العزل أثناء الممارسة الجنسية
العزل أثناء الممارسة الجنسية
العزل بالإذن
إن الممارسة الجنسية التامة هي التي تتوج بالجماع وبلوغ الزوجين الالتذاذ مع التأكيد على قذف مني الرجل في مهبل المرأة.. فإذا لم يتيسر للمرأة الظفر بالرعشة الجماعية كان ذلك سببا في العديد من الأعراض غير الصحية النفسية والعضوية، كما سبقت الإشارة لذلك ويخيم على الحياة الأسرية جو من التوتر والتشاجر لأتفه الأسباب وبدونها.. وإذا ما كان الالتذاذ من نصيب الزوجين كان ذلك أدعى للمتعة والسكن النفسي والتوافق الزواجي. وعندما يتواصل الجماع إلى مداه الأقصى، فإنه ينتهي إلى تهييج كبير للمرأة قد يدفعها دفعا إلى قمة اللذة، كما ينتهي من جانب الرجل إلى قذف المني بكمية تترواح ما بين ثلاثة أو ستة سنتمترات مكعبة، ويحتوي السائل المنوي ملايين الحيوانات المنوية (حويمنات Spermatozoides) إضافة إلى العديد من المواد والمكونات الكيمياوية الحيوية Biochimiques، نذكر منها اللستين والفوسفور والمنوين Spermine. ولئن كان مآل الحيوانات المنوية الانتقال إلى الرحم بحثا عن البويضة أملا في تلقيحها، فإن المكونات الأخرى يتم تشربها من جانب الأنسجة المخاطية للمهبل، ولا تكاد تمر نصف ساعة عن الجماع حتى تكون مادة المنوين ومواد أخرى تتجول في الدم لتطرح مع هواء التنفس الزفيري Expiration ومع البول.. وثبت لدى الفاحصين أن رائحة المني تبقى فواحة، وأن الهواء الزفيري للمرأة يظل مترعا بها مدة ساعة أو ساعتين.. وإن الأعضاء التناسلية تكون، عند الممارسة الجنسية، بحالة احتقان وتهيج شديدين وأن انصباب السائل المنوي يخفف من هذا التوتر والاحتقان، وينشر السكينة والهدوء على المرأة فيزول الكابوس عن صدرها.. وبدونه ستبقى عصبية تبكي لأتفه الأسباب، فلا تشعر بالراحة والطمأنينة رغم حصولها على الالتذاذ، وقد يكون السبب عدم ارتوائها ببعض المواد الكيمياوية، وعدم امتصاص أعضائها التناسلية لهذه الرائحة النفاذة التي تتجول في الدم وتنتشر من الرئتين.
وقد أثبتت أبحاث "بوهل POHL" أن للمنوين Spermine دورا تنشيطيا لأعمال التمثيل والبناء Metabolisme وتزيد في الطاقة الحيوية العامة (1)
وبناء على ما سبق، فإن كل وسيلة يمنع بها مني الرجل عن زوجته هي مؤذية لها موترة لأعصابها ومقللة من حيويتها.. ولكن التخوف من عواقب الحمل والتملص من تبعاته أو غير ذلك من الأسباب نجد بعض الرجال يستعملون عند وطء نسائهم بعض وسائل منع الحمل التي تحول بين المني والوصول إلى المهبل، من مثل القفاز الواقي للرجل (الكبوت الأنجليزي Condom) وهو كيس مطاطي يحيط بالقضيب إحاطة كلية.. وقد يعمد آخرون إلى العزل والمتمثل في سحب القضيب من مهبل المرأة عندما يحس الرجل بحلول زمن القذف، بحيث يتم إنزال المني خارج الفرج، أو بعبارة الحافظ ابن حجر: "العزل هو النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج".. إلا أن هذه العادات شديدة الأذى لأنها تترك المرأة في أشد حالات تهيجها من غير أن يروي غليلها فتفوت عليها لذتها، كما ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري شرح صحيح البخاري". وإضافة لذلك، فإن العزل وإن كان يمكن الزوج من بلوغ الالتذاذ وحصول القذف، إلا أن الإحساس بالمتعة يكون متقلصا ودرجة التلذذ تكون منخفضة نسبيا.. هذا إضافة للخوف من غلبة الشهوة وحصول القذف قبل العزل، الأمر الذي من شأنه أن يرهق الأعصاب ويبعد النفس عن أفق اللذة وكمال المتعة.. كل ذلك إلى جانب تفويت بعض مقاصد النكاح وهو تكثير نسل الأمة الإسلامية، "تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم"، كما قال النبيص (أبو داود والنسائي والحاكم).
إن الالتزام الأخلاقي من جانب الرجل يجعله لا يعتمد مثل هذه الوسائل أصلا في علاقته بزوجته إلا لحاجة ماسة تدعو لذلك.. وحتى في مثل هذه الحالات، فإن التزامه الأخلاقي يمنعه من اللجوء لهذه الوسائل إلا بعد استشارة زوجته والحصول على إذنها، وإلا فلا مجال إطلاقا لحصول ذلك.. وإن في هذا الرضى تهيئة نفسانية تقلل من الآثار السلبية واحترام لإنسانية المرأة وتطييب لقلبها وتمتين لأواصر المودة والرحمة بين الزوجين.. ولذلك وجدنا الإسلام عندما أباح العزل وسيلة لمنع الحمل المتاحة زمن نزول الوحي.. قد جعل هذه الإباحة مقرونة بكراهة مراعاة للمصلحة التي قد يتضمنها منع الحمل أحيانا من جهة وحذرا من الآثار السيئة للعزل من جهة ثانية.
ولئن لم ينه النبي ص أصحابه عن العزل لما بلغه خبر ذلك عنهم (2)، ولئن لم ير بأسا بالعزل لما سئل عنه(3) فإنه لم يمنعه ذلك من تأكيد الكراهة لما سألوه مرة عن العزل فقال: "ذلك الوأد الخفي"4 ولم يكتف التشريع الإسلامي بقرن الإباحة بالكراهة، وإنما اشترط للجواز رضى الزوجة وإذنها، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي ص نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها(5)، وعلل الفقهاء ذلك بقولهم "لأن للحرة حقا في الاستمتاع وفي طلب النسل. فلما لم يكن له أن يمتنع من وطئها لم يكن له أن يمتنع من إكماله.."(6).
ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ قارن د. فريدريك كاهن: حياتنا الجنسية، د. صبري القباني: حياتنا الجنسية 122د. ماري سنوبس: أسرار الحياة الزوجية مع تذبلات د. نقوواد حداد 187
2 ـ رواه البخاري ومسلم والترمذي.
3 ـ حديث رواه ابن خريمة بسند صحيح.
4 ـ رواه مسلم وأحمد والبيهقي، راجع حول هذه المسألة الشيخ محمد ناصر الدين الالباني: أدب الزفاف 49 وما بعدها د. محمد سعيد رمضان البوطي في كتابيه: فقه السيرة ومسألة تحديد النسل، الإمام الغزالي: إحياء علوم الدين، أبو الأعلى المودودي: مسألة تحديد النسل د. صبحي الصالح: معالم الشريعة الاسلامية.
5 ـ رواه الإمام أحمد وصححه الشيخ أحمد شاكر محقق المسند.
6 ـ د. أم كلثوم يحيى مصطفـى الخطيب: قضية تحديد النسل في الشريعة الإسلامية 128 نقلا عن المنتقى شرح الموطأ للباجي 128/4 وحاشية الدسوقي على شرح الكبير لأحمد الدردير 271/