بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أنا اخترتك
صاحبي، قلبه يكاد يتفجر عاطفة وحناناً، ولكنه لا يستطيع إظهار مشاعره لأي شخص أحبه مع محاولاته العديدة للتغلب على نفسه، وتقدم في ذلك ولكنه تقدم يسير.
رزق بابنه الأولى التي هي باكورة زواجه، أحبها حباً لا يوصف، ولكن لا يستطيع إظهار مشاعره لها، بلغت من العمر أربع سنوات على هذه الحال، ويراها تستعصي عليه أحياناً وتتجاهله أحياناً أخرى، طفح الكيل عنده فأمسكها بيديه مخاطباً لها أمام زوجته: لماذا أنت هكذا؟ أنت قلبي، أنت روحي، أنت حياتي، أنت عمري، أنا أحبك كثيراً، لماذا تتعاملين معي هكذا؟! وجمت الزوجة والإبنة كذلك، انبهر الكل أمام هذه الألفاظ التي لم يبح بها لأحد من الناس، وسكت الجميع، ثم بعد ذلك تغيرت الإبنة تماماً، إنقلبت رأساً على عقب في تعاملها مع أبيها الحنون. كلمات الحب تنسف جبالاً من الحواجز الوهمية التي شيدها الطرف الآخر لغاية في نفسه وتجعله يتعامل بمشاعره الحقيقية التي يكنها ويخفيها.
إن كلمات المودة الموجهة إلى الزوجة تملؤها نشاطاً واندفاعاً لتحقيق كل ما يجول في خاطر الزوج، وتجعلها تضحي بالغالي والنفيس من أجل رضاه.
عندما خرج موسى من مدينة مدين متوجهاً إلى مصر ومر بأرض سيناء ليلاً ضل الطريق فرأى ناراً من بعيد فاندفع نحوها وحده في وقت يهيج فيه وجد المخلوق فناداه الله تعالى {إني أنا ربك، فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى، وأنا اخترتك} هذه الكلمة {وأنا اخترتك} أخذت بقلب موسى عليه السلام، ثم قال هل الله تعالى {فاستمع لما يوحى} فاستمع موسى عليه السلام بقلب ممتلئ بالشوق ثم انهالت بعد ذلك عليه كلمات الود والحب من الله تعالى : {وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني} أي تتربى بحفظي ورعايتي وحبي فأنت في عيني ثم قال سبحانه {واصطنعتك لنفسي} فأنت لي أنا وحدي، وصنعتك صناعة غير طبيعية حباً ومودة.
فتأهب موسى بعد هذا الكلام الذي أخذ بقلبه ولبه من الإله ثم قال سبحانه {اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري، اذهبا إلى فرعون إنه طغى} فانطلق موسى مسرعاً نشطاً إلى فرعون الذي يهابه الصغير والكبير، ولا سلاح مع موسى إلا الحب والتعلق بالله سبحانه.
العين والقلب هاتان الكلمتان إذا تلفظ بهما الحبيب تفرجان الهموم وترفعان الأحزان التي تكالبت على الطرف الآخر وأحاطت به من جميع الجهات.
عندما توجه أشرف قريش، سيد العالمين، رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريش، ودعاهم إلى الله تعالى فكذبوه ونالوا منه بألسنتهم، متهمين إياه بالكذب والشعوذة -السحر- والجنون ثم قاطعوه، فكان صلى الله عليه وسلم من شدة الهم يقطع المسافات الطويلة ماشياً دون شعور إلى أن انتهى إلى الطائف، فردوا عليه أشد الرد ورموه بالحجارة فأدموا قدميه الشريفتين، فخاطبه الله تعالى مواسياً مسلياً {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} أكررها {فإنك بأعيننا} فكانت هذه الكلمات تذهب كل الآلام والأحزان خاصة إذا صاحبها خطاب لقلبه الرحيم مصدر الحب {نزل به الروح الأمين على قلبك} و {ولنثبت به فؤادك}.
فما المانع أن تقول الزوجة عند طلب الزوج وربما في حالة الغضب: لا تفعلي كذا، افعلي كذا فيكون الجواب منها : «من عيوني» «أنت بعيوني» ولا تنس استخدام كلمة «القلب» في التخاطب بين الطرفين.
يقول أحد الشباب بينما كنت في زيارة أحد المجالس، إذ دخل علينا شاب من روّاد هذا المجلس فدخل قلبي، وأحببته كثيراً كان كثير التبسم مع الشباب، دمث الخلق ترى الحيوية تجري في عروقه فتعرفت عليه، فعندما خرجنا معاً، بحت له بكل ما أشعر به تجاهه، وما مرت الأيام إلا وأصبحت أنا أحب الناس إليه، بل لا أبالغ إذا قلت بأنني ملكته. لذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الأسلوب في إشاعة الألفة. قال أنس: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مر رجل، فقال رجل من القوم: يا رسول الله إني لأحب هذا الرجل، قال: هل أعلمته ذلك؟ قال : لا، فقال ثم فأعلمه» (رواه أحمد).
إن إظهار المشاعر من قبل أحد الزوجين للآخر تجعله يسوق قلب الآخر سوقاً عاطفياً ولا يملك الآخر إلا الإستجابة بسرور.
تعرفت على شاب منذ فترة بعيدة لسانه يأسر القلوب، يرحب بأصحابه، أحسن ترحيب إذا رأى صاحبه من بعيد تسمع صوته (هلا، هلا، هلا) مع ابتسامة على محياه، ثم يتبعها بكلمات جميلة، تعرفت على والدته فإذا هي حاملة الراية في حلاوة اللسان، وددت أني لو كنت جزءاً من هذه العائلة السعيدة بارك الله لهم فيها تآلفت قلوب هذه العائلة فبالرغم من زواج أبنائها إلا أنهم أصروا أن يسكنوا في بيت واحد، فبنوا بيتاً كبيراً يسعهم بحمد الله تعالى بعد أن شيّدوا في قلوبهم قصراً من الحب بكلمات المودة.
هذه بعض آثار كلمات المودة والحب التي وصّى الله تعالى بها: {قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم} فقال سبحانه : {التي هي أحسن} أي ينتقي أحسن الكلمات وأجمل الألفاظ.
فهل ينتقي كل من الزوجين أجمل الألفاظ لإظهار المودة والمشاعر بينهما.
منقول