الحياة الجنسية بين الزوجين:
الحياة الجنسية بين الزوجين تشمل نواحي الوجود الإنساني: الروح والنفس والجسد, فتوحد بينها في وظيفة واحدة هي من خير الوظائف الإنسانية . ولذلك كانت المشاركة الجنسية كاملة تامة في "الزواج" لاكتسابها الديمومة والاستمرار, وآثار البقاء من الذرية "من البنين والحفدة" ولن يتحقق هذا بغير الزواج الذي شرعه الله تعالى لعباده.
وشهية الغريزة الجنسية عبارة عن إحساسات بالمثيرات المتعلقة بذلك, وهي تحقق ميول الرجل إلى المرأة, وميول المرأة إلى الرجل. فبالزواج يستمتع كلا الزوجين بشهوة الغريزة الجنسية في حياة ملؤها الحب والمودة والعطف والحنان. والعنصر الثاني الانفعالي من الحياة الجنسية هو الحب. وصدق رسول الله عليه الصلاة والسلام إذ يقول
لم ير للمتحابين مثل النكاح). فالزوجان المتحابان يشعران حين يستيقظان من نشوتهما أنهما قد تجددا وبعثا من جديد. وإن الحب الصادق الذي يتأجج مع لمسات اللقاء الجنسي يفيض عليهما صبغة فريدة من النشوة في السعادة الزوجية.. وعلى هذا فإن العلاقة الجنسية الصرفة بين الزوجين والتي تهمل فيها رابطة الحب الصادق هي علاقة شهوانية بحتة, سرعان ما تندثر آثارها وتنعدم معطياتها, بعكس ما إذا كانت الحياة الزوجية قائمة على المودة والحنو والألفة.
أولا:الممهدات للجنس:
1- المداعبات والكلام: من سنن الإسلام مداعبة الزوجة والمرح معها وملاعبتها, فقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يمزح مع نسائه وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق. وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي فإذا التمسوا ما عنده وجد رجلا.
2- القبلات الحارة بين الزوجين: حديث بلغة الشفاه يترجم عن دفين العواطف ومكنون الأحاسيس وتوقيع أولي على ميثاق الشوق ومعاهدة المحبة, وهمزة وصل بين قلبين متحابين, وقد أولى الإسلام القبلة عناية خاصة فقال عليه الصلاة والسلام
لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة, وليكن بينهما رسول). قيل: وما الرسول يا رسول الله؟ قال: (القبلة والكلام).
فلابد للنتيجة من مقدمة وللغاية من وسيلة وطريقة, وأول طريقة للتجاوب الجنسي السعيد قبلات وكلمات وهمسات ولمسات توحد الرغبة وتهيئ الجسد وتوصل للامتزاج والتجاوب, والعملية الجنسية إذا كان فيها تجاوب وتوافق حجبت كل ما يقف في طريق الحياة الزوجية من عقبات وذللت كل صعب وسارت سفينة الحياة الزوجية ثابتة وسط الأنواء والأعاصير.
أما إذا انعدم التجاوب جدت المشاكل ووجدت المشاكسات والمنازعات وكثرت المشاحنات والاضطرابات لا سيما في بدء الحياة الزوجية, فكم من أسر تقوضت لأن التوافق الجنسي معدوم بين الزوجين أو لأن معاشرتهما الجنسية قائمة على الفوضى وعدم الانسجام, فلا وسائل ولا مقدمات بل قسر وتوحش واغتصاب وأنانية, يقضي الرجل وطره من زوجته ويتركها قبل أن تقضي وطرها منه مخالفا بذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام
إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها, ثم إذا قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها). وقد قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المواقعة قبل الملاعبة), والقبلة الزوجية عند الفراق ولدى اللقاء ليست وليدة المدنية الحاضرة, ولا نابعة من عادات الغرب, فقد قالت عائشة رضي الله عنه
كان رسول الله عليه الصلاة والسلام ينال مني القبلة بعد الوضوء, ثم لا يعيد الوضوء), وكذلك قالت أم سلمة رضي الله عنها أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقبلها وهو صائم ثم لا يفطر ولا يجدد وضوءا. فالقبلات تجعل العلاقة بين الزوجين أرفع من أن تكون مجرد عمل آلي بعيد عن العطف والمودة, عار من الحب والحنان.
ثانيا: الحوافز الجنسية لدى الزوجين:
إن الحافز الجنسي الأول في الزوج ذي القوة البدنية والاستعداد الطبيعي إنما هو حافز عقلي واستجابة لإمكانية أو تذكر الجماع أو رؤية مثيرة للشهوة ويسمى هذا أحيانا: "إثارة المراكز العليا".
أما المرأة فهي بحاجة ملحة إلى تهييجها بشكل متقن, وجسم المرأة كله قابل للإثارة، وأكثر الأماكن التشريحية في جسم المرأة قابلية للإثارة هي الشفتان وحلمتا الثديين والبظر وحول الشفرين الصغيرين ومدخل المهبل، والرجل كالمرأة من حيث وجود بعض المناطق التشريحية القابلة للإثارة ، لكن مع اختلاف الأسماء.
يعتمد تهيج المرأة في وصولها إلى مرحلة الرعشة على أربعة عوامل مهمة:
1- مساحة منطقة التهيج بالأعضاء التناسلية عندها.
2 - عدد الأعصاب الواصلة إليها.
