عيناي لم تعودا تدمعان خشيةً.. كيف أسترِدُّ إيمانياتي؟
لقد قرات هذا الموضوع و نقلته لكم
السؤال
أنا طالبة جامعية، في فترة من الفترات كنت أشعر بإيمان عميق في داخلي، كنت أشعر بخشوع شديد في صلاتي وقراءتي للقرآن تصل إلى حد البكاء، ولكن هذا الشعور تغير، أرغب في استرداده، ولكن لا أعرف كيف، مع إنني الآن مواظبة على صلواتي، وأيضا صلوات النوافل وقراءتي للقرآن والأدعية، فأرجو منكم المشورة .
المستشار الدكتور كمال المصري
أختي الكريمة،
اسمحي لي بدايةً أن أطمئنك بأن ما تشعرين به هو شعورٌ طبيعيٌّ ينتاب الإنسان، مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل عمل شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي، فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك" رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وروى الترمذي نحوه وقال: حسن صحيح غريب.
والحمد لله أن فتورك جاء وفق سنته صلى الله عليه وسلم، فأنتِ ما زلتِ – ما شاء الله- محافظةً على الفرائض والنوافل والطاعات والذكر، فلا تقلقي كثيراً لما ترَيْن، فهي حالةٌ طبيعيةٌ تجتاح النفس البشرية وتأخذ وقتها وتمضي إن شاء الله، وستعودين بمشيئته تعالى إلى أفضل مما كنت، بشرط الحفاظ على ما تقومين به من طاعات وعدم الاستسلام لليأس، هذه النقطة الأولى.
أما النقطة الثانية فهي : أظن – أيضاً- أن من أسباب هذا التغير الذي تشعرين به تطورات طرأت في حياتك؛ انشغالات.. مشكلات.. دراسة.. التزامات عائلية. … وما إلى ذلك، فعليك النظر فيما استجدَّ في حياتك وشغلك، وبالتالي قلَّل من تركيزك في طاعاتك، فأثر على شعورك بلذة هذه الطاعات، انظري في هذه المستجدات، حاولي أن تضعيها في حيزها الطبيعي، لا تجعليها تتملك كل تفكيرك ووقتك، وبذلك تستطيعين العودة لتركيزك وخشوعك.
نقطةٌ ثالثةٌ تحدثتُ عنها مراراً وتكراراً في الاستشارات، لا أدري يا أختي لماذا تسلَّل إلى نفوسنا من غير أن نشعر مفهوم النصارى للدين، أو منطق العلمانية في التعامل معه، فغدا ديننا – بحسب مفهوم النصارى – مجموعة صلوات وعبادات وطاعات، ولم يتعدَّ ذلك إلى سلوك ومعاملة وفعل، وأصبحنا – بحسب المنطق العلماني– نقسم حياتنا إلى قسمين: قسم لربنا سبحانه متمثلاً في هذه العبادات والطاعات، وقسم لدنيانا نعيش فيه كيف نشاء!
الناظر لإسلامنا المدقق فيه، يجد كل ذلك مخالفًا لأسسه وقواعده التي بني عليها، عندما يصف ربنا سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم: "وإنك لعلى خلق عظيم"، "فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، ويحثنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بفعله على حسن الخلق، كما وصفه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحشاً، وإنه كان يقول إن خياركم أحاسنكم أخلاقا" رواه البخاري.
عندما يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الرائع حقاً: "تبسمك في وجه أخيك صدقة لك، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلالة لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة" رواه الترمذي وقال: حسن غريب، ورواه ابن حبان في صحيحه.
وعندما يحكي صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخذه فشكر الله له فغفر له" رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، وعندما يأمرنا صلى الله عليه وسلم بالسماحة: "رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى" رواه البخاري وابن ماجه، ويصف المنافق بـ "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"رواه أحمد والبخاري ومسلم.
كل هذا الكم من الأوامر والفضائل "المعاملاتية" هل هي لمجرد العلم، أم هي للممارسة أيضًا؟ وهل لها –إذا ما طبقناها- علاقة بزيادة الإيمان في قلوبنا أم لا؟ لو كانت ليست لها علاقة بالإيمان، فمعذرة، فما فائدتها؟ ولماذا وردت؟ ولماذا حثَّ ديننا عليها وأمر بها؟
أختي الكريمة؛
هذه مشكلة كبرى نحيا فيها.. الدين المعاملة، الدين المعاملة، الدين المعاملة، خذي زادك الإيماني من هذه المعاملات.. ابتسمي في وجوه الناس تزدادي إيمانًا ، أميطي الأذى عن الطريق، وتذكري أن من فعل ذلك وشكر الله غفر الله له، فاشكري الله، واستشعري مغفرة الله لك، عاملي الناس بخلق حسن تكوني بجوار نبيك صلى الله عليه وسلم، كوني سمحةً سهلةً لينةً مع الناس يرتفع إيمانك، تقربي إلى الله بالمعاملة كما تقربت إليه بالطاعة.. أتقني عملك، التزمي في مواعيدك التي تعدين بها.
ولسفيان الثوري رحمه الله قولة جميلة في ذلك: " الكذب منازل، فأعلاها، وأكثرها ضرراً: إخلاف المواعيد"، فلا تستهيني يرحمك الله بكل ما يتعلق بمجتمعك، كوني فرداً نافعاً عاملاً فعالاً فيه، واشتركي في مؤسساته وفعالياته بقوة، وافعلي كل ذلك إرضاءً لله تعالى، واستشعري ذلك الإرضاء بقلبك، كوني طالبةً مجتهدةً، شاركي في الأنشطة الجامعية بأشكالها، ساهمي في المعارض والمؤتمرات والمنتديات، وعندئذ لن تحسي بالتراجع الإيماني، وسيكون ذلك -أيضاً- وسيلةً لزيادة الإيمان.
نقطةٌ رابعةٌ أخيرةٌ أنصحك بها أختي الكريمة: لكل إنسانٍ بعض الطاعات المحببة له في التقرب لله تعالى، أعمالٌ يحبها أكثر من غيرها، ويشعر من خلالها بالقرب من الله أكثر من أعمالٍ أخرى، وتختلف هذه الطاعات من شخصٍ لآخر، كلٌّ حسب نفسيته وطبيعته وفطرته، وأما وأنت في هذه الحالة من الإحساس بالتراجع الإيمانيّ، فأنصحك بالإكثار من الأعمال التي تشعرك بقربك من الله عز وجلّ، إن كانت قراءة القرآن فأكثري من قراءته وفضليها على غيرها من النوافل والطاعات، وإن كانت في قيام الليل فالتزمي ببرنامجٍ مكثفٍ من قيام الليل زائدٍ عن الحد الطبيعي الذي كنت تقومين به، وإن كان السجود فاستزيدي منه وأطيلي، وإن كان التصدق فأنفقي حتى لا تعلم شمالك ما تنفق يمينك، وهكذا.. أكثري من الأعمال المحببة إليك، والتي تزيدك قرباً من الله عز وجلّ، واسأليه سبحانه أن يعيد السكينة والهدوء إلى قلبك، وأن يرجع إليك العين التي لا تمسها النار "عينٌ بكت من خشية الله".
افعلي كلَّ ما سبق.. وبشِّريني بالأخبار والتطورات.. ولا تنسيني من دعواتك من فضلك.
منقوووول
__________________
اللهم أنت ربي ، لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أبوء لك بنعمتك ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، أعوذ بك من شر ما صنعت(البخاري)