خيوط من نور لاينقطع - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

مساحة فكر خواطر وقطع أدبية تربوية واجتماعية.

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 14-12-2014, 01:59 PM
  #1
قطرة الندى 7
عضو المنتدى الفخري
تاريخ التسجيل: Dec 2014
المشاركات: 2,020
قطرة الندى 7 غير متصل  
خيوط من نور لاينقطع




* خيوطٌ من نورٍ لا ينقطع *


[img]http://im64.***********/rAus1Z.jpg[/img]


ترتجف يدها كمن وصل برد الجليد والصقيع حتى عظامه ، وشفتاها عاجزتان عن الكلم ، وبفزع تراقب عيناها الخطين الظاهرين على أنبوب اختبار الحمل ...

- لا .. لا يمكن أن أكون حاملا ، لا أريد ن أكون حامل ، يا ربي ! ساعدني !

وهو يحاول أن يخفف عنها :


- إنها مشيئة الله !

وضعت رأسها بين كفيها :

لا تريد طفلا جديدا ... أكرمها الله بأطفال ملائكة ، ذكورا وإناثا .... ما أجملهم !


ولكن لن تنسى عذابها بالحمل بهم وبإرضاعهم ، بعدم نومها في الليل لبكائهم ، وبكفاحها لإزالة آثار الحمل واسترجاع رشاقتها ،بمسؤولية تربيتهم ، بخوفها عليهم عند ذهابهم للمدرسة ، وعند رجوعهم ، وعند خروجهم ، وحتى في نومهم ، تستيقظ لتغطيهم وتقرأ لهم الأذكار والتحصين .. بلهاثها عقدين من الزمن وراءهم ، ككلب وفيّ ليس همه سوى إرضاء صاحبه ..

والآن، لا تدري أهي نعمة أم نقمة ، هذا الحمل المتأخر ..



رفعت السماعة بجنون يتوشّح الهدوء :


- ألو .. كيف حالك يا "غصون " !
أرجوك أخبريني ماذا فعلتِ حتى تجهضي طفلك الأخير ؟؟


- لا حول ولا قوة إلا بالله ! مستحيل أن أقول لك ، استهدي بالله وتوكلي عليه ، كله خير من عند رب العالمين وألف مبروك الحمل ....



أغلقتِ السّماعة ، لكن الجنون كان يستعرُ في عينيها ، وخوف ممزوج مع حنق وقلق : ماذا تفعل؟!!!

حاولت رفع أشياء ثقيلة ، وإرهاق نفسها علَّ الجنين يسقط لوحده ، لكنَّه ازداد تمسكا بجدار رحمها ، و رفض أن يتخلى عنها - رغم محاولاتها جاهدة أن تتخلى عنه - ونشب أظافره الطرية في ظلمات أحشائها الثلاث معاندا رغبتها ...

وفي بداية شهرها الرابع استسلمت للواقع ، وقررت أن تراجع الدكتورة وتتابع معها الحمل...

الطبيبة وهي تتفحص بعينها شاشة السونار :


_ما شاء الله ! كل شيء بخير ، حجم الجنين ونبضه وحركته وكمية السائل حوله ، ولكني لا أستطيع أن أتبيَن جنسه ، فهو في وضعية السجود والحبل السري بين رجليه ، سبحان الله !! انظري !!

رفعتْ رأسها ونظرتْ إليه ، وكان يبدو في وضعية سجود مهيبة ، ويرفع جبهته كل قليل ويعود للسجود ...

وهالها ما رأت ، فهذه أول مرة ترى هذه الوضعية في حملها بأطفالها كلهم !!!

شيءٌما تحرَّك في قلبها ، وأحسَّت بارتباط عجيب مع هذا الجنين ،تضافر مع ندم شديد أنها فكرت في التخلص منه يوما ، وهو يسجد لله بفطرته ، وهي تتذمر ولا تحمده ولا تشكره ...