3- حجم التنبيه الجنسي.
4- طريقة تربيتها، وحالتها النفسية والعاطفية.
تختلف شدة ووصف الرعشة من امرأة لأخرى، وأيضا عند المرأة نفسها في مراحل العمر المختلفة، وتعتبر مناطق الفرج التي ذكرت سابقا ويغذيها العصب الاستحيائي هي مراكز التهييج عند المرأة. وعند الإثارة الجنسية تنتفخ هذه الأعضاء، وتمتلئ بالدم نتيجة تقلص الأوعية الدموية وتنتصب، وتقوم الأعصاب الجنسية بنقل هذه الإثارة إلى مراكز الحس الجنسي بالمخ.
إذا توافرت للمرأة العوامل الأربعة السابق ذكرها ولم يتوفر لها العامل الأهم وهو الزوج المثقف المدرك لحاجتها، فلن تصل إلى الرعشة أبدا؛ إذ إن للمداعبة التي تسبق الجماع دورا هاما عند المرأة أهم من دورها عند الرجل؛ فهي تهيؤها نفسيا وجسديا بحيث تؤدي إلى خروج بعض الإفرازات بالجهاز التناسلي، وهي ما تجعل المهبل رطبا ولينا حال الجماع. وهي تزيد مشاعر الاستمتاع لدى الزوجين وتتضخم أجزاء الفرج وتبرز مستعدة للجماع , وينبسط المهبل وتنفرج جدرانه بإيلاج ذكر الزوج, وتلعب العضلات دورا معقدا يحتاج إلى تعاونها وانسجامها في حالة الجماع, فبعضها يحدث إراديا وبعضها الآخر انعكاسيا, حتى إن هناك تشنجات تحدث أثناء بلوغ الذروة, ومن المعروف أن رعشة الرجل تسبق رعشة المرأة، إلا إذا كان الزوج متأنيا فيهيئ المرأة لذلك بحيث يصل الزوجان إلى الرعشة سويا، ويحظى البظر لدى الزوجة بمعظم المداعبات فهو العضو الذي يبرز في وسط الفرج نتيجة تضخمه بتوارد الدم إليه, ولا يخطئ الإصبع في تمييز هذه النقطة المرهفة الحس أكثر من غيرها, وبسبب موقع البظر فوق الالتقاء العلوي للشفرين الصغيرين عند المرأة لا تصل بعض النساء للرعشة؛ لأن جسم القضيب لا يلامسه مباشرة؛ لذلك يحتاج الزوجان إلى تغيير زاوية ووضع الجماع في أغلب الأحيان لتمكين المرأة من الوصول إلى الرعشة.
لا يمكن حدوث الجماع الكامل إلا بعد فض غشاء البكارة، وهو غشاء شفاف يقع على مدخل المهبل، ويحيط به الشفران الصغيران، وفضه قد يصحبه ألم بسيط للغاية لا يلبث أن ينتهي في لحظات، وليس خروج الدم دليلا على عفة الفتاة قبل الزواج؛ لأن 25% من النساء لا ينزفن عند الجماع الأول، وذلك لاختلاف أشكال غشاء البكارة.
إن لحظات التهيج الجنسي قوية ولكنها قصيرة عند الرجل وأطول عند المرأة, وبعد الرعشة يحل الاسترخاء محل الانفعال, ويملأ جوانب النفس سكينة الاستقرار وطمأنينة المودة التي جعلها الله تعالى بين الزوجين.
وليست العملية الجنسية لدى الزوجين بالعملية السهلة, بل إنها عملية معقدة يشترك فيها أغلب حواس الجسم, وينفق الجسم من خلالها طاقة كبيرة من الجهد والبذل, ولذلك كان على الزوجين الاهتمام بها والتحضير لها, وأن لا تكون على هامش الحياة والعشرة الزوجية. ولذلك على الزوجين مراعاة كل لبعضهما بالتفهم العميق وعدم اللجوء إلى الممانعة أو الإجبار , والحياة الزوجية مشاركة بين الزوجين لأحاسيس ومشاعر بعضهما البعض.
ثالثا:المحرمات في الاستمتاع الجنسي:
إن الحق المتبادل بين الزوجين ليس خصوص "الجماع" بل عموم ما سماه القرآن "الاستمتاع"، وهذا يعني أن لكل من الزوجين أن يذهب في الاستمتاع بزوجه المذهب الذي يريد من جماع وغيره، لا يستثنى من ذلك إلا ثلاثة أمور:
1- الجماع أيام الطمث.
2- الجماع في الدبر
3- المداعبات التي ثبت أنها تضر أحد الزوجين أو كليهما بشهادة أصحاب الاختصاص من الأطباء. أما ما وراء هذه الأمور الثلاثة المحرمة فباقٍ على أصل الإباحة الشرعية. ثم إن الاستمتاعات الفطرية التي تهفو إليها الغريزة الإنسانية بالطبع، كالجماع ومقدماته، حق لكل من الزوجين على الآخر، ولا يجوز الامتناع أو التأبي إلا عند وجود عذر شرعي. وأما الاستمتاعات الأخرى التي يتفاوت الناس -ذكورا وإناثا- في تقبلها ما بين مشمئز وراغب، فلا سبيل إليها إلا عن طريق التراضي، أي ليس لأحد الزوجين أن يكره الآخر على ما قد تعافه نفسه منها.