وحدة الهدف ... رؤية مشتركة
مفكرة الإسلام :
يشعر الإنسان بالرضا والسعادة الحقيقة حين يرى من هو بجانبه دائمًا يشاركه أهدافه، يشاركه أفراحه وأحزانه، ولا يتخلى عنه، فالحياة الناجحة تقوم على الأخذ والعطاء، وعلى الحب وعلى الاطمئنان إلى أن هناك من يساند الإنسان ولا يمكن أن يتخلى عنه مهما كنت الظروف.
وكما أن الزواج شركة فلابد لهذه الشركة من أهداف مشتركة، والزوجة المؤمنة الصالحة هي التي تشارك زوجها في وضع أهدافه وفي وصوله لهذه الأهداف، وتشارك زوجها في أفكاره ومبادئه، وتحاول أن تكون على مستوى اهتماماته، فما أجمل أن يعيش الزوجان لهدف واحد وأن يتطلعا لآمال مشتركة وأن تحتويهما منظومة فكرية واحدة، كلٌ يخدمها بطريقته.
أما المرأة التي تعيش في وادٍ وزوجها في واد آخر، لا تهتم بتطلعاته وآماله وطموحاته ولا بطريقة تفكيره، ولا تشاركه أفكاره ومبادئه، فأنى لهذه الزوجة أن تعرف معنى السعادة الحقيقية، وأنى لها أن ترى إنجاح زوجها هدفا أو تستشعر معانيه ، وهو إن نجح فنجاحه في مثل هذه الحالة يمثل نجاحًا فرديًا مبتورًا، فالنجاح الحقيقي هو ما يجني المرء من وراءه السعادة في نفسه وبيته ومجتمعه وكذلك في الدنيا والآخرة.
أنواع الأهداف
أيها الزوجان يقسم علماء الإدارة الأهداف إلى نوعين:
1ـ أهداف استراتيجية أو كلية: وهي الأهداف ذات الأجل الطويل والتي تحتاج إلى زمن أطول لتحويلها إلى واقع عملي ملموس في الحياة.
2ـ أهداف تكتيكية أو جزئية أو مرحلية: وهي الأهداف ذات الأجل القصير والتي تحتاج إلى زمن محدود لتنفيذها، وتكون جزءًا من الأهداف الاستراتيجية بحيث تؤدي إليها في النهاية.
ولا شك أن الهدف الاستراتيجي الأكبر لكل مسلم ومسلمة هو الفوز برضوان الله تعالى والجنة، وهذا الهدف الكبير يتحقق ويترجم في كافة مجالات حياة الإنسان وجوانب معيشته بحيث يحقق المسلم فيه قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[1] وبذلك تتحول حياة الإنسان كلها ولحظات عمره إلى سلسلة لا تنتهي من الإنجازات التي تصب في مصب إرضاء الله تعالى.
أعزائي الزوج والزوجة:
إن من علامات الزواج الناجح أن يكون للزوجين أهداف مشتركة يسعيان لتحقيقها، هذه الأهداف قد تكون أهداف دينية أو أهداف علمية:
أهداف دينية: وهي كما ذكرنا إرضاء الله تعالى عن طريق إتباع منهجه وعدم مخالفة أمره وابتغاء الأجر والمثوبة في كل عمل يعمله من أمور الدنيا.
أهداف علمية: كإتمام الدراسة، أو تعلم العلوم الشرعية أو ..، والناس مختلفون فقد يود هذا أن يكون مهندسًا ناجحًا، وذاك يريد أن يصبح رجل أعمال ناجح وآخر يريد أن يكون عالمًا فقيهًا .. وهكذا.
وتحديد الهدف بدقة ووضوح أمر هام بالنسبة لكل إنسان، والذي لا يضع هدفًا أمامه يسعى لتحقيقه فلن يكون ناجحًا متميزًا.
استراتيجية نضح الماء:
هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: 'رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ أهله فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء'[2].
ما أجمل أن تُبنى البيوت على طاعة الله، والتواصي برضاه، وما أروع أن يحث الزوجان بعضهما على فعل القربات والتحلي بكريم الصفات.
فكما تحث الزوجة زوجها على السعي في الدنيا لتحصيل الرزق وزيادة الكسب، فعليها كذلك حثه على الطاعة والخير .. وإني لأسأل الزوجة المسلمة.