كم من امرأة تجلس في العيادة خارجا ، تراجع الطبيبة كي تستطيع أن تحمل بطفل واحد ، أوأجهضت طفلا وتريد أن تحمل ثانية ، وهي كانت تريد التخلص من طفلها ، أيُّ أمٍّ ! وأيّ امرأة جاحدة هي !!!!!

تحشرجتْ الكلمات ، وضاعت المعاني وتاهت مشاعرها ، أمام رؤية نفسها العارية ، وأمام العيون التي كانت تحدِّق فيها وهي خارجة من العيادة وكأنّها تلومها ، وتكاد تسمع إحداهن تقول لها : " لم لا تعطيني طفلك أيتها الجاحدة ! "


وأخرى تهمهم : " أي امرأة وأمّ كافرة بنعمة نحن نتمناها كلّ يوم !!! "


هزَّتْ رأسها وأغلقت آذانها بأصابعها وخرجت مسرعةً إلى زوجها لاهثةً ، تتموَّج في عينيها نظراتٌ كقوس المطر مُتدرِّجة بألوان سبعة من : الذهول والتشتت و المحبة و الندم و القلق والخوف والرجاء ....

وقالت:

- عزيزي ، إذا كان الجنين بنتا : سنسميها" ساجدة " ، وإذا كان ولدا سنسميه : " ساجد " ...


وافقهاعلى الفور وحمد الله أنَّ كل شيء بخير ...



مرَّتْ الشهور الأخيرة متعبة مرهقة ، وحان موعد ولادتها بعد تأخر أكثر من أسبوع ، وكأنه يرفض الخروج ، ويتشبثُّ بإصرار في أحشاء أمه ، حتى حانت لحظات المخاض الرهيب المؤلم ، وخرج إلى الحياة صارخا : طفلا صبيا جميلا ، بسرعة أخذوه عنها بعيدا ، وصارت تنادي الممرضة لإحضاره ورؤيته ، وبعد إلحاحها أحضرته لها وهي تحمله من الخلف ،ووجهه باتجاه أمه المستلقية ، وكان يبكي ، فقالت له بهدوء :

- لماذا تبكي يا ماما لماذا ؟؟

ومدَّتْ يدها نحوه فأمسك سبَّابة يدها وأطبق عليها بقوة بيده الصغيرة الجميلة ، وكفَّ عن البكاء وهدأ ...

لن تنسى ما حَيِيَتْ عمرها هذه اللحظة، ورابطة فريدة ربطت بينها وبين الصغير ، في تلك اللمسة وتلك اليد الصغيرة الطرية ، التي أطبقت بقوة هائلة على إصبعها ...


بعد أن خلت به ، فكت ثيابه عنه وراحت تتفحص كل جزء من جسده الصغير حتى تتأكد أنَّ الله لم يعاقبها بأخذ جزء منه أوإنقاص إصبع أو تشوّه ما ... واستغفرت لربها ، وشكرته وحمدته كثيرا أن أعطاها طفلا كامل الخلق ..



كم من أشياء كثيرة تُفرض علينا في هذه الحياة ! ونظنُّ أنَّها شرٌّ لنا وأنَّ حياتنا ستكون جحيما معها ، ويتبيَّنُ لنا ولو بعد مدَّة أنها خير لنا بل وخير كثير ، وكنا بجهالتنا وعدم صبرنا وتسرِّعنا سنفقدها وتضيع منا ...


وكم من مرّة نظن أنّها النهاية ! فإذ بها البداية ، فلم لا نشكر ربنا في السَّراء والضراء ونتروى ولا نتعجَّل حتى نتبيّن خيوط النور في كل حكاية من حكايا حياتنا !!!



***

بقلم أختكم :
مؤيدة بنصر الله
منقول من مواضيعي في منتدى الفراشة النسائي


__________________

التعديل الأخير تم بواسطة قطرة الندى 7 ; 14-12-2014 الساعة 02:03 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر

الكلمات الدليلية
قصة،أم،نور،خيوط،


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:04 AM.


images