مساء الخير لجميع الأخوات والأخوة
كثيراً من سلوكياتنا مصدرها هو اللاوعي، فقد نتخذ سلوكاً معيناً نتوقع أن مصدره هو الوعي والإدراك والسبب الحاضر المباشر المشاهد، وهو في الحقيقة سبباً خفياً قد لاندركه في لحظة رد فعلنا تجاه أي موقفٍ أو سلوك، على سبيل المثال يقطع إنساناً إشارة المرور أمام رجل الشرطة، فيلحق به هذا الشرطي حتى يمسكه وينهال عليه بالكلمات كون ذلك القائد للسيارة لم يلتزم بالإشارة الحمراء وقد كاد أن يتسبب بحادثٍ ما، ذلك الغضب البادي على الشرطي وتلك الكلمات التي تفوه بها، ليس دائماً مصدرها الغضب لذات السلوك، ولكن في اللاوعي هو الغضب لأن قائد المركبة لم يبالي بوجود ذلك الشرطي الواقف أمامه لم يهابه لم يعطيه مكانته كضابط للسير، لقد جرح الأنا عند ذلك الشرطي، يعتقد الشرطي أنه غضب لأن ذلك الرجل كاد أن يتسببَ بحادث مثلاً، لكن الحقيقة وهي الكامنة في لاوعيه هي أن غضبه لأن ذلك السائق أهانه وجرح الأنا عنده.
يمكنكَ أن تقيس هذا المواقف على آلاف المواقف وردود الفعل في حياتك وفي حياة غيرك من الناس. إن أكثر ردود الأفعال سواء كانت غضباً أو فرحاً أو حزناً أو غيره ليس مصدرها ومحركها هو ذلك السلوك البادي الصرف إنما شيء في اللاوعي قد يدركه ويتفكر به بعضهم ولا يدركه كثير من الناس، والله أعلم.
في التربية خاصة يتجلى ذلك الشيء، وأشاهده في كثير من الآباء والأمهات، وقد يكون والدايَ أو أحدهما أسير له، كثيرُ من الوالدين يريدون من أبنائهما أن يسلكوا أو يلبسوا أو يتخذوا طريقاً معيناً، إن هذا الطلب وهذا الأمر من قبل الوالدين نتيجة لاوعي كامن عندهم لتحقيق ذواتهم على حساب أبنائهم وإن كانوا يشعرون أنهم يريدون لهم الخير، لكنه في الحقيقة التي لايدركونها أنهم يريدون إرضاء ذلك العقل اللاوعي الكامن داخل ذواتهم، يأمر أحدهم أبنه بالصلاة وذلك الإبن منشغلاً بمشاهدة المباراة، يتولى الأب للمسجد، فيعود ويجد أبنه منهمكاً بمتابعة فريقه، فينهال عليه شتماً وسباً وانتقاداً، كونه لم يحضر الصلاة بالمسجد، إن هذه الغضبة الظاهرة على الأب تبدو له أن سببها أن الأبن فوت وقتاً لصلاة، لقد أغضب الله، لقد أرتكب ذنباً كبيراً، وباطنها الذي لايشعر به أن أبنه لم يسمع كلامه لم يطيع أوامره، أهانه بعدم الاستجابة له وهي آداء الصلاة.
إن سلوكياتنا تجاه أبنائنا والأخرين يجب أن نتفحصها ونتأكد هل أصلها ومنبعها هو الذات والأنا، أم خلاف ذلك، كلنا نقع بهذا المأزق، فلنحاول بكل مانستطيع مجاهدة طغيان النفس وجبروتها وتكون ردود أفعالنا متسمة بالتفهم والهدوء لكل لانجعل لأنفسنا نصيب من الآنا، ولكن نظمن أن دوافعنا سليمة وصافية من كل الشوائب الذاتية والأنانية.
هذا الموضوع كان حافزه تلك الحلقة القصيرة التي شاهدتها لأول مرة بقناة خليجية للمبدع الدكتور وليد فتيحي في برنامج ومحياي الذي يأتي في الساعة السادسة والنصف قبل آذان المغرب، لقد لامس شيئاً عميقاً في نظرتي وكأنه يقول كلاماً أقوله كثيراً في داخلي وعبر عنه عبر تلك الحلقة الجميلة، وأدعوكم لمشاهدتها، ومتشوقٌ لسماع ردود فعلكم حول الموضوع والحلقة، وتقبلوا تحياتي وتهنئتي لكم بالشهر الكريم.