السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
مزيد من القصص .. مأخوذة من كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الواء الشفي ( الداء و الدواء ) لابن القيم الجوزية :
وذكر الخرائطي عن أبي غسان قال مر أبو بكر الصديق رضي الله عنه بجارية وهي تقول
وهويته من قبل قطع تمائمي * متمايلا مثل القضيب الناعم
فسألها أم مملوكة قالت بل مملوكة فقال تهوين فتلكأت فأقسم عليها فقالت
وأنا التي لعب الهوى بفؤادها * قتلت بحب محمد بن القاسم
فاشتراها من مولاها وبعث بها الى محمد بن القاسم بن جعفر بن أبي طالب فقال هؤلاء والله فتن الرجال وكم والله قد مات بهن كريم وعطب بهن سليم
ونحن لا ننكر فساد العشق الذي يتعلق به فعل الفاحشة بالمعشوق وإنما الكلام في العشق العفيف من الرجل الظريف الذي يأبى له إيمانه ودينه وعفته ومروءته أن يفسد مابينه وبين الله وما بينه وبين معشوقة بالحرام وهذا عشق السلف الكرام والأئمة الأعلام
فهذا عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة عشق حتى اشتهر أمره عليه وعد ظالما من لامه ومن شعره كتمت الهوى حتى أضر بك الكتم * ولامك أقوام ولومهم ظلم فنم عليك الكاشحون وقبلهم * عليك الهوى قد نم ما ينفع الكتم فأصبحت كالنمري إذ مات حسرة * على أثر هندا وكمن شفه سقم تجنبت إتيان الحبيب تأثما * إلا أن هجران الحبيب هو الإثم فذق هجرها قد كنت تزعم أنه * رشاد ألاياء ربما كذب الزعم
وهذا أبو بكر بن محمد بن داود الظاهري العالم المشهور في فنون العلم من الفقه والحديث والتفسير والأدب وله قول في الفقه وهو من أكابر العلماء وعشقه مشهور قال نفطويه دخلت عليه في مرضه الذي مات فيه فقلت كيف نجدك قال حب من تعلم أورثني ما ترى فقلت وما يمنعك من الإستمتاع به مع القدرة عليه فقال الإستمتاع على وجهين أحدهما
النظر المباح والآخر اللذة المحظورة فأما النظر المباح فهو الذي أورثني ما ترى وأما اللذة المحظورة يمنعني منها ما حدثني أبي حدثنا سويد بن سعيد بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه من عشق وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة ثم أنشد انظر الى السحر يجري من لواحظه * وانظر الى دعج في طرفه الساج وانظر الى شعرات فوق عارضه * كأنهن نمال دب في عاج ثم أنشد * ما لهم أنكروا سوادا بحديه ولا ينكرون ورد الغصون * إن يك عيب خده بدو لشعر * فعيب العيون شعر الجفون فقلت له نفيت القياس في الفقه وأثبته في الشعر فقال غلبة الوجد وملكة الوجه النفس دعت إليه ثم مات من ليلته وبسبب معشوقه صنف كتاب الزهرة ومن كلامه فيه من ييأس بمن يهواه ولم يمت من وقته سلاه وذلك أن أول روعات الناس تأتي القلب وهو غير مستعد لها فأما الثانية تأتي القلب وقد وطأت لها الروعة والتقى هو وأبو العباس بن شريح في مجلس أبي بن عيسى الوزير فتناظرا في مسألة من الإيلاء قال له ابن بأن تقول من دامت لحظاته كثرت حسراته أحذق منك بالكلام على الفقه فقال الآن كان ذلك فإني أقول أنزه في روض المحاسن مقلتي * وأمنع نفسي أن تنال محرما وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه * يصب على الصخر الأصم تهدما وينطق طرفي عن مترجم خاطري * فلولا إختلاس وده لتكلما رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم * فلست أرى ودا صحيحا مسلما فقال له أبو العباس بن شريح بم ولو شئت لقلت * مطاعمه كالشهد في نغماته قد بت أمنعه لذيذ سناته * بصبابه وبحسنه وحديثه * وأنزه اللحظات عن وجناته حتى إذا ما الصبح راح عموده * ولي بخاتم ربه وبراته فقال أبو بكر يحفظ عليه الوزير ما أقر به حتى يقيم شاهدين على أنه ولي بخاتم ربه وبراءته فقال ابن شريح يلزمني في هذا ما يلزمك في قولك أنزه في روض المحاسن مقلتي * وأمنع نفسي أن تنال محرما فضحك الوزير فقال لقد جمعتما لطفا وظرفا ذكر ذلك أبو بكر الخطيب في تاريخه وجاءته يوما فتيا مضمونها يا إبن داود يا فقيه العراق * إفتنا في فواتر الأحداق الشياطين عليها بما أتت من جناح * أم حلال لها دم العشاق فكتب تحت البيتين بخطه * عندي جواب سائل العشاق فاسمعه من قرح الحشا مشتاق * لما سئلت عن الهوى هيجتني * وأرقت دمعا لم يكن مهراق إن كان معشوقا يعذب عاشقا * كان المعذب أنعم العشاق قال صاحب كتاب منازل الأحباب شهاب الدين محمود بن سليمان بن مهدي صاحب كتاب الإنشاء وقلت في جواب البيتين على قافيتهما مجيبا للسائل قل لمن جاء سائلا عن لحاظ * هن يلعبن في دم العشاق ما على السيف في العدا من جناح * أن ثني الخد عن دم مهراق وسيوف اللحاظ أولى بأن * تصفح عما جنت على العشاق إنما كل شهيد * ولهذا يفني فنا وهو باق ونظير ذلك فتوى وردت على الشيخ أبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني شيخ الحنابلة في وقته رحمه الله قل للإمام أبي الخطاب مسألة * جاءت إليك وما أخال سواك لها ماذا على رجل رام الصلاة فمذ * لاحت مخاطرة ذات الجمال لها فأجابه تحت سؤاله * قل للأديب الذي وافى بمسألة سرت فؤادي لما أن أصخت لها * إن الذي فتنته عن عبادة ربه * فريدة ذات حسن فانثنى ولها إن تاب ثم قضا عنه عبادة ربه * فرحمة لله تغشى من عصى ولها
وقال عبد الله بن معمر القيسي حججت سنة ثم دخلت مسجد المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فبينما أنا جالس ذات ليلة بين القبر والمنبر إذا سمعت أنينا فأصغيت إليه فإذا هو يقول أشجاك نوح حمائم السدر * فأهجن منك بلابل الصدر أم عز نومك ذكر غانية * أهدت إليك وساوس الفكر يا ليلة طالت على دنف * يشكو السهاد وقلة الصبر أسلمت من تهوى لحر جوى * متوقد كتوقد الجمر فالبدر يشهد ومعناه كلف * مغرم بحب شبيهة البدر ما كنت أحسبني أهيم بحبها * حتى بليت وكنت لا أدري ثم انقطع الصوت فلم أدر من أين جاء وإذا به قد عاد البكاء والأنين ثم أنشد يقول أشجاك من ريا خيال زائر * والليل مسود الذوائب عاكر واعتاد مهجتك الهوى برشيشة * وأهتاج مقلتك الخيال الزائر ناديت ريا والظلام كأنه * يم تلاطم فيه موج زاخر والبدر يسري في السماء كأنه * ملك ترجل والنجوم عساكر وترى به الجوزاء ترقص في الدجى * رقص الحبيب علاه سكر طاهر يا ليل طلت على * إلا الصباح مساعد وموازر فأجابني مت حتف أنفك واعلمن * إن الهوى لهو الهوان الحاضر قال وكنت ذهبت عند ابتدائه بالأبيات فلم يتنبه إلا وأنا عنده فرأيت شابا مقتبلا شبابه قد خرق الدمع في خده خرقين فسلمت عليه فقال إجلس فقلت عبد الله بن معمر القيسي قال ألك حاجة قلت نعم كنت جالسا في الروضة فما راعني إلا صوتك فبنفسي أفديك فما الذي تجده فقال أنا عتبة بن الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري غدوت يوما الى مسجد الأحزاب فصليت فيه ثم اعتزلت غير بعيد فإذا بنسوة قد أقبلن يتهادين مثل القطا وإذا في وسطهن جارية بديعة الجمال كاملة الملاحة وقالت يا عتبة ما تقول في وصل من يطلب وصلك ثم تركتني وذهبت فلم أسمع لها خبرا ولم أقف لها على أثر فأنا حيران أنتقل من مكان الى مكان ثم انصرع وأكب مغشيا عليه ثم أفاق كأنما أصبغت وجنتاه بورس ثم أنشد يقول
أراكم بقلبي من بلاد بعيدة * فياهل تروني بالفؤاد على بعدي
فؤادي وطرفي ناسفان عليكم * وعندكم روحي وذكركم عندي
ولست ألذ العيش حتى أراكم * ولو كنت في الفردوس جنة الخلد
فقلت يا إبن أخي تب الى ربك واستغفره من ذنبك فبين يديك هول المطلع فقال ما أنا بسائل حتى يذوب العارضان فلم أزل معه حتى طلع
الصباح فقلت قم بنا الى مسجد الأحزاب فلعل الله أن يكشف كربتك فقال أرجوا ذلك إن شاء الله ببركة طاعتك فذهبنا حتى أتينا مسجد الأحزاب فسمعته يقول
يا للرجال ليوم الأربعاء أما * ينفك يحدث لي بعد النهار طربا
ما إن يزال غزال منه يقلقني * يأتي الى مسجد الأحزاب منتقبا
يخبر الناس إن الأجر همته * وما أنا طالبا للأجر محتسبا
لو كان يبغي ثوابا ما أتى صلفا * مضمخا بفتيت المسك مختضبا
ثم جلسنا حتى صلينا الظهر فإذا بالنسوة قد أقبلن وليست الجارية فيهن فوقفن عليه وقلن له يا عتبة ما ظنك بطالبة وصلك وكاشفة بالك قال وما بالها قلن أخذها أبوها وارتحل بها الى أرض السماوة فسئلتهن عن الجارية فقلن هي ريا بنت الغطريف السلمي فرفع عتبة اليهن رأسه وقال خليلي ريا قد أجد بكورها * وسارت إلى أرض السماوة وغيرها خليلي إني قد غشيت من البكا * فهل عند غيري مقلة أستعيرها فقلت له إني قد وردت بمال جزيل أريد به أهل الستر ووالله لأبذلنه أمامك حتى تبلغ رضاك وفوق الرضاء فقم بنا الى مسجد الأنصار فقمنا وسرنا حتى أشرفنا على ملأ منهم فسلمت فأحسنوا الرد فقلت أيها الملأ ما تقولون في عتبة وأبيه قالوا من سادات العرب قلت فإنه قد رمى بداهية من الهوى وما أريد منكم إلا المساعدة الى السماوة فقالوا سمعا وطاعة فركبنا وركب القوم معنا حتى أشرفنا على منازل بني سليم فأعلم الغطريف بنا فخرج مبادرا فاستقلبنا وقال حييتم بالإكرام فقلنا وأنت فحياك الله إنا لك أضياف فقال نزلتم أكرم منزل فنادي يا معشر العبيد أنزلوا
القوم ففرشت الإنطاع والنمارق وذبحت الذبائح فقلنا لسنا بذائقي طعامك حتى تقضي حاجتنا فقال وما حاجتكم قلنا نخطب عقليتك الكريمة لعتبة بن الحباب بن المنذر فقال إن التي تخطبونها أمرها الى نفسها وأنا أدخل أخبرها ثم دخل مغضبا على إبنته فقال يا أبت مالي أرى الغضب في وجهك فقال قد ورد الأنصار يخطبونك مني فقال سادات كرام إستغفر لهم الرسول صلى الله عليه وسلم فلمن الخطبة منهم قال لعتبة قالت والله لقد
سمعت عن عتبة هذا إنه يفي بما وعد ويدرك إذا قصد فقال أقسمت لأزوجنك إياه أبدا ولقد نمى الي بعض حديثك معه فقالت ما كان ذلك ولكن إذا أقسمت فإن الأنصار لا يردون ردا قبيحا فأحسن لهم الرد فقال بأى شيء قالت اغلظ عليهم المهر فإنهم قوم يرجعون ولا يحيبون فقال ما أحسن ما قلت فخرج مبادرا عليهم فقال إن فتات الحي قد أريد لها مهر مثلها فمن القائم به فقال عبد الله بن معمر أنا فقل ما شئت فقال ألف مثقال من ثوب من الأبراد وخمسة أكرسة من عنبر فقال عبد الله لك ذلك كله فهل أحببت قال نعم قال عبد الله فأنفذت نفرا من الأنصار الى المدينة فأتوا بجميع ما طلب ثم صنعت الوليمة فاقمنا على ذلك أياما ثم قال خذوا فتاتكم وانصرفوا مصاحبين ثم حملها في هودج وجهز بثلاثين راحلة من المتاع والتحف فودعناه وسرنا حتى إذا بقي بيننا وبين المدينة مرحلة واحدة خرجت علينا خيل تريد الغارة أحسبها من سليم فحمل عليها عتبة فقتل منهم رجالا وجندل منهم آخرين ثم رجع وبه طعنة تفور دما فسقط الى الأرض وأتانا نجدة فطردت الخيل عنا وقد قضى عتبة نحبه فقلنا واعتبتاه فسمعتنا الجارية فألقت نفسها عن البعير وجعلت تصيح بحرقة وأنشدت
تصبرت لا إني صبرت وإنما * أعلل نفسي أنها بك لاحقة
فلو أنصفت روحي لكانت الى الردى * أمامك من دون البرية سابقة
فما أحد بعدي وبعدك منصف * خليلا ولا نفس لنفس موافقة
ثم شهقت وقضت نحبها فاحتفرنا لهما قبرا واحدا ودفناهما فيه ثم رجعت الى المدينة فأقمت سبع سنين ثم ذهبت الى الحجاز ووردت المدينة فقلت والله لآتين قبر عتبة أزوره فأتيت القبر فإذا عليه شجرة عليها عصائب حمر وصفر فقلت لأرباب المنزل ما يقال لهذه قولان قالوا شجرة العروسين ولو لم يكن في العشق من الرخصة المخالفة للتشديد إلا الحديث الوارد بالحسن من الأسانيد وهو حديث سويد بن سعيد بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن العباس يرفعه من عشق وعف وكتم فمات فهو شهيد ورواه سويدأيضا عن ابن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا ورواه الخطيب عن الأزهري في الأم عن المعافا بن زكريا عن قطبة عن ابن الفضل عن أحمد بن مسروق عنه ورواه الزبير بن بكار عن عبد العزيز الماجشون عن عبد العزيز ابن عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس
-------------------------------------------------
و أيضا تجدون قصص أخرى في كتاب روضة المحبين و نزهة المشتاقين لابن القيم رحمه الله ..
كما أرجو منكم المشاركة في موضوع (زواج الجنسيات... قضية للنقاش ) للأخت الفاضلة صبية زغيرة .. هنا
http://66n.com/forums/showthread.php...656#post484656
و أرجو التركيز على القصة الأخيرة التي نقلتها لكم .. جدا مؤثرة .. جمع الله بيني وبين من أحب بالحلال عاجلا غير آجل .