هل تحثين زوجك على الصدقات؟
هل تذكرينه بصلة الأرحام؟
هل تدفعينه لبر الوالدين؟
هل تدفعينه للكسب الحلال؟
أين المرأة التي كانت تقول لزوجها عند خروجه من بيته للعمل:
اتق الله فينا ولا تطعمنا حرامًا فإنا نصبر على الجوع في الدنيا ولا نصبر على النار في الآخرة؟
فالزوجان أصحاب الأهداف المشتركة يذكر كل واحد منهما الآخر بطاعة الله، والهدف الكبير في حياتهما، وتكون كل أعمالهما لتحقيق هذا الهدف، ولا يشغلهما المال أو الأولاد عن هدفهما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون:9].
قمة السعادة:
إن السعادة هي والله في طاعة الله والتقوى والرضا بما قسم الله لنا في هذه الدنيا والاستعداد للآخرة، إن السعادة في مسح دمعة يتيم أو تفريج كربة عن معسر أو مساعدة محتاج. قمة السعادة في من أطاع الله واتقاه إذ ربح الدنيا والآخرة ومن عصى الله وخالف أوامره خسر الدنيا والآخرة قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97].
ولله در القائل:
ولست أرى السعادة جمع مال
وتقوى الله خير الزاد ذخرًا
ولكن التقي هو السعيد
وعند الله للأتقى مزيد
ولا يفهم من هذا أن يصلي الإنسان ويكون طيب القلب ويفعل الصالحات ويؤدي العبادات، وفي الوقت نفسه تجده كسولا خاملاً غير جاد في عمله وسعيه وطلب الرزق والحرص علىالمزيد من التقدم العلمي والوظيفي في مجالات حياته المختلفة.
كلا فالمشهد لا يلزم منه تنافى الاثنان ولكن المطلوب الجمع بينهما والتوازن بين العبادة وبين العمل والسعي في الأرض طلبًا للرزق وأيضًا طلبًا للعلم.
والرؤية المشتركة في وحدة الهدف بين الزوجين هي اتفاق الزوجين على المسلك الشرعي في حياتهما وفي علاقتهما، وأيضًا العمل الدعوي، والعمل الخيري، وأيضًا الطموح العلمي وتعلم الجديد وما يناسب العصر في حدود الشرع.
فنجد الزوج يتعلم ويعلم زوجته ويحتسب كل أعماله مع زوجته حتى اللقمة يرفعها إلى فيّ زوجته والزوجة أيضًا تعرف لزوجها قدره الذي عظمه الإسلام، وتقوم بحقوقه من باب أن هذه الحقوق عبادة تتقرب بها إلى الله تعالى لا على أنها حقوق مجردة.
وذلك يكون سببًا من أسباب المودة والسعادة بين الزوجين وإن كان للزوج طموح علمي فعلى الزوجة أن تدفعه للنجاح وللمزيد من التقدم العلمي، وأيضًا نقول للزوج لا تقف حجر عثرة أمام طموح زوجتك العلمي أو الدراسي أو الوظيفي فكم سمعنا وقرأنا عن نماذج رائعة من الأزواج اتفقا قبل الزواج على إكمال الدراسة، وقد تم بالفعل بعد الزواج، وإن مر على هذه الرؤية المشتركة سنوات من عدم التحقيق وهذه الرؤية المشتركة بين الزوجين وهي أهمية أن تكون الزوجة متعلمة ومثقفة؛ لأن ذلك يعود بالنفع على أولادهما وأسرتهما، هذه الرؤية تدخل في الأهداف العلمية للزوجين، وليتأكد الزوجان أن وحدة الأهداف بينهما هي علاقة لنجاح العلاقة الزوجية؛ والتي يقطف ثمارها الجميع الزوج والزوجة والأولاد والعائلة والمجتمع بأسره.
وإلى أسرة تمر عليها السنون وهي في تنامي مستمر للأهداف المشتركة وتفاعل فاعل مع واقعها إلى مثل هذه الأسرة نطمح وبصورتها نتعلق وإليها نسعي فهل من مشمر!! يا من بدأتما الطريق لا تنسيا كلاكما وحدة أهدافكما ومن بارك الله في زواجكم ومد عمره أعيدوا الذكريات وانفضوا الغبار عن الكواهل وجددوا الأهداف وانطلقوا.
Shark