في حال الزوجة فإنّه يريد امرأة ذات مؤهلات أخرى وهي أن تكون قادرة على تدبير شؤون المنزل والاعتناء بالحياة الزوجية وتربية الأطفال وغير ذلك مما تتطلبه الحياة الزوجية الطبيعية من أمور تحتاج إلى قدرة عقلية ونفسية جيدة.
إن الثقافة بقدر ما تسمح للمحبوبة بأمور معينة تتعلق بالجنس فإنها ترفضها تماما حينما تصدر من الزوجة. فالرجل المتأثر بهذه الثقافة يستمتع بالمحبوبة التي تطلبه للجنس وتتلذذ به ولكنه في الوقت ذاته يصاب بالهلع إن صدر السلوك نفسه من زوجته لأن ذلك يخلق لديه خوفا من عدم إرضاء الزوجة جنسيا ومن ثم فربما يجعلها ذلك تبحث عن سبل أخرى للاستمتاع بالجنس؛ وأكثر ما يخيفه هو أن تبحث عن رجل آخر يكون أكثر طاقة وأكرم وقتا وأرخى جيبا وأحلى كلاما منه!
هذه الأفكار المغلوطة التي تدور في أذهان الرجال هي أفكار تدفع بعض الرجال أن يحرموا زوجاتهم من الكلام الجميل والمعاملة الجنسية المثيرة خوفا أن تتعود على هذا وتتلذذ به فتطالبه فوق ما يقدر عليه أو تبحث عن شخص آخر. فالزوجة في نظرهم يجب ألا تطلب الجنس وأثناء الجنس عليها ألا تُظهر أنها تستمتع به لأن وظيفتها الأساسية هي الحفاظ على البيت وتفريخ الأبناء وليس الاستمتاع بزوجها وشبابها.
يشار إلى أنّ الزوج حينما يحرم زوجته من الدلال ولا يشجعها على التعامل معه بحرية أثناء الجنس فهو بلا شك سيشعر بالفراغ العاطفي والهوة النفسية التي تفصله عن زوجته. وحينما يحسّ هذا الرجل أنه لا يجد التشبع النفسي والجسدي من هذه الزوجة فهو يبرر لنفسه البحث عن غيرها حتى يمارس معها "بالحرام" ما يفتقده في حياته الخاصة. هذا التفكير المشوش هو الذي خلق فكرة "المحبوبة" أو "الصديقة" التي ربما يتعامل معها هذا الرجل بشكل مختلف تماما عما كان يفعله مع زوجته وكأنه شخص آخر.
والعجيب في الأمر أن بعض النساء يقبلن بدور "الصديقة" ويرين في هذا إرضاء لغرورهن كون هذا الرجل فضلهن على زوجته؛ ويعتقدن أنّ هذا انتصارا واضحا لأنوثتهن التي قيست بمنظور مغلوط لم يستطعن من خلاله فهم أنهن لسن سوى سلعة رخيصة كانت فقط متوفرة في وقت الشح.
منقول للفائدة