( الأطفال )
أحباب الله ، وزهور الأرض ، ورياحين السماء ...
بهم تفرح البيوت ، وتسر العيون ، وترتاح القلوب ...
لا يعرفون الحقد والحسد والبغض كما عرفه أكثرنا ...
لا يدركون معنى الهجر والقتل والخيانة كما تشرّبها كثير منا...
في أحاديثهم ( وسواليفهم ) منطق العقل الطفولي والبدائي...
وفي مشاجراتهم ومشاغباتهم غاية الأنس والبهجة...
إن خربوا البيوت، وآذوا الجيران فخرابهم محدود ...
وإن أزعجونا فهو إزعاج لطيف وجميل ...
يسدون وحشة البيوت...
ويعمرون جوانح النفس ...
إن بكاء الطفل له في نفسي معنى عظيم .. كيف لا ؟ وهو يعني :
قتل البراءة ..
هتك البسمة ..
موت الرحمة ...
كما أن فرحته وبسمته تعني لي :
حياة الروح ..
جمال الورد ..
جنة الدنيا ..
عندما هممت في يوم من الأيام للخروج إلى الجامعة ناداني شقيقي الصغير ذو الخمسة أعوام : أخوي . لو سمحت جب لي بطاطس تسالي ! قلت : إن شاء الله يا حبيبي أيمن . كم عندنا حنا أيمن ؟ ، فأجاب وهو يصرخ بأعلى صوته : واااااااحد !
وفي السوق بدأت تلك الكلمات الجميلة التي خرجت من ( بؤه ) ترن في أذني ، فاشتريت له حبة واحدة ، ولما أردت الخروج من السوق تذكرت كلمته ( لو سمحت ) فرجعت واشتريت له عشرين حبة !!
وفي البيت عندما أعطيته ما أراد قال وهو يمد بصره إلى السماء متعجبا : كل ذا لي ؟ فقلت : كم عندنا حنا أيمن ؟ فأجاب _ وهو يضحك _ : عشرين !!
تركته والبسمة تغمر وجهه وذهبت لغرفتي للنوم ، ثم جاء يطرق الباب ، وهو يقول : اتصل على هاجر وسارة وصلوحي ( صالح ) ومازن وتركي ( أبناء خوالي ) يجون ياكلون معي ؟؟
سقطت دمعة مني على كتاب كنت أقرأ فيه، فلما نظرت إلى الدمعة فإذا بها قد سقطت على كلمة ( حب الآخرين ) !!
يا الله ! كيف ماتت عندنا هذه الصفة الملائكية، وعاشت في روح هذا الطفل الصغير الذي أدرك معنى الحب والإيثار.
وقلت في نفسي: تبـًّا لنا ! نحن نقرأ هذه الأمور ولا نطبقها، وهو لم يقرأها ويطبقها تمام التطبيق !!
أحبائي: ليس للصغار أن يفهمونا، ولكن لنا نحن أن نفهمهم ، إذ لا يمكنهم وضع أنفسهم مكاننا ، فيما يمكننا نحن أن نتذكر مكانا كنا فيه ، ومع ذلك تبقى الطفولة عالما غريبا مليئا بشتى صنوف العجب والغرابة ، وكم تمنيت مرارا أن أصول وأجول في ذاكرة طفل من الأطفال لأنظر علام يحزن ؟ وعلام يبكي ؟ وعلام يفرح ؟ وعلام يفكر ؟ وهل يلتقي معنا في تصوراته وأحاسيسه الشخصية ؟؟ .
عندما يدلل أحدنا أخاه الصغير ( أو ابنه للمتزوجين ) نسمع كثيرا عبارات مثل: لا تخليه يتدلع أو يتدلل.. وهذه في تصوري كلمة ( حق أريد بها باطل ) ؛ لأنه علماء التربية يقولون : إذا رغبتم أن يتربى أولادكم فدعوهم يسمعون الكلام الجميل الذي تقولونه عنهم للآخرين ، ومن باب أولى التعامل الحسن معهم ، فالتربية بالقدوة الجميلة والحسنة تظل أعلى مراتب أصول التربية ..
صدقوني يا جماعة من واقع تجربة أن ( حب الآخرين والتسامح مع الغير حتى ولو كان الخطأ صادر من الغير ) هو مكسب عظيم يجعل في النفوس عزة ( وشموخا وكبرياءً ) وإليكم هذه الحادثة ( الشخصية ) :
في إجازة الصيف الماضي عندما خرجت من أحد أسواق الرياض سقط أمامي طفل بمحض إرادته كانت أمه تمشي أمامه ، التفتت علي أمه وقالت : ياللي ماتستحي اشوي اشوي على البزر !
لم أتمالك نفسي وأخرجت من جيبي خمسة ريالات ووضعتها في جيب الطفل ومضيت ..
عندما شغلت سيارتي جاءتني تلك الأم الفاضلة تلهث وتقول : أنا آسف يا وليدي ، قالت لي أخت الطفل إني ظلمتك وحقك علي وردت علي نقودي وقالت : ما علينا قاصر الله يغنيك ويحفظك ويسهّل طريقك ( ودربك خضر ) ..
فأدركت بعدها أن الناس سهل التعامل معهم ولكن بدبلوماسية وأريحية نفس ..
هيا إخواني وأخواتي ابسطوا أيديكم لنعاهد الزمن من هذه اللحظة أن لا نمد يدًا ( غاضبة ) على أي طفل من أطفالنا، وأن نلبي حاجاتهم مهما كانت، خاصة وأننا في استقبال موسم الفرح والبهجة ( أعاده الله علينا وعليكم بالخير والبركة )..
############
ذكاء طفولي خارق:
حين عادت ابنة أختي من مستشفى التوليد بعد أن وضعت توأمين، ملأت البهجة نفس ابنتها التي كانت معلمتها قد منحتها إجازة يوم لتحتفل بالمناسبة، وسألتها أمها: وماذا قالت المعلمة عن التوأمين ؟ ، فأجابت الطفلة: إنني لم أعلمها بولادة أخوين توأمين، لأنني أحتفظ بالأخ الثاني للأسبوع المقبل..
###########
دعاء :
إلهي، لا تجعل بسمة الأطفال تغيب، ولا تجعل جوارحنا سلاحا للتعذيب.
وللجميع تحياتي وتقديري؛؛؛
وعلى دروب الحب والخير نلتقي؛؛؛