لطالما كنتُ ومازلت مؤمناً أن الافتخار هو الوجه الآخر للكبر، ذلك إن المرء الذي يفتخر بأي أمرٍ كان، سواء مال أو جاه أو منصب أو شهادة أو جمال أو ذكاء أو مسكن فاخر أو ميزة أو نسب أو غير ذلك من مكاسب يمنحها الله عز وجل لعبده لحكمة يعلمها هو ماهو إلا يمارس نوعاً من الكبرِ على خلقه أو على من هو دونه، فهو لايرد العطاء ولا الميزة لله عز وجل إنما لنفسه ولمن حوله، وأنه إنسان مميزة عن غيره أو بقية خلقه، وأول من تكبر وافتخر بذاته هو إبليس حين أمره الله عز وجل أن يسجد له، فقال "أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين" وهاهو ينسب ذاته إلى نسب أعلى وهو النار، والنسب الأقل وهو الطين، ويرفض أمر الله الذي هو من صنعه وأوجده بحجة أنه من جماعة النار.
الأسوأ هو من يفتخر بشيء لايستحق الافتخار ولايعتبر لامزية ولا مكسب، كمن يفتخر بأنه ينتمي إلى تلك القبيلة أو تلك أو ذلك البلد أو ذاك، ذلك أنه لاحيلة ولا قدرة له سوى أنه وجدَ في تلك الكينونة التي لايد له بها، وكان من الممكن أن يكون في تلك القبيلة أو ذلك البلد الذي يراه أقل منه، والأمر نفسه لمن يفتخر بتاريخ أجداده وآبائه الذي هو لايعدو كونه صراعاً وهتكاً للاعراض والدماء أو زيفاً وكذباً من قصص تحكى ونقلت من كاذب إلى أكذب منه، أو يفتخر بدولته التي بطشت بدماء البشر.
إن ذلكَ يعكس لنا الوجه الأخر أيضاً من تفاهة وسطحية عقول كثير من البشر، ويقوده ذلك إلى عالم البهائمية والسطحية والظلم، وكثيراً ماوصف لنا القرآن الطبائع البشرية وأكد عليها، وخير الناس من هو أقل تشبثاً بها وأكثر بعداً عن الافتخار.
إن نسبة المرء لما حصل عليه لله، يقوده بالنهاية كما يفترض إلى التواضع والتسليم أن مايملكه من أمور وأشياء ماهي إلا من عنده سبحانه، ولا له سلطة ولا ميزة له، كما يقوده ذلك إلى أن ينظر إلى أن مايملكه الآخرون أيضاً ماهي إلا عطايا من ربهم، فيبتعد عن الحقد والحسد.