وقد اختلف الفقهاء في ذلك:
1. فقالت طائفة: لا يجب عليه ذلك فإنه حق له فإن شاء استوفاه وإن شاء تركه بمنزلة من استأجر دارا إن شاء سكنها وإن شاء تركها، وهذا من أضعف الأقوال، والقرآن والسنة والعرف والقياس يرده، أما القرآن فإن الله سبحانه وتعالى قال (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) فأخبر أن للمرأة من الحق مثل الذي عليها فإذا كان الجماع حقا للزوج عليها فهو حق على الزوج بنص القرآن، وأيضا فإنه سبحانه وتعالى أمر الأزواج أن يعاشروا الزوجات بالمعروف ومن ضد المعروف أن يكون عنده شابة شهوتها تعدل شهوة الرجل أو تزيد عليها بأضعاف مضاعفة ولا يذيقها لذة الوطء مرة واحدة ومن زعم أن هذا من المعروف كفاه طبعه ردا عليه والله سبحانه وتعالى إنما أباح للأزواج إمساك نسائهم على هذا الوجه لا على غيره فقال تعالى: (( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )).
2. وقالت طائفة: يجب عليه وطؤها في العمر مرة واحدة ليستقر لها بذلك الصداق وهذا من جنس القول الأول وهذا باطل من وجه آخر فإن المقصود إنما هو المعاشرة بالمعروف والصداق دخل في العقد تعظيما لحرمته وفرقا بينه وبين السفاح فوجوب المقصود بالنكاح أقوى من وجوب الصداق.
3. وقالت طائفة ثالثة: يجب عليه أن يطأها في كل أربعة أشهر مرة واحتجوا على ذلك بأن الله سبحانه وتعالى أباح للمولي تربص أربعة أشهر وخير المرأة بعد ذلك إن شاءت أن تقيم عنده وإن شاءت أن تفارقه فلو كان لها حق في الوطء أكثر من ذلك لم يجعل للزوج تركه في تلك المدة وهذا القول وإن كان أقرب من القولين اللذين قبله فليس أيضا بصحيح فإنه غير المعروف الذي لها وعليها، وأما جعل مدة الإيلاء أربعة أشهر فنظرا منه سبحانه للأزواج فإن الرجل قد يحتاج إلى ترك وطء امرأته مدة لعارض من سفر أو تأديب أو راحة نفس أو اشتغال بمهم فجعل الله سبحانه وتعالى له أجلا أربعة أشهر ولا يلزم من ذلك أن يكون الوطء مؤقتا في كل أربعة أشهر مرة.
4. }الراجح{ وقالت طائفة أخرى: بل يجب عليه أن يطأها بالمعروف كما ينفق عليها ويكسوها ويعاشرها بالمعروف بل هذا عمدة المعاشرة ومقصودها وقد أمر الله سبحانه وتعالى أن يعاشرها بالمعروف فالوطء داخل في هذه المعاشرة ولا بد قالوا وعليه أن يشبعها وطئا إذا أمكنه ذلك كما عليه أن يشبعها قوتا، وكان شيخنا رحمه الله تعالى - ابن تيمية - يرجح هذا القول ويختاره وقد حض النبي على استعمال هذا الدواء ورغب فيه وعلق عليه الأجر وجعله صدقة لفاعله فقال: (( وفي بضع أحدكم صدقة )) ومن تراجم النسائي على هذا الترغيب في المباضعة ثم ذكر هذا الحديث ففي هذا كمال اللذة وكمال الإحسان إلى الحبيبة وحصول الأجر وثواب الصدقة وفرح النفس وذهاب أفكارها الرديئة عنها وخفة الروح وذهاب كثافتها وغلظها وخفة الجسم واعتدال المزاج وجلب الصحة ودفع المواد الرديئة فإن صادف ذلك وجها حسنا وخلقا دمثا وعشقا وافرا ورغبة تامة واحتسابا للثواب فذلك اللذة التي لا يعادلها شيء ولا سيما إذا وافقت كمالها فإنها لا تكمل حتى يأخذ كل جزء من البدن بقسطه من اللذة فتلتذ العين بالنظر إلى المحبوب والأذن بسماع كلامه والأنف بشم رائحته والفم بتقبيله واليد بلمسه وتعتكف كل جارحة على ما تطلبه من لذتها وتقابله من المحبوب فإن فقد من ذلك شيء لم تزل النفس متطلعة إليه متقاضية له فلا تسكن كل السكون ولذلك تسمى المرأة سكنا لسكون النفس إلينا، قال الله تعالى: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها))، ولذلك فضل جماع النهار على جماع الليل ولسبب آخر طبيعي وهو أن الليل وقت تبرد فيه الحواس وتطلب حظها من السكون والنهار محل انتشار الحركات كما قال الله تعالى: (( وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا ))، وقال الله تعالى: (( هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ))، وتمام النعمة في ذلك فرحة المحب برضاء ربه تعالى بذلك واحتساب هذه اللذة عنده ورجاء تثقيل ميزانه.
لكن على ما أعتقد على حسب معلوماتي المتواضعة في حالات الزواج العادية (أي عدم وجود مشاكل سواء كانت نفسية أو مرضية أو غير ذلك) .. أظن والله أعلم أنه لا يحق للزوج عدم مجامعة زوجته أكثر من أربعة شهور وسمعت أنه لو كان مسافر لعمل وما إلى ذلك فمن حق الزوجة أن لا يغيب عنها أكثر من أربعة شهور حتى يشبع غريزتها الجنسية ويعفها عن البحث عنه في مكان اخر ... الا لو أن الزوج تفاهم مع زوجته على الغياب لمدة أكبر وأرتضت ذلك فلا مانع ..