عادة أطلق هذه العبارة (موت الزواج) وأعني بها أن مفهوم الزواج الحقيقي والمعروف قد انتهى أجله، أدرك أن الحياة الزوجة منذ أن خلق الله البشر إلى أن تقوم الساعة لن تكون دائماً مثالية، وهي في ظني متشابهة جداً، بالخصام بالحب بالشد بالجذب بالفرح بالقهر وغير ذلك من متناقضات، تتضخم عند عائلة وتقل عند أخرى، هكذا هي الحياة الزوجية، مادام أنهم بشر طبيعتهم النقص والخطأ والنسيان والاستعجال، ولأن هذه طبيعة البشر فإنه لا استغراب أن تمضي الحياة الزوجية بهذا الشكل، والزوجان الناجحان أو لنقل الموفقان هما من يحاولا أن يقللا أكبر قدر ممكن من المشاكلات والتقاطعات، وأن يعيشا بأكبر قدرٍ من التفاهم والوئام، رغم أن الكمال غاية يصعب الوصول إليه.
ومع دخول العصر الحديث أو التقني أو الألفية الثالثة، سمه ماشئت، فإن هشاشة وبنية الاسرة أصبحت ضعيفة ومتآكلة، سواء على الصعيد العالمي أو الصعيد المحلي، ولن أسهب في مفهوم الأسرة من وجهة نظري على المستوى العالمي لكي لايتشتت الموضوع وتضمحل فكرته، ولذلك سأركز على المستوى المحلي.
المتابع لكثير من العلاقات الزوجية، يلحظ أنها تنحو صوب الهشاشة والضعف، والتهرب من المسؤولية خصوصا من قبل الرجل، هنا نتحدث عن الزيجات التي أعمارهم تقريباً بين 25 حتى 45، الرجل وهو المتهم الأكبر في نظري، أصبح ينحو تجاه الترفيهة وتغليب المصلحة والسعادة الذاتية على حساب العائلة والزوجة الأبناء، لذلك يمضي الوقت الطويل إما خارج البيت أو على الأجهزة الحديثة كالكمبيوتر والجوالات أو من خلال الخروج مع الاصدقاء في الاستراحات أو السفر ناهيك عن نوعية توجهه إن كان مقبولاً أو غير مقبول ومتجاوز للخطوط الحمراء، إن يتلذذ كثيراً بتلك المنافذ، وينسى أن وراءه أسرة ومسؤولية متنوعة تجاهها يجب أن يتفرغ لها على حساب كثير من المنافذ المسلية، إلا أن الواقع يفشي عن أن الزوج لايعي أهمية ذلك أو لايريد، فلذته الشخصية أولاً، لقد أصبح يفتر من كل مسؤولية تلقى على عاتقه، وهذا النهج الأناني إن جاز التعبير لم يكن موجوداً في السابق وبهذا الشكل، ومع ذلك فهذا لايعني أيضاً عدم تحميل الزوجة بعض الأسباب التي تؤدي إلى موت الزواج، فالأولويات التي لديها كأم وزوجة اختلفت عن السابق، أو الأم والزوجة الطبيعية كما يمكن أن نراها من خلال نماذج أمهات وزوجات حالية سواء محلية أو عالمية (لكي لايدخلنا البعض بمقارنات بين الزوجة والأم سابقاً وحالياً).
ماكتب آنفاً يتحدث عن التغيرات في المفاهيم للحياة الزوجية أو انفخاض مستوى المسؤولية تجاه الأسرة والحياة الزوجية القائمة حالياً، إلا أن تلك اطلالة مهمة لندلف فيها إلى الموضوع الرئيس في هذا الموضوع، وهو الموت الحقيقي للزواج في نظري لدى الجيل الجديد -ولا يعني هذا تعميماً-.
طبيعة الاجيال واهتماماتها وثقافتها متغيرة منذ الخليقة، وهذا شيء لاجدال فيها، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجه يقول لاتجبروا ابنائكم على عاداتكم فإنهم قد خلقوا لزمن غير زمانكم، إلا أننا حين نطبق تلك المفهومة على الجيل الجديد أو القادم وننزلها على مفهوم الزواج فإنها لاتتسق أبداً، لأن الموضوع هنا ليس في عادات بقدر ماهي في مفاهيم وأساسيات، لقد تربى أغلب هذا الجيل والجيل القادم على اللامسؤولية، وهنا لا أحمل فقط الشاب كما حملت الزوج من قبل إنما أحمل كلا الجنسين الشاب والشابة، هذا الجيل الجديد لايكاد يدرك أبعاد معنى الحياة الزوجية، بل ربما لايستطيع أن ينظر إلى كونها أبعد من علاقة عاطفية أو أحلام مبالغ فيها ينتظر ساعة الزواج لينالها، بينما الزواج كما هو معروف ينبني على مسؤوليات ومهام كبيرة تبدأ من الأعمال التي يقوم فيها الزوجان داخل البيت مروراً بمسؤولية تربية الأبناء وتعليمهم والاستجابة لمتطلباتهم والعمل على توفير سبل العيش لهم، وغير ذلك من كد وتعب ومسؤولية وتنازلات تتطلب من قبل الزوجين، ولأن الجيل الجديد لم يعد يدرك معنى المسؤولية وهدف الحياة الزوجية، وبما أنه قد تربى على اللهو والرخاء واللذة وعدم القيام بالمسؤولية الشخصية كما كانت تقوم به الأجيال السابقة منذ طفولتها حتى تلج الحياة الزوجية بعد تأهيل وتدريب كبيرين غير مباشرين من قبل الأهل و المجتمع، أصبح الزوجين الجديد قابلين للاشتعال والتشتت والانهزام والركون إلى الدعة وبالتالي وجود حياة زوجية هشة أو تنتهي إلى الانفصال لكون الزوجين غير مدركين لموقعهما من الإعراب كزوجين، ولأنهما غير قادرين على تحمل المسؤولية للتجديف وتوجيه دفة الحياة الزوجية وسط امواج الحياة المختلفة التي تقابلهم أثناء سير سفينتهم، ولأنهم في عصر اللذة والأنانية وحب الذات الطاغي على كل مبدأ، وهو مايتناقض كلياً عن طبيعة الحياة الزوجية التي تحتاج إلى التعاون والتضحية والتنازل، لقد أصبح الجيل الحالي والقادم يضيق ذرعاً بكل مسؤولية ودور داخل الحياة الزوجية، إنه يريد أن يخرج من عالمها إلى عالمه الخاص الواهي والساذج من خلال الاهتمامات السطحية، التي يرى فيها ذاته بعيداً عن تلك الحياة المقدسة.
إن واقع الحياة الزوجية الحالية للمستويات العمرية التي ذكرتها في بداية الموضوع يكاد يكون مزرياً وغير متقبلاً، وحين ننظر إلى الجيل الحالي والقادم ونعد ونستعرض تلك السلبيات والاهتمامات والتوجهات والميول التي تتحكم بشخصية الفرد من الجيل الجديد ذكراً كان أو أنثى سيكشف لنا وبالتأكيد عن مستقبل هش وسحطي ومتآكل يقودنا إلى الإيمان أن الحياة الزوجية في خطر وأن مستقبل الزواج هو الموت للأسف، وأن المرء أصبح يعيش فقط لذاته ولذته، ولايريد أكثر من ذلك.