فإن من العادات القبيحة المنتشرة عند طائفة من المسلمين اللعن باللسان فترى وتسمع كثيرا من الجهال والعوام يلعن أهله وزوجه وولده ومتاعه ويومه وساعته وجاره وعدوه ولا يكاد يسلم شيء من لعنه وهذا فيه خطر عظيم على دين المسلم يوجب له الإثم والعقوبة.
إن اللعن باللسان عادة سيئة تنم عن ضحالة الفكر واعتلال القلب وسوء الخلق ودناءة الطبع وضعف الإيمان وفجاجة التعامل. وفي المقابل ترك اللعن يدل على رقي الفكر وسلامة القلب وحسن الخلق وكرم الطباع وصيانة العبد للسانه وضبطه.
وقد ورد زجر شديد في السنة للعن وعاقبة وخيمة. فقد ورد النهي الصريح عن فعله لما روى سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار). رواه الترمذي وصححه. وقد نفى الرسول صلى الله عليه وسلم خصلة اللعن عن المؤمن كما عند الترمذي: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ). وبين صلى الله عليه وسلم أن الصديق الذي يصدق فعله قوله لا يكون لعانا أبد كما في صحيح مسلم: (لا ينبغي لصديق أن يكون لعانًا).
فالمؤمن الحق ينبغي عليه أن يكون عفيف اللسان متنزها عن الأقذار والأوساخ من لعن وشتم وهمز ولمز وغيره ليزداد إيمانه وتقوى بصيرته ويسلم دينه من التبعة. أما الفاجر والسفيه فيطلق لسانه في أعراض المسلمين باللعن ويهتك أستارهم ولا يبالي بمغبة هذا البلاء ولا يتورع أبدا.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتورع ويتحفظ عن اللعن كما قال صلى الله عليه وسلم: (إني لم أبعث لعانا و إنما بعثت رحمة). رواه مسلم. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبابا ولا فحاشا ولا لعانا كان يقول لأحدنا عند المعتبة ما له ترب جبينه). رواه البخاري.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوق من صحبة الدابة الملعونة وذلك لشدة اللعن وما يترتب عليه من محق البركة ونزول العذاب فقد روى مسلم في صحيحه عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال: (بينما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة. قال عمران: فكأني أراها الآن لتمشي في الناس ما يعرض لها أحد). وقال الإمام أحمد فيمن شتم دابته: (الصالحون لا تقبل شهادته هذه عادته).
وإذا تفكر المسلم بحقيقة اللعن ومعناه بأن اللاعن يدعو على الملعون بالطرد والإبعاد عن رحمة الله لما تجرأ وتقحم هذا المركب الصعب. ولذلك ورد في الحديث: (إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان أهلا لذلك وإلا رجعت إلى قائلها). رواه أبو داود.
ومما يدل على عظم جرم اللعن وشدة إثمه ما روي في الصحيحين: (لعن المؤمن كقتله). فالشارع جعل اللعن بمنزلة القتل في الإثم لأنه من الكبائر الخبيثة وهذا فيه من الزجر والتخويف ما فيه ومع ذلك تعجب كيف يتساهل كثير من الخلق في الوقوع فيه.
ومن العقوبة العظيمة التي يعاقب بها المكثر من اللعن ما ورد في صحيح مسلم عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة). فمن كان ديدنه اللعن في حياته محروم من الشفاعة لقرابته يوم القيامة لأن اللعن ينافي الشفاعة فجوزي من جنس عمله ومحروم من الشهادة على الأمم بتبليغ الرسل لهم يوم القيامة فيالها من خسارة عظيمة وغبن فادح لا يعوضها شيء.