ألقى الجريدة من يده وقال بحسرة : هكذا هي دائماً..مظلومة !
قلت له : من تعني أيها المحامي ؟
قال بنزق : أعني كل امرأة تعيش في بلادنا !
أخذت الأمر بشيء من الجدية : ومن تراه ظالمها ؟
قال وهو يتأمل بعيداً : المجتمع .. كل المجتمع ..
قلت بتعجب : كل المجتمع ! حتى النساء تظلم النساء ؟
ضحك باستخفاف وقال : أجل .. إن سكوتهن على الظلم أكبر ظلم !
قلت وأنا أشير بإصبعي يميناً ويساراً : عرفنا الظالم ، وعرفنا المظلوم ، ولكننا لم نعرف أين الظلم ؟
قال وهو يعد على أصابعه : سأعطيك بعضاًَ من صور هذا الظلم ، فأستمع جيداً :
أولاً : عنوان الظلم هو كلمة ( حرام ) ، إنها الكلمة التي نصفع المرأة بها كلما رفعت قدماً ووضعت أخرى فإذا أرادت أن ترى الشمس دون غطاء يكتم أنفاسها قلنا : حرام ! وإذا أرادت أن تذهب إلى مشاويرها دون سائق يعيق حريتها ، قلنا : حرام , وإذا أرادت أن تدرس مع زملائها الرجال ، قلنا : حرام ، وإذا قالت : حرام عليكم ، قلنا حرام !
ابتسمت وفتحت ذراعي وكأني أجمع الهواء ، وقلت : كل هذا أولاً ! فما ثانياً؟
قال بحمق وهو يعطي القضية نوعاً من العمق : كيان المرأة . . إنه أهون الأشياء على الرجال ، وهو مستهدف دائماً بالإذلال والإهانة تحت الشعارات الرنانة : ( لم تخلق المرأة لغير المنزل) ، ( أكبر قضية في حياة المرأة ألا تخالط الرجال) ، ( زينة المرأة .. خدمات المرأة.. كلام المرأة.. كل هذا لرجل واحد يسمى : الزوج) ، إن أعلى منزلة أعطاها هؤلاء للمرأة هي أن تكون طيلة حياتها خادمة لرجل !
وأنا أتأمل انفعالاته , كنت أفكر في المفتاح الذي يمكنني أن أتفاهم به مع الأقفال الصدئة التي وقرت في دماغ هذا الرجل ، ثم سألت:
" هل أنت متزوج ؟ "
قال : نعم .
قلت : ولديك أولاد ؟
قال : نعم .
قلت : وزوجتك هل تعمل خارج المنزل ؟
ضحك ، واستبشر واستنفر، وقال : بالتأكيد .. إنها امرأة عصرية منتجة تعمل دوامين ، وقد تكـلَّف أحياناً بمناوبة إضافية ، إنها دكتورة !
سألته : وهل لزوجتك مشاوير أخرى غير العمل ؟
قال : أجل .. إنني فخور بزوجتي ، فهي امرأة منظمة تدير وقتها بكل دقة ، فلا يكاد يومها يخلو من زيارة ، أو تسوق أو اجتماع عام، يمكنك يا سيدي - ببساطة - أن تصفها بكلمتين:امرأة حرة !
قلت وقد اكتملت الخيوط في يدي : إذا كان العمل يستغرق من زوجتك تسع ساعات ويستغرق النوم ثماني ساعات وتستغرق المشاوير والزيارات أربع ساعات فماذا بقي من الوقت لكي تقوم المرأة بدورها في الحياة ؟
قال بتعجب : دورها !! إن التي كزوجتي تؤدي دورها في حياتها على أكمل وجه !
قلت : من وجهة نظرك لو كل النساء أصبحن مثل زوجتك ، فهل ستكتفي كل المؤسسات من الأيدي العاملة ؟
قال بحزم وعزم : بكل تأكيد !
قلت : غير أن هناك مؤسسة ستبقى خاسرة متعطلة تشكو من فقد اليد العاملة المؤهلة ..
قال : ماذا تقصد ؟
قلت : أقصد مؤسسة البيت.. من الذي سيقوم بشؤون البيت ؟
قال وهو يهز رأسه استعداداً لجولة جديدة : فهمت ! يبدو أنك يا سيدي لم تسمع بأن استقدام خادمة أصبح لا يستغرق أكثر من أسبوع !
قلت وعلى وجهي علامات الاستخفاف : إذن فراعية بيتك العامر ، ومربية أجيالك الواعدة ، ونبض الحب والحنان الذي يغمرك وأطفالك ، كل هذا تقوم به خادم ؟
قال : وما الغريب في الأمر ؟
قلت : أما أنا فأحمد الله أن التي تدير بيتي هي بنت ديني وبلدي ، ولا يكاد وقتها بتسع لغير رعاية أبنائها والقيام بشؤون المنزل !
قال محاولاً جر البساط : لو كانت متعلمة لما جلست في البيت لحظة !
قلت : " هذه مقاييسك العوجاء ، غير أن المقياس الذي حافظت عليه زوجتي في أثناء دراستها ، وبعد تخرجها في الكلية هو أنها تتعلم لكي تعلم , ولكي تصلح بنات جنسها، وتربي أطفالها على بصيرة ".شعر صاحبي أن الخطوط بيننا قد تباعدت ، وأن مواصلة الحديث لم تعد مجدية ، فتنحنح وأراد الانصراف ،
فناديته :
متى أزورك أنا وزوجتي ؟
فقال وهو يمضي :
عندما تعود زوجتي إلى المنزل أسألها ، ثم أتصل بك !!
نقلا عن مجلة الأسره
__________________
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم