خصال الفطرة في الهدي النبوي وأثرها في صحة البدن
الختان بين موازين الطب والشريعة
الختان بكسر الخاء اسم لفعل الخاتن ويسمى به موضع الختن أيضاً ومنه الحديث النبوي [إذا التقى الختانان وجب الغسل] والأقلف من لم يختتن. والقلفة والغرلة بمعنى واحد وهي الجلدة التي تقطع والتي تغطي الحشفة عادة،ويسمى الختان في حق الأنثى " خفضاً ". وختان الرجل هو الحرف المستدير على أسفل الحشفة وأما ختان المرأة فهي الجلدة كعرف الديك فوق الفرج تعرف بالبظر، وهو عضو انتصابي عند المرأة مثل القضيب لكنه صغير الحجم ولا تخترقه قناة البول.
الختان عبر التاريخ:
تشير المصادر التاريخية إلى أن بعض الأقوام القديمة قد عرفت الختان.وفي إنجيل برنابا إشارة إلى أن آدم عليه السلام كان أول من اختتن وأنه فعله بعد توبته من أكل الشجرة ولعل ذريته من بعده تركوا سنته حتى أمر الله سبحانه نبيه إبراهيم عليه السلام بإحيائها.
وقد وجدت ألواح طينية ترجع إلى الحضارتين البابلية والسومرية [3500 ق.م] ذكرت تفاصيل عن عملية الختان ، كما وجدت لوحة في قبر عنخ آمون [2200 ق.م] تصف عملية الختان عند الفراعنة وتشير إلى أنهم طبقوا مرهماً مخدراً على الحشفة قبل الشروع في إجرائها، وأنهم كانوا يجرون الختان لغرض صحي.
واهتم اليهود بالختان واعتبر التلمود من لم يختتن من الوثنيين الأشرار فقد جاء في سفر التثنية: " اختتنوا للرب وانزعوا غرل قلوبكم يا رجال يهوذا وسكان أورشليم ".
أما في النصرانية فالأصل فيها الختان، وتشير نصوص من إنجيل برنابا إلى أن المسيح قد اختتن وأنه أمر أتباعه بالختان، لكن النصارى لا يختتنون .
أما العرب في جاهليتهم فقد كانوا يختتنون اتباعاً لسنة أبيهم إبراهيم. وذكر القرطبي إجماع العلماء على أن إبراهيم عليه السلام أول من اختتن. فقد ورد عن أبي هريرة tأن النبي r قال: " كان إبراهيم أول من اختتن، وأول من رأى الشيب وأول من قص شاربه وأول من استحد " .
وقد فصل ابن القيم في ختان النبي r على ثلاثة أقوال، ويرى أنها كلها تعتمد على أحاديث ضعيفة، أو أنه ليس لها إسناد قائم أو أن في إسنادها عدة مجاهيل مع التناقض الكبير في متونها. فالقول الأول وهو أن النبي r ولد مختوناً، فهو علاوة على ضعف إسناده، فهو يتناقض مع حديث صحيح اعتبر فيه النبي r أن الختان من الفطرة، ذلك أن الابتلاء مع الصبر مما يضاعف أجر المبتلى وثوابه، والأليق بحال النبي r ألا يُسلب هذه الفضيلة. والقول الثاني أن المَلَكَ ختنه حين شق صدره لا يصح له إسناد مطلقاُ، والأرجح القول الثالث وهو أن جده عبد المطلب ختنه على عادة العرب وسماه محمداً وأقام له وليمة يوم سابعه.
الختان في السنة النبوية المطهرة:
دعا الإسلام إلى الختان دعوة صريحة وجعله على رأس خصال الفطرة البشرية، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة t أن النبي r قال: "الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط ".
وجاءت دعوة الإسلام إلى الختان متوافقة مع الحنيفية – ملة إبراهيم عليه السلام-، فكان الختان –كما أورد القرطبي عن عبد الله بن عباس– من الكلمات التي ابتلى بها إبراهيم رَبُّه بهن فأتمهن وأكملهن فجعله إماماً للناس. كما ورد عن النبي r ما يؤكد امتداحه لفعل إبراهيم هذا، فقد ورد عن أبي هريرة t أن النبي r قال: " اختتن إبراهيم بعدما مرت عليه ثمانون سنة، اختتن بالقدوم " رواه البخاري ومسلم، والقدوم آلة صغيرة، وقيل هو موضع بالشام.
وعن موسى بن علي اللخمي عن أبيه قال: " أمر الله إبراهيم فاختتن بقدوم فاشتد عليه الوجع فأوحى الله عز وجل إليه، عجلت قبل أن نأمرك بالآلة، قال: يا رب كرهت أن أؤخر أمرك " أخرجه البيهقي بسند حسن.
وعن شداد بن أوس tأن النبيr قال: "الختان سنة للرجال، ومكرمة للنساء " أخرجه أحمد في مسنده والبيهقي وقال حديث ضعيف منقطع.
وعن كثيم بن كليب عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبي r فقال قد أسلمت فقال النبي r "ألق عنك شعر الكفر واختتن" أخرجه أحمد وأبو داود، وقال السيوطي بضعفه وفي إسناده مجهولان (نيل الأوطار)، وقد أورده ابن حجر في التلخيص ولم يضعفه ولكن برواية: " من أسلم فليختتن ".
الحكم الفقهي في الختان:
يقول ابن القيم : اختلف الفقهاء في حكم الختان، فقال الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد هو واجب، وشدد مالك حتى قال: من لم يختتن لم تجز إمامته ولم تقبل شهادته. ونقل كثير من الفقهاء عن مالك أنه سنة حتى قال القاضي عياض: الاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة، لكن السنة عندهم يأثم بتركها فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض والندب. وقال الحسن البصري وأبو حنيفة: لا يجب بل هو سنة، ونقل عنه قوله: قد أسلم مع رسول الله r الناس: الأسود والأبيض فما فتش أحداً.
وخلاصة القول: ذهب الشافعية وبعض المالكية بوجوب الختان للرجال والنساء. وذهب مالك وأصحابه إلى أنه سنة للرجال، ومستحب للنساء، وذهب أحمد إلى أنه واجب في حق الرجال وسنة للنساء، وذهب أبو حنيفة إلى أنه سنة، لكن يأثم تاركه … ويتابع ابن القيم " ولا يخرج الختان عن كونه واجباً أو سنة مؤكدة، لكنه في حق الرجال آكد لغلظ القلفة ووقوعها على الإحليل فيجتمع تحتها ما بقي من البول، ولا تتم الطهارة -المطلوبة في كل وقت والواجبة في الصلاة- إلا بإزالتها ".
ويقول النووي : " ويجب الختان لقوله تعالى: ] أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً [. ولأنه لو لم يكن واجباً لما كشفت له العورة، لأن كشف العورة محرم، فلما كشفت له العورة دل على وجوبه ".
ويعدد ابن القيم المواضع التي يسقط فيها وجوب الختان: منها " أن يولد الرجل ولا قلفة له، وضعف المولود عن احتماله بحيث يخاف عليه من التلف، وأن يسلم الرجل كبيراً ويخشى على نفسه منه، والموت فلا ينبغي ختان الميت باتفاق الأمة ولأن النبي r قد أخبر أن الميت يبعث يوم القيامة بغرلته غير مختون فليس ثمة فائدة من ختنه عند الموت ".
وهنا يأتي دور الطب إذ يحدد أمراضاً تمنع حاملها من أن يعمد إلى ختانه. منها إصابة الطفل بالتهاب الكبد الإنتاني (اليرقان) أو إصابته بأحد الأمراض النـزفية كالناعور أو نقص الفيتامين ك، أو عندما يكون مصاباً بأحد الأمراض المنتقلة بالجنس كالإفرنجي والإيدز، ففي هذه الحالات يجب معالجة المولود حتى يتم شفاؤه أو إعداده بشكل يكفل سلامته قبل إجراء الختان.
وقد اتفق الجمهور على عدم ثبوت وقت معين للختان، لكن من أوجبه من الفقهاء جعلوا البلوغ "وقت الوجوب" لأنه سن التكليف، لكن يستحب للولي أن يختن الصغير لأنه أرفق به ". وقال النووي باستحباب الختان لسابع يوم من ولادته لما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: " عقَّ رسول الله r عن الحسن والحسين رضي الله عنهما وختنهما لسبعة أيام"، إلا أن يكون ضعيفاً لا يحتمله، فيؤخره حتى يحتمله ويبقى الأمر على الندب إلى قبيل البلوغ، فإن لم يختتن حتى بلوغه وجب في حقه حينئذ